كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غياب الشعبوي في ظرف تقدم الشعب و سقوط النخب
نشر في حريات يوم 29 - 01 - 2018

قبل سبعة سنوات أيام الربيع العربي في كل من تونس و مصر وليبيا واليمن كانت لحظة قد وصفها عبدالله الغذامي بأنها كانت خير واصف لحالة تقدم الشعب وسقوط النخب فكانت النخب الفاشلة قد كبت في أرض المعركة و وضح عدم قدرتها في كيفيه التحول بمجتمع تلك الدول من مجتمعات تقليدية الى مجتمع حديث يصل الى أعتاب الدولة الحديثة في تجاوزها لهشاشة هياكل التركيبات الاجتماعية في تأثرها بالعرق والطائفية والجهوية والقبلية.
وقبله نجد جهود هشام شرابي في كتابه النقد الحضاري للمجتمعات العربية وفيه قد توصل الى أن سلطة الأب وميراث التسلط هي التي تقود الى الاستعداد لقبول النظم الشمولية في بسط الاستبداد الاجتماعي و الاستبداد السياسي لذلك نجد أن من يسيطر على ساحة الفكر في العالم العربي هم من يروجون الى الايدولوجيات المتحجرة في الفكر الشيوعي أو من يجيدون اللجؤ الى الغيب في طرح الحركات الاسلامية وأحزاب الطائفية عندنا في السودان.
مع هشام شرابي نجد فكرة الأنساق الثقافية المضمرة التي تؤسس الى دور البناء الأسري و انعكاسه على السياسة فهشام شرابي عالم اجتماع فلسطيني جدير بالاحترام في كتابه النقد الحضاري للمجتمع العربي يقف بفكرة الانساق الثقافية المضمرة جنب لجنب مع فلاسفة العالم المتقدم في حديثهم عن موعد الحضارات كما دأب ايمانويل تود في ابداعاته.
لذلك نلاحظ بعد تقدم الشعب وسقوط النخب في دول الربيع العربي وسقوط كل من نظام بن علي وحسني مبارك و علي عبدالله صالح والقذافي نجد أن الأنساق الثقافية المضمرة كانت بالمرصاد لنتاج تقدم الشعب و سقوط النخب لان النتيجة هي أن تسلم ساحة الفكر هم الاسلامين في كل من تونس ومصر وليبيا و سقوطهم بالمجتمع بأكمله في الغيب كما يقول هشام شرابي في وصف النخب العربية في اجادة اللجؤ الى الغيب أو الى حضن الأيدولوجيات المتحجرة والنتيجة سبع سنوات تمر على ذكرى الربيع العربي و هاهي تونس يحكمها عبدة الماضي الحاضر أو من يجيدون الارتماء في حضن الايدولوجيات المتحجرة وليبيا قد فتحت على نفسها أبواب الجحيم و مصر لم تعرف الطريق بعد الى موعد الحضارات و اليمن مع الحوثيين تتجه الى كهوف التاريخ في بحثها عن حكم السلالات.
في غياب الانعتاق الثقافي لا يمكن أن نتحدث عن الانعتاق السياسي والانعتاق الاجتماعي كما يقول عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب. مع الطاهر لبيب في سوسيولوجيا الثقافة أن أبعد الناس عن فكرة الانعتاق الثقافي هم الشيوعيين في العالم العربي لأنهم قد أخذوا فكرة المثقف العضوي وذهبوا بها الى أحزاب الايدولوجيات المتحجرة ومن نكد الدنيا على غرامشي أن يكون المثقف العضوي في العالم العربي والاسلامي هم أتباع الحركات الاسلامية.
ما أجمل أفكار الطاهر لبيب في اعادة اكتشاف غرامشي و هويوضح لنا أن من نكد الدنيا على غرامشي في العالم العربي و الاسلامي أن المثقف العضوي هو من اتباع الحركات الاسلامية واتباع الايدولوجيات المتحجرة أي أن الشيوعيين في العالم العربي قد أخذوا فكرة المثقف العضوي ودخلوا بها في حيز أحزاب شيوعية متحجرة عكس فكرة غرامشي تماما في نقده لستالين لذلك نجد كل من ميشيل فوكو وجاك دريدا والتويسر هم من وجدوا في أفكار غرامشي ونقده لستالين مدخل لأعادة أفكاره من جديد ونجد الطاهر لبيب قد جاء بأفكاره في اعادة اكتشاف غرامشي ولكن عندنا في السودان حتى اللحظة نجد أن من يعتقدون أنهم مثقفين عضويين أكثر الناس بعدا عن الثقافة كما يقول الطاهر لبيب في اعادة اكتشافه لغرامشي وعندنا في السودان أكثر أعداء غرامشي هم من يعتقدون أنهم مثقفيين عضويين أقصد الشيوعيين.
مثلا في فرنسا أن أفكار من أحيوا أفكار غرامشي وفكرة المثقف العضوي قد تعرضت أفكارهم لنقد جبار يوضح قوة النقد التي قد أمتازت بها مجتمعات عقل الأنوار و ورثة العقلانية و مجد العقل البشري. فمثلا أن لوك فيري في نقده لفلاسفة ما بعد الحداثة أي ميشيل فوكو و جاك دريدا و التوسير وجاك لاكان بيير بورديو وأعادة الاعتبار الى العقل بعد تعرضه الى هجومهم فقد أعاد الأعتبار الى فلسفة عقل الأنوار والى فكرة العقد الاجتماعي و قيم الجمهورية في الايمان بميثاق حقوق الانسان وكان ذلك منذ عام1985 لذلك ان الحزب الشيوعي الفرنسي حزب شيوعي في بلد يعتبر في مجتمع قد ورث عقل الانوار وشتان ما بينه و الحزب الشيوعي السوداني في مجتمع تقليدي مازال مثقفه العضوي في كهف الايدولوجيات المتحجرة.
و مع لوك فيري في نفس الفترة نجد مارسيل غوشيه في نقده لأفكار ما بعد الحداثة واعادة الاعتبار الى العقل منذ عام 1980 فالفرق شاسع بين مجتمع تقليدي كحال المجتمع السوداني و مجتمعات تسيطر عليها روح النقد كثمرة العقلانية الناتجة من ابداع العقل البشري. ففي حالة المجتمع السوداني نجد أن معادلة تقدم الشعب وسقوط النخب قد تأخرت في أن تعطي مفعولها لأسباب كما حصل في كل من تونس و مصر وليبيا و ربما تكون فترة الحرب في جنوب السودان قبل الأنفصال و جبال النوبة قد أخرت مبادرة الشعب السوداني في أن يأخذ زمام المبادرة و يقلب الطاولة على النخب كما حصل في كل من تونس و مصر وليبيا وبعد نجاح ثورة الشعب نجد سارقي الثورات قد سرقوا جهد الشعب المتقدم على النخب.
في السودان وبسبب حرب الجنوب وجبال النوبة وضحاياها وكذلك الحرب في جنوب النيل الأزرق و دارفور كانت حاجز نفسي قد منع الشعب السوداني كماحالة الشعب الجزائري الذي لم يشترك في عرس الربيع العربي والسبب هو عشرية جز الرقاب في الجزائر وهي عقد من الزمن كانت فيه أبشع معركة راح ضحيتها الألاف من الأبرياء بفعل وحشية الأسلاميين في الجزائر هذا ما أخر الشعب السوداني من أن يتقدم على النخب الفاشلة أي بسبب وحشية الحرب الجهادية التي لم ترحم فيها الحركة الاسلامية السودانية حتى اتباعها دعك من بقية الضحايا من أبناء الشعب السوداني.
الآن بسبب تدني مستوى المعيشة و غياب الحريات في ظل نظام متخشب في السودان سوف يجد الشعب السوداني نفسه و قد أصبح ظهره على حائط و لم يبقى أمامه الا الهجوم العكسي و الكاسح على النظام الأنقاذي المتخشب الذي تتجلى فيه قمة فشل النخب السودانية منذ الاستقلال الى اليوم ولكن الغائب الوحيد هو وجود الشعبوي الذي يكتسح النخبوي الفاشل في مشهد الفكر في السودان وغياب الشعبوي لم يكن الا في السودان وحده بل في كل دول الربيع العربي لم يكن هناك الشعبوي الذي يقود تقدم الشعب في معركته من أجل سقوط النخب كما حصل في دول الربيع العربي وبسبب غياب الشعبوي في دول الربيع العربي سرقت ثورات الربيع العربي من قبل عبدة النصوص وعبدة الماضي الحاضر ومن يجيدون اللجؤ الى الغيب أي أتباع حركة النهضة في تونس و الأخوان في مصر و الجماعات الاسلامية في ليبيا.
عكس حال المجتمعات التقليدية في كل من تونس و مصر وليبيا وكذلك حالنا في السودان نجد في المجتمعات الحية أي المجتمعات الحديثة و بعد أزمة النيوليبرالية نجد الشعبوي هو من قاد انتخابات خروج بريطانيا من الاتحاد الأروبي وكذلك انتخاب ترامب في امريكا وانتخاب ماكرون في فرنسا محطم كل الاحزاب السياسية المسيطرة في فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لذلك نحن في السودان نحتاج للشعبوي الذي يتخطى أحزاب الطائفية أي حزب الصادق المهدي و حزب الميرغني و اتباع الحركة الاسلامية السودانية في اصرارهم على الفكر الديني في زمن لم يعد الوطن مسألة دينية فعلى الشعب السودان أن يعيد النظر في مسألة أن يكون آخر الشعوب التي قد أصبحت تجيد حراسة الشعلة المقدسة بسبب سيطرة الفكر الديني على ساحة الفكر السوداني في زمن مجد العقلانية و ابداع العقل البشري كما يقول ادم اسمث.
نحن في زمن قد أصبح الدين مسألة فردية و لم تعد مسألة الوطن مسألة دينية و قد أصبحت العقلانية وفي ظلها قد خرج الدين من أن يكون ذو أثر على السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع فلا ينبغي أن ينخدع الشعب السوداني بفكر من يروجون لفكرة الوسطية في الدين أو الاعتدال في الدين أو غيرها من الافكار التي تريد أن تجعل من الدين ذو أثر على السياسة والاجتماع والاقتصاد أي الأفكار التي يروجها المثقفون الذين مازالوا تتقمصهم روح رجال الدين.
فحتي يتفادى الشعب السوداني سرقة ثورته عليه أن ينتبه الى الطائفيين في لجؤهم للغيب وكذلك اتباع الأيدولوجيات المتحجرة فنحن في زمن الفرد والعقل والحرية وأن الأقتصاد قد أصبح صنو لميثاق حقوق الانسان في حفظ كرامة الانسان ولا يكون ذلك إلا في ظل الفكر الليبرالي في فصل الدين عن الدولة فلا خصوصية لأي دين مهما زعم الزاعمون هاهي السعودية ودول الخليخ في رؤية 2030 وفكرة الرفاة الاقتصادي سوف تبعد الدين من أن يكون ذو اثر على السياسة والاقتصاد والاجتماع فيا شعب السودان لا تكونوا آخر من يحرس الشعلة المقدسة.
قد أصبحت العاصفة على الأبواب وستكنس أتباع الحركة الاسلامية السودانية ولكن في ظل غياب الشعبوي الذي سيكتسح النخبوي كما حصل في خروج بريطانيا وانتخاب ترامب وانتخاب ماكرون سيعيد النخبوي الفاشل الكرة متخفيا في جلباب الطائفية أي في أحزاب المهدي والميرغني الى حين ولكن عزائنا أن السودان لم يعد جزيرة معزولة عن العالم مهما طغت روح الشلليات و المجاملات والأخوانيات في بث فكر من يتحدثون عن الوسطية والاعتدال في زمن قد أصبح زوال سحر العالم هو نور عقل الأنوار في زمن كما يقول عبدالرحمن بدوي ينبغي أن يستوعب الدين كل التناقضات ويستوعب في داخله حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان وبعد يكون الدين قد أصبح مقبول بعد حدود العقل أو يبدأ بعد حدود العقل. ففي فكرة زوال سحر العالم كما يقول ماكس فيبر و مارسيل غوشيه لم يعد الدين كجالب لسلام العالم.
اذا سألنا لماذا يغيب الشعبوي في المجتمعات التقليدية ويظهر في المجتمعات الحديثة كما ظهر في انتخاب ترامب و ماكرون وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي؟ لأن هنا عندنا في المجتمعات التقليدية الأزمة عندنا أزمة نظم الحكم وفي المجتمعات الحديثة هي أزمة اقتصادية. في المجتمعات الحديثة قد أصبح نظام العقد الاجتماعي هو ما ينظم صراع الفرد مع المجتمع في ظل معادلة الحرية والعدالة وعندنا مازال لاهوت القرون الوسطى مسيطر على روح الفكر و فكرة الخلاص الاخروي وهو ما يجعل الطائفية بأنها مهمومة بفكرة خلاص رعاياها لذلك فهي مستمرة في بيع صكوك الغفران في وسطية الامام ومحاولة اصلاح الامم المتحدة بفكر الوسطية التي يزعم الامام الصادق المهدي بأنها كفيلة باصلاح الأمم المتحدة.
فكأن الامام الصادق المهدي بفكرة الوسطية يريد أن يعيد وهم الترابي في أيام سكرتهم بانقلابهم أي انقلاب الانقاذ في لقاء مع صحفي فرنسي قد ردد الترابي فكرة أنهم يريدون أن يعيدوا الأوروبين الى الدين و الى الكنيسة متناسي أن كل الأنساق الكبرى من دي كارت الى هوبز المرفوض كلها تري في فكرة العقد الاجتماعي وتريد أن تؤسس الى من يحكم العالم و أن فكرة من يحكم العالم قد ظهرت في فكرة الامم المتحدة كبهرة لفلسفة ايمانويل كانت وعمادها أفكاره في كتابه الدين في مجرد حدود العقل أي أن الدين يبدأ بعد حدود العقل وهنا أن فكرة الامم المتحدة وفكرة من يحكم العالم ومن يجلب سلام العالم ترتكز في فكرة ابعاد الدين حتى لا تكون الميتافيزيقا أرض معركة كما حاصل عندنا اليوم فالصادق المهدي وفكرة اصلاح الأمم المتحدة بفكرة الوسطية كأنه يقلد جده المهدي الكبير في فكرة أنه المهدي المنتظر الذي يملاء الارض عدلا بعد أن امتلأت ظلم وما أشبه الليلة بالبارحة فكما فشلت المهدية بفكرة أن الدنيا جيفة ولم تنتصر للحياة بل جلبت للشعب السوداني الموت والدمار بحروبها الداخلية والخارجية سيفشل الصادق المهدي في محاولة اصراره على الفكر الديني ومحاولة جعله للشعب السوداني بأن يكون آخر شعب حارس للشعلة المقدسة.
مضحكة فكرة الامام الصادق أي أن يعالج عقل الانوار الذي أودعه ايمانويل كانت في قلب الامم المتحدة بفكرة الوسطية و اعادة الناس للاهوت القرون الوسطى وكما يقال ما تحقر بنفسها الا جدادة الوادي. المهم أن العاصفة على الأبواب ستكنس الحركة الاسلامية وفكرها والى الأبد ولكن على الشعب السودان الا يسمح للنخب الفاشلة بأن تعيد انكسارها القديم عندما فشل مؤتمر الخريجيين أيام الاستعمار وبعدها بداء سباق النخب الفاشلة الى أحضان الطائفية.
على الشعب السودان أن يرفض كل الأفكار القديمة التي قادت الشعب السوداني الى حالة الانحطاط الراهن. وعلى الشعب السوداني وخاصة الشباب أن يرفضوا نوع الحياة ونوع الفكر الذي عاش فيه أباءهم وأجدادهم ويتطلعوا لفكر جديد يقود الى عالم جديد وحياة جديدة خالية من فكر الطائفية و الفكر الديني الذي يحاول الزاعمون أقناع الشعب بأن الوسطية في الدين و الاعتدال في الدين وغيرها من الأوهام سوف تغير الأجتماع والاقتصاد والسياسة الى الأحسن. نحن في عالم جديد لم تعد المجتمعات في انتظار أي اشارة من السماء نحن في زمن مجد العقلانية وابداع العقل البشري وأن الانسان هو المسؤول من أقداره فلا تكونوا آخر حراس الشعلة المقدسة.
ايها الشباب بعد سقوط الحركة الاسلامية أرفضوا كل الأفكار القديمة التي ساقت الشعب السوداني الى هذا الانحطاط المسيطر على ساحة الفكر فما زال الفكر المسيطر على الساحة كله اما لجؤ الى الغيب في فكر ديني منغلق أو فكر الايدولوجيات المتحجرة التي تفتح الطريق الى أبغض أنواع النظم الشمولية كما رأينا بشاعة الفكر الشيوعي الذي لا يختلف عن الفاشية والنازية في شئ أرفضوا أي فكر غائي ديني لاهوتي سوأ قدمته الطائفية أو تجار الدين أو الشيوعية فكله فكر لاهوتي غائي ديني في زمن قد أصبح فيه العالم بلاقصد ولا معنى وأي زاعم بان للعالم معنى وقصد سوف يسوقكم الى نفس محطة الانحطاط التي نحن فيها بسبب الفكر الديني اللاهوتي الغائي لخطاب الحركة الاسلامية السودانية. أيها الشباب لا تأخروا فرصة ميلادكم الثاني ولا يكون الميلاد الثاني الا برفض كل الأفكار التي عاشها اباءكم وأجدادكم وكذلك برفض الحياة المزرية التي قد عاشها الشعب السوداني وحتى لحظتنا الراهنة.
عندما نقول لا تأخروا لحظة الميلاد الثانية أنها العبارة الخالدة التي قالها بودلير في أن الحداثة قد أصبحت الماضي الروحي للأنسانية الحالية و أنها أي الحداثة قد قضت على قداسة المقدس و جلالة السلطة وقد أصبحت الانسانية تهتم بأحداثيات الحاضر والمستقبل حيث و أن الحاضر هو الذي سيكون الكلاسيكي وليس الماضي الحاضر كما يتوهم عبدة الماضي.
و عندما نقول أن العالم في ظل فلسفة التاريخ اليوم قد أصبح بلا قصد و لا معنى أقصد أن وهم الشيوعيين في فكرة انتهاء الصراع الطبقي وهم لا يختلف عن وهم الحركات الاسلامية و وهم الفكر الاسلامي في فكرة المدن الفاضلة. نقول وهم لأن فلسفة التاريخ اليوم قد انطوت على معنى أن تاريخ الانساني تراجيدي مأساوي لا يعرف الى أي وجهة يتجه لذلك لا يمكن ضبطه الا عبر معادلة الحرية و العدالة وفكرة العقد الاجتماعي بعيدا عن فكر الغائيين أي الشيوعيين والاسلاميين.
لذلك نحن اليوم نحتاج للشعبوي وغياب الشعبوي ربما يجعلنا في خطر أن تتكرر لنا حالة تسرب النخب الفاشلة من جديد الى أحزاب الطائفية كم حصل أيام فشل مؤتمر الخريجيين أيام الاستعمار. فالشعبوي هو صمام الأمان من أن يتسرب أصحاب أنصاف الحلول وأنصاف الأفكار الى الساحة من جديد.
نحن في انتظار الشعبوي برومثيوس سارق النار نحتاج أن يأتي برومثيوس طليق كما كان يردد الشاعر البريطاني شيلي و كذلك أبو القاسم الشابي في صيحة الجبار وحينها ستكون استجابة القدر لأن الشعب قد أراد الحياة. فنحن اليوم نحتاج لنار برومثيوس سارق النار وليس لنار المجاذيب التي تكرس للهوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.