مساء الأمس أطفأت الكثير من دول العالم جانباً من أضوائها الباهرة لمدة ساعة كاملة ..رغم وفرة الطاقة الكهربائية فيها ..في خطوة رمزية تشجع الناس على إتباع سياسة ترشيد إستخدام هذه النعمة العلمية التي غيرت من وجه الحياة في الدنيا ..فارتبطت بكل معطياتها الحديثة التي لم تعد ترفاً تفاخرياً لفئات حضرية بعينها بل باتت حقاً مشاعاً لكل سكان الأرياف إلا ماندر. فإلى جانب الصناعات بمختلف أنواعها والمخابزوغيرها فقد صارت الثلاجات وأجهزة التكييف و التلفزيونات والغسالات و خلاطات الفواكه وساخانات المياه تتوسط كل بيت .. بل ومضحات المياه نفسها تعمل بالكهرباء حتى أصبحت السواقي والشواديف عند الجروف النيلية تراثاً من الماضي فارتاحت الثيران من دوران موسمي ليس منه راحة في الماضي القريب إلا بعد أن يتجشأ طين الأرض وتزدهر خضرة الحقل. ولكن على غير الكثير من دول العالم في جنوب الكرة الأرضية وشمالها أو تلك التي صارت أحفورات تاريخية ..كان إحتفال عاصمتنا فريداً بتلك الساعة التي تحولت الى ساعات من الإظلام التام وعلى فترات ربما قامت كفرض كفاية يغني كل البلاد التي لم تسمع بذلك التقليد عن تطبيقه كفرض عين إختياري. فبدأ الإنقطاع عندنا منذ الصباح وحتى منتصف النهار ..ثم عاود الزيارة قبل المغرب و ظل يسبغ ثوبه الأسود على جسد المشهد الى ماقبل العشاء وتوالت الإنقطاعات على رأس كل ساعة.. فنام مجهداً جائعا من نام من الأطفال وظل بعضهم يبكي وهويهرش جسده من لسعات الباعوض الذي وجد ضالته ليمرح بالزنة في مسامع المستيقظين في إنتظار الفرج. أما الكبار فقد ظلوا يطرقون الأواني قريباً من صنابير المياه يهدهدونها باإهزوجة( بودأبو قرعة ) لتفوق من شخرتها التي تمادت فيها حتى صباح اليوم التالي ومن ثم تقيأت طينا وكأنها تستنكف بالقرف إقلاق منامها من هؤلاء العطشى المزعجين! حقاً لقد إحتفلنا بتلك الساعة في يوم الأرض بما ينبي ويبشر بوعد صيفٍ عاصف ..يجعل من موسمنا كله ساعات طويلة من الإظلام والعطش الذي سيضاف الى عطش رمضان المحبب لكل نفس مؤمنة وذائقة للموت و هو حق ..سواء كان بسبب الحر والكتاحة أوالظمأ ..أوبأية أسباب آخرى متعددة والتي من بينها السعادة الفائقة لتفوقنا على كل إحتفالات دول العالم البائسة .. بنوعية إحتفالنا المتفرد لعد ة ساعات من الإظلام التام.