هيمنة المؤسسة العسكرية السودانية على المجال السياسي يشبه الى حد كبير هيمنة المؤسسة العسكرية المصرية على الحياة السياسية وان كان في السودان الهيمنة أخف منها في مصر.. لجعل المؤسسة العسكرية مؤسسة مهنية وقوية وغير مهيمنة على الحياة السياسية هذا يحتاج مجتمع سياسي قوي وأحزاب ديمقراطية حقيقية ؛ بدلا من الأحزاب الثورية والدينية والطائفية التي نشهدها الآن في الساحة السودانية.. تغول الجيش المصري والبيروقراطية المصرية الراسخة ( الدولة العميقة) والانقسام السياسي الحاد في المجتمع السياسي المصري ( يمين ويسار) ؛ كل هذه العوامل هي التي أعادت إنتاج نظام حسني مبارك وافشال الحلم الديمقراطي الذي دشنته ثورة 25 يناير المصرية المجيدة. بالمقارنة مع التجربة التونسية ؛ الجيش التونسي مهني وليس له تاريخ تدخل في الحياة السياسية مثل مصر والسودان ، وكذلك المجتمع السياسي التونسي فاعل جدا وقوي جدا، استطاع أن يخلق وفاق وطني ووحدة وطنية بين يمينه ويساره( الغنوشي والمرزوقي) قبل اندلاع ثورة الياسمين بثمانية سنوات..لذلك التجربة التونسية أكثر تجربة ناجحة في تجارب الربيع العربي لمهنية الجيش وانحيازه للشعب وقوة المجتمع السياسي التونسي. أمام الثورة السودانية تجارب داخلية ( أكتوبر 64 ، وابريل 85) ، بالإضافة لتجارب الربيع العربي الإقليمية وتجارب دول شرق اوربا في نهاية القرن العشرين ، ودول أمريكا الجنوبية( اليرازيل والارجنتين ..الخ). كثيرين يقولون أن الثورة السودانية والثورة الجزائرية هما ثورات مابعد الربيع العربي ، منهم الصديق عماد البليك ، وبإمكان الثورتين تجاوز الأخطاء التي حدثت لدول الربيع العربي من إلتفاف على أهداف الثورة وإعادة نظم الاستبداد القديمة بأشكال جديدة ما عدا تونس طبعا. في السودان لا توجد دولة عميقة كما في مصر وتركيا ، ولكن توجد مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة التي هي أصلا هشة بالأساس وذات بنية فاسدة نتيجة لسياسات التمكين التي انتهجتها الحركة الإسلامية فور استلامها السلطة بإنقلاب عسكري وحتى السقوط المريع يوم 11 إبريل المنصرم. بقي المجتمع السياسي السوداني ، الذي ما زال أمامه فرصة كبيره لترتيب أوضاعه وخلق وفاق وطني ووحدة وطنية تقطع الطريق أمام المجلس العسكري لإستيلائه على السلطة وإعادة إنتاح نظام المخلوع البشير؛ وذلك لتكون الفترة الإنتقالية مستقرة وناجحة لتحقيق أهدافها في تحقيق السلام و المعالجات الإقتصادية المستعجلة و التحول الديمقراطي المنشود من جميع أطياف الشعب السوداني. وأيضا ما يشكل خطورة ما ظهر بعد الثورة السودانية ويسمي نفسه ( بتيار نصرة الشريعه) على غرار ما حدث في مصر وليبيا من تيارات كان هدفها ضرب الوفاق والوحدة الوطنيه بتوظيفها للخطاب الديني الذي يستهدف البسطاء وخداعهم وتمكين قوى النظام القديم والعسكر من مفاصل الدولة وإجهاض حلم الثورة. ولا ننسى محور الإمارات والسعودية ودعمه لقوى الثورة المضادة ، بالمال والخطط الاستراتيجية ، لوأد رغبة الشعوب من التحرر من نير الاستبداد ، وتحقيق التحول الديمقراطي الذي يحقق الرفاهية للشعوب ، وهذا المحور يخاف عدوى الديمقراطية ، لأن الشعوب تتعلم من بعضها. ابراهيم مختار علي