وإذا الفجرُ جناحان يرفّان عليك،،،، أتي الفجر بعد أعظم الثورات وبدأت في الإشراق شمس الوطن المرتجي، واستيقظت قوي الظلام علي واقع جديد، مرارات الهزيمة المستحقّة، انهيار وبؤس ما سُمّي توهّماً ‘المشروع الحضاري' فشل عميق للدولة أَيْنما تولّي وجهك، لا استثناء، فساد ووقائع كارثية سنظل سنين عددا نحاولُ لها عدّا، فاسأل العادّين حينها، حتماً يصيبك الدوار. قوي الظلام، الثورة المضادة، الدولة العميقة، الإنقاذيون، كتائب الظل، أو ‘كيزان' إن شئت، مفردات شتّي لكنها تتطابق معنيً ولعلّها ربّما تتباين قليلاً فيما بينها لكن يجمعها هدف أوحد في أزمنة ما بعد زوال حكمها الكالح التعس، وهو كيف لها افشال خيار الشعب؟ الشعب الَّذي ينافح لفتح نوافذ لوطن أنضر. ما ارتضي هؤلاء لفظ الأمّة لهم ولازال بعضهم في حال من الرفض الداخلي العميق لحقائق الأرض وهي مرحلة معروفة لأهل الْعِلْم كَأَنَّ في عيونهم غشاوة أو بِهِمْ صممُ، أولمْ يروا الملايين تخرج رفضاً لهم؟ أما عبروا بدولة القيادة باذخة الجمال والوطن الرائع يتشكّل بدونهم كأفضل ما يكون؟ بدأوا بفرية استطالت سنينهم حتّي صدّقوها وهي أن الإسلام هم وهم الإسلام وَإِنْ غربت شمسهم وزال صولجانهم فالإسلام إلي زوال، وتالله أنّ هذا افتراء علي الدِّين العظيم وعدم احترام له بل وسذاجة بيّنة، أو هي تزكية للنفس وتخوين للآخر والله لا يحب هذا لو كانوا يفقهون. والآن وبعد السقوط الكبير تجدهم في ذات غيّهم يعمهون ويتوحّدون لانجاز الهدف الأوحد، من محاولة سرقة الثورة كلّياً أو جزئياً أو اخماد وميضها بالمتاح لهم من وسائل، ما هانت الهزيمة عليهم فتراهم يحاربون الأُمَّة بأسلحة تتعدد وعبر منصات شتّي، فُض الاعتصام أوضحها وما يجري في تلفزيون السودان الرسمي، ونشر الشائعات الاسفيرية واغتيال الشخصيات، وهناك ما يروي عن محاولة إرباك لمؤتمر صحفي، وما يدور عن قطوعات الكهرباء الغير معتادة، وكل محاولات خلق الفوضي والفتنة شرقا وغرباً، لكن بُعداً لهم فالثورة التي رفعت الوعي شعاراً منذ بواكيرها، انتقلت بوعيها هذا بعد انتصارها إلي حراسة ما تحقق. عطفاً علي هذا نذكر في الكتاب إذاً، نيوجيرسي وما حدث فيها ليلة عيد العمّال في الأسبوع الأوّل من سبتمبر.إذ يجتمع الناس كل عام من ولايات أمريكية مختلفة، في أيام العطلة المعروفة هذي لمن كانت أمريكا مستقرّهم في أزمنة شتات الشعب السوداني لحضور دورة رياضية سنوية، يتبارون في كرة القدم يتعارفون بينهم ويشهدوا منافع أُخري والكثير يرتحل عبر الولايات فلعلّ بعض فوائد الأسفار يكن له منها نصيب. كانت الليلة الختامية مسرحاً لدرس ثوري رائع، وكيف هذا؟ لعل البعض يتساءل أو حتّي يندهش! كيف وقد ‘حدث ما حدث' من إبعاد للمتحدّث الرئيسي! كانت الأمسية عادية، الغبطة تملأ المكان، إلي أن فاجأت المنصة الجميع بتقديم مسؤول رفيع من سفارة السودان بواشنطن ليتولّي تسليم الجوائز للفائزين،،( تبعد واشنطون عن نيوجيرسي حوالي الثلاثة ساعات أو تزيد قليلا) ذاتها السفارة التي كانت ذراعاً لجهاز الأمن سيّء السُمعة، السفارة التي كان علي رأسها حتّي لحظة سقوط الإنقاذ محمد عطا وما أدراك ما محمد عطا. ضجّت القاعة لفورها بالهتاف الثوري المهيب واشتعل المكان وهجاً بمفردات ثورة ديسمبر-أبريل العظيمة، حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب،،،كيف تكون السفارة هنا ولازالت دماء الشهداء لم تجف بعد، والبعض لا زال مفقوداً، كيف وقد كانت جزءً من النظام المباد؟ وما بدأت الحكومة المدنية مهامها بعد في إصلاح ما إعوجّ من أمر السفارات. كان الوعي الثوري حاضراً والسلمية التي صدحت بها الحناجر أيضاً كذلك، فنحن ‘الشعب' نرفض العنف بأي شكل في الفعل الثوري. السلمية هي من أوصلتنا ليومنا هذا وستظل مركبتنا لدولة الديموقراطية والمواطنة والسلام وكذا كان تصرّف الحضور، كامل السلمية يجمّلها الهتاف. نري أن الوعي الجمعي للشعب الَّذي ثار ضد الإنقاذ ومن شايعها يدرك تماماً أنَّه انتقل من مرحلة ثوّار يطاردهم العسس وأنصاف الرجال المُلثّمين إليّ مرحلة جديدة وهي حراسة الثورة وحمايتها. والحراسة هي ذا، اليقظة والتمييز فالمنطق البسيط يُحدّثنا أنّه لا يستقيم أن ينتمي للثورة، من قامت ضدّه الثورة، (ابن عوف مثالا) أمّا إن سمعت من يقول أنّ ما حدث ماهو إِلَّا فوضي بدرجة ما أو خامرت فكرك هكذا شكوك، فارجِع الفكرَ كرّتين، وأسأل نفسك كيف بدءً للملحق العسكري ومنسوب سفارة يتوجّس الناسٌ منها، الظهور ‘خلسة' وبلا إعلان مسبق في مناسبة عامّة، إسأل نفسك عن مشروعية الهتاف، أو ليس الهتاف ضد الظلم والقهر كان أحد وسائل انتصار الثورة؟ نحن شعب لا يمد الأيادي ولا يتحرّي العنف، ولا للقسوة وجود في قاموسنا السياسي. بل انفرد بممارستها بناة ‘بيوت الأشباح' وأصحاب ‘فلترق كل الدماء'، لذا عندما ثُرنا، ما فارقنا سلميتنا الّتي هي أصلٌ فينا. الشعب صنع ثورة كأبهي ما يكون وسيظل حامياً لها حارساً عليها وهذا لا ينتطح عليه عنزان كما تقول العرب، فهو من المعروف بالضرورة، فكيف تكون هذه الحراسة إذاً وَمِمَّن؟ إن لم تكن الوعي بمن يحاول دحر الثورة أو انتحال الثورية ووأد الانتصار، فوق أي أرضٍ وتحت أي سماء. الرحمة لكل من ارتقي من شهداء، ما بذلْتُم له الأرواح يستحق أن يُحرس. المجد والمستقبل الأجمل للسودان