بيئة عمل غير صالحة وصحفيون يطردون دون أسباب من وظائفهم، وناشرون يسيطرون على الواقع الصحفي، ويفرضون لوائح عمل جائرة ليس لها أدنى علاقة بقانون العمل ليؤكدوا أنهم وأتباعهم لا زالوا رهينة للسلطة البائدة؛ بما أنهم يتعاملون بنفس الأسلوب المتسلط الشمولي والممارسات القمعية التي كانت سمة النظام المخلوع نفسه. وأفاد صحفيون ل"الراكوبة" أن الحل يكمن في وجود جسم نقابي يحمي حقوقهم ويدافع عنهم. ويطالبون الصحفي بعدم الانصياع لأي قرارات تمليها عليه الصحيفة. في السياق يقول الصحفي أيمن سنجراب ل"الراكوبة": في اعتقادي أن الصحافة في الفترة الانتقالية تحتاج لوجود وحدة نقابية، لعدم وجود جسم حقيقي يمثل الصحفيين ويدافع عن حقوقهم وقضاياهم، ولأن غياب هذا الجسم الحقيقي في سنوات عهد النظام المخلوع، ووجود اتحاد لا يعبر عن إرادتهم وغياب النقابة ساعد في هضم الحقوق، مع وجود صحف قليلة تعبر عن قضايا حقوق الإنسان تعمل بعضها على ابتزاز الصحفيات والصحفيين والمخرجين الصحفيين والمدققين وغيرهم بخطها التحريري، مع ضآلة المرتبات، حيث لا يمكنهم مغادرتها إلى صحيفة أخرى تختلف سياستها التحريرية عن قناعاتهم . ولذا تحتاج الصحافة الحرة إلى مؤسسات حقيقية مبنية على أسس علمية وليست أسرية أو يتحكم في مجلس إدارتها شخص واحد يغلِّب فيها مزاجه الخاص على الرؤية الموضوعية، موضحا أن إنتاج الصحف من شركات مساهمة عامة أفضل من الواقع الحالي بوجود صحف يسيطر على انتاجها الأفراد . ولافتا إلى أن ما يزيد من الحاجة إلى مؤسسات حقيقية هو ضرورة الاهتمام بتدريب الصحفيات والصحفيين أثناء العمل، والاهتمام بالمتدربين حديثي التخرج أو الطلاب أثناء الدراسة وغيرهم من الراغبين في الالتحاق بالعمل الصحفي المحترم، وزاد: كما تحتاج الصحافة إلى حرية النشر لأنه يعمل على تطويرها، مضيفا ومع قناعاتنا بحق التقاضي، لكن الأفضل قبل التقاضي استخدام حق الرد لأنه يثري حرية التعبير ويزيد ثقة المجتمع في الصحافة. وكذلك تحتاج الصحافة إلى مجلس أهلي من أهل العلاقة بالعمل الصحفي لينظم عملها، على ألا يرتبط بالسلطة مثل ما هو موجود حاليا في مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية، الذي يرتبط برئاسة الجمهورية، على أن يتم اختيار رئيس وأعضاء المجلس الأهلي بالانتخاب وليس التعيين. ومن المهم السماح للأفراد كذلك بإصدار الصحف وهذا ما يمكن الصحفيين من إنشاء مؤسسات، على أن يتم الصدور بإخطار الجهة المختصة فقط، دون دفع مبالغ طائلة نظير التصديق، وهذا ما يمكِّن الصحفيين من التخلص من جشع المستثمرين الذين يركزون على الأرباح أكثر من البيئة الصحفية وتطوير الصحفيين والعاملين في الحقل الصحفي، والعمل الصحفي الملتزم بجوانب المهنية والأخلاق. لافتا إلى أنه من الأهمية بمكان احترام حقوق الصحفيات والصحفيين في التدرج وشغل المناصب المتعلقة بهيئة التحرير العليا، على أن تكون بالكفاءة لا القرب من الناشرين لضمان تحقيق أغراضهم، ووقف ومنع التمييز ضد الصحفيات في الترقي. ومن الضرورة أن يتم توزيع الإعلان الحكومي على الصحف بعدالة. مضيفا نحن بحاجة إلى عقد ورش عمل لتحليل ماضي وحاضر الصحافة للخروج برؤية تخدم مستقبل الصحافة السودانية، لا العبور فوق التجارب وكأنها لم تكن، لأن الصحافة عانت بشكل كبير خاصة خلال عهد نظام (الإنقاذ) المخلوع، والتخلص من تركات القبضة على الصحافة يحتاج لرؤية ثاقبة من أجل الانطلاق نحو مرحلة الحرية بوعي. من جهتها تقول الصحفية حواء رحمة، من المعروف أن الصحافة السودانية قبل سقوط النظام، كانت تمر بمضايقات كثيرة من مصادرات للصحف واعتقالات للصحفيين ، وإجراءات تعسفية كانت تُمارس ضد الصحفيين إبان عهد البشير، والصحفيون يدفعون الثمن جراء تلك الممارسات من كبت للحريات أثر سلبا في سير الكلمة ونصرة الحقيقة وآثار نفسية وصحية لازال يدفعها الصحفي. وأضافت رحمة ل"الراكوبة" أن بعض الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، كانت تعمل لخدمة النظام البائد، لافتة إلى أن الأجهزة الإعلامية ظلت رهينة له طوال فترة الثلاثين عاما الماضية. ولذلك فإن الإعلام يمر بتحديات كبيرة، لذلك لابد من تغيير الهيكلة القديمة في العهد البائد وتنظيف كل الأجهزة الإعلامية وفرض قوانين جديدة تتيح للصحافة والإعلام ممارسة المهنة بطريقة شفافة لإعطاء كل ذي حق حقه دون نقصان أو حَجر للكلمة من أي سلطة. ويجب أن تطبق هذه القوانين في كل المؤسسات الإعلامية سواءً مقروءة أو مكتوبة أومرئية. وتحدثت ل"الراكوبة" عن موقف صحفي جريدلا الجريدة الذي قادهم في نهايته للفصل تقول رحمة: إن موقفنا الذي فصلنا بسببه يتعلق بالظروف الاقتصادية في صحيفة (الجريدة)، وعندما طالبنا بتحسين بيئة العمل وقدمنا مذكرة وسلمناها لرئيس التحرير وكلفناه بإيصالها للمدير العام، واجهتنا إجراءات تعسفية من المدير قضت بإعداد دفتر الحضور والغياب، بجانب إصدار الإنذارات وفصل بعض الزملاء وإصدار البيانات وتخوين (الاصطاف) العامل بالصحيفة من الصحفيين والصحفيات.. ويضيف سنجراب: وفي تجربة جريدة (الجريدة) قدمنا مطالب مشروعة، لكن الإدارة كانت تصر على أن تكون المعالجات وفقا لرؤيتها وواجهت المطالب بإجراءات تعسفية.. وتم الفصل لكل الصحفيين. ورأى انه كان ينبغي على الإدارة النظر لتلك المطالب في إطارها الموضوعي باعتبارها مشروعة؛ لا التعسف لدرجة المواجهة مع العاملين. وكشفت رحمة أن هذه التجربة رغم مرارتها، لكنها تصب في مبدأ المطالبة بطريقة مشروعة وقانونية لقطع الطريق أمام الناشر حتى لا يقوم بأي خطوة استباقية تفضي إلى الإضرار بالصحفيين وتعد مدخل أساسيا للتغيير الحقيقي، ولأن الحقوق لا تتجزأ طالبت رحمة أي صحفي أن يبدأ بمؤسسته لأخذ حقه ولتأسيس أخذ الحق للآخرين. وذهبت إلى أن مستقبل الإعلام يبدأ بإصلاح الصحف التي تعمل على هضم حقوق الصحفيين الذين يتقاضون مرتبات لا تكفيهم لثلاثة أيام ناهيك عن شهر كامل، وبما أن البلاد تمر بمرحلة تغيير وديمقراطية أملت أن تكون هناك ضوابط للناشرين حتى لا يُستغلوا الصحفيين ولا يفقدوا هيبتهم ولتحترم كلمتهم. فيما رأى الصحفي كمال كرار في حديثه ل"الراكوبة" أنه – مثل كل القطاعات الأخرى – فإن قطاع الصحافة قد تعرض للتخريب الممنهج في عهد السلطة البائدة والأسلوب المتسلط الشمولي. إن الممارسات القمعية التي كانت سمة النظام المخلوع، ألقت بظلالها على مهنة الصحافة فصعد إلى قيادة العمل الصحفي من ليس لهم علاقة بمهنة الصحافة وليست لهم كفاءة غير التزلف للمسؤولين؛ هذا على صعيد الوظائف التحريرية في معظم الصحف، وعلى صعيد آخر خرجت إلى الوجود صحف مجهولة مصادر التمويل. يقول كرار: وطفا على السطح ناشرون لم تُعرف لهم من قبلُ أي إمكانيات مالية، وليست لهم مصادر ثروة تمكِّنهم من فتح كنتين ناهيك عن صحيفة.. وأغلب الظن أنهم جوكية لجهات أو أفراد من خلف الستار. هؤلاء يديرون الصحف بعقلية السماسرة والوسطاء، حيث يعمل الصحفيون بلا عقود عمل وبمرتبات لا تساوي الحد الأدنى للأجور. وعن بيئة العمل؛ قال إنها غير صحية، على الإطلاق، مضيفا أن هؤلاء الناشرون يتعاملون مع الصحفيين وكأنهم مستخدَمين داخل منازلهم يفصلونهم "بجرة قلم" ودون حقوق أو فوائد مالية، ويفرضون لوائح عمل جائرة ليس لها أدنى علاقة بقانون العمل، والأمثلة لا تحصى ولاتعد؛ وكأنما الصحفي أمام خيارين: إما أن يرضى بالمذلة والمهانة، أو أن يُطرد غير مأسوفٍ عليه . ومعللين لهذه الأسباب مجتمعة، ظل هؤلاء الناشرون وأتباعهم من رؤساء التحرير؛ ظلوا خصما على النضال من أجل حرية الصحافة طوال العهد وزبانيته، ولم يشاركوا الصحفيين في معاركهم المعهودة ضد نظام البشير، بل انصاعوا للتوجيهات الأمنية ومارسوا باحترافٍ مهنة تضليل وتجهيل المجتمع لقاء إعلانات أو "ظروف "وسفريات خارجية مع المخلوع وزبانيته. هذا الوضع الشائه الذي يعبر عن فكر وممارسة النظام المخلوع يجب أن ينتهي الآن.. وهذه هي مهمة الصحفيين الشرفاء قبل غيرهم من أجل الثورة والتغيير الجذري لواقع الصحافة.. وليس بعيدا عن هذا الموضوع؛ فإن فالأجهزة النقابية المتعلقة بالصحافة أو الهياكل التنفيذية لابد أن تعبِّر عن هذا الواقع الجديد، لأنها نتاج عهد شمولي لايمكن لها أن تقود العمل في هذه المرحلة؛ وأقصد اتحاد الصحفيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات وقانون الصحافة، وكلها يجب أن تتغير لتواكب أهداف ثورة ديسمبر.