ليس هناك أدنى شك في أن قضية تطوير المناهج التعليمية تعتبر من القضايا المحورية التي يجب أن تحظى بدرجات عالية من الاهتمام، لما تمثله من أهمية في تشكيل مستقبل الوطن ونهضته، وهي بالتأكيد عملية معقدة تتطلب تضافر الجهود على المستويين الرسمي والمجتمعي، لذلك لم يكن مستغرباً أن يحتدم النقاش حول ما تم طرحه في المؤتمر الصحفي الذي أطل من خلاله مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي على الشعب السوداني لتوضيح جانباً من ملامح برنامج المركز في الفترة القادمة، والتي يتمثل أهمها في التأكيد على أن الشعب السوداني هو من يقرر في قضية تخطيط المناهج التعليمية وبنائها. ولعل من أبرز نقاط القوة في ذلك المؤتمر تلك الدعوة التي أطلقت لكافة الخبراء والمهتمين من داخل السودان وخارجه للمساهمة في طرح رؤى وأفكار إبداعية تدعم تحقيق المأمول من الغايات والتطلعات. وبغض النظر عن ما أثير من آراء ووجهات نظر متباينة بشأن القضايا التي طرحها المؤتمر، فإنه يتعين علينا إدراك أننا نعايش في الوقت الراهن نقلة نوعية وتغيير إيجابي لم يكن ليحدث لولا ثورة ديسمبر المجيدة التي أتاحت مساحات عريضة من حرية الرأي والتعبير(للجميع) في كافة قضايا الوطن. ولا نشك في أن الإدارة العليا للمركز ستحرص كل الحرص على التعامل الإيجابي مع كافة وجهات النظر المطروحة، وتبني ما يتوافق منها مع المصلحة الوطنية. ومن المؤكد أن تحظي الدعوة التي تم إطلاقها في المؤتمر الصحفي باستجابات نوعية من قبل الخبراء والتربويين والأكاديميين بالمستوى الذي يجعل عمليات تطوير المناهج تأتي مواكبة للتطورات العلمية والتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال تطوير المناهج، وبالمستوى الذي يلبي تطلعات المجتمع السوداني. في سياق هذه الدعوة، ينادي هذا المقال بضرورة أن تتضمن عمليات تطوير المناهج تركيزاً كثيفاً على قضايا التخطيط والبحوث التربوية وفق رؤية جديدة ترتكز إلى قاعدة عريضة من الحلول الإبداعية والابتكارية. يتطلب ذلك إعادة النظر في الوضع الراهن لقسم البحوث التابع للأمانة العلمية بالمركز، وإعادة هيكلته ليصبح إدارة متكاملة بمسمى (إدارة التخطيط والبحوث التربوية)، يتم تطوير سياقها المؤسسي وفق أفضل الممارسات المتعارف عليها عالمياً، بما يسهم في تحقيق درجة عالية من الفاعلية في إنتاج ونشر المعرفة، وتوظيفها في عمليات اتخاذ القرار في كافة المجالات والأبعاد المرتبطة بالمناهج. ومن المأمول أن تؤسس الإدارة المقترحة لبيئة بحثية متميزة ذات توجهات مؤسسية (جديدة) تستجيب بشكل قوي وفعال لكافة متطلبات تطوير المناهج. يتمثل أبرز تلك التوجهات في الآتي: التخطيط السليم لعملية تطوير المناهج وتنفيذها، تفعيل الشراكة المجتمعية في مجال بناء وتطوير المناهج، تطوير منظومة وطنية لمعايير ومؤشرات قياس الأداء ذات الصلة ببناء المناهج وتنفيذها، تبني أسلوب المقارنات المرجعية على نحو مستدام للاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية في مجال تطوير المناهج وتنفيذها، واستشراف المستقبل. وتنطلق عملية استحداث إدارة التخطيط والبحوث التربوية من مراجعة التوصيف الوظيفي لكافة الأقسام والوحدات (ذات العلاقة بقضايا التخطيط والبحوث) المندرجة تحت الهيكل التنظيمي (الحالي) للمركز، وإعادة صياغتها لتصبح تحت مظلة الإدارة المقترحة. ومن متطلبات إستحداث الإدارة، أن يتم تشكيل مجلس استشاري للإدارة يتألف من خبراء تربويين وأكاديميين مشهود لهم بالكفاءة، وبصفة خاصة في مجال التخطيط الاستراتيجي، والمجالات ذات الصلة بتطوير المناهج، في سياق يؤسس لعلاقات تعاون وشراكة متميزة بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي. من أبرز المهام التي يمكن أن يضطلع بها المجلس الاستشاري: تحديد الأولويات الوطنية للبحوث التربوية المتعلقة بتطوير كافة عناصر المنهج إبتداءً من فلسفته وأهدافه، وإنتهاءً بعملية تقويمه. ومن المتطلبات أيضاً، أن يتم استحداث وحدة لاستطلاع الرأي العام للحصول على مؤشرات أداء تعكس اتجاهات وآراء قطاعات المجتمع السوداني حول كافة الأبعاد والعناصر المرتبطة بالمناهج. يضاف إلى ذلك، ضرورة إطلاق حلقات/منتديات نقاشية (على أساس شهري أو ربع سنوي)، وإطلاق مؤتمر علمي (على أساس سنوي) للنقاش والحوار حول قضايا تطوير المناهج وتنفيذها. ومن المتطلبات أيضاً، أن يتم إطلاق برنامج المنح البحثية الممولة على المستوى الوطني لإجراء بحوث ودراسات علمية (متداخلة التخصصات) ذات أبعاد استراتيجية تسهم في تحقيق التحسين المستمر في عمليات تخطيط وتنفيذ المناهج. يرافق ذلك إطلاق حزمة من الجوائز الوطنية للتميز البحثي في مجال تطوير المناهج ، تتاح فرص المنافسة عليها لكافة الباحثين والخبراء من وزارة التربية والتعليم، أو من الجامعات والمراكز البحثية الوطنية. وأخيراً، ينادي هذا المقال بضرورة إعادة النظر في عمليات النشر العلمي، والعمل على إطلاق مجلة علمية محكمة (برؤية جديدة) تعني بنشر الأبحاث العلمية ذات الصلة بتطوير وتنفيذ المناهج ، على أن يراعى فيها التوافق مع المعايير العالمية المتعارف عليها في مجال النشر العلمي. وفقنا الله وإياكم في خدمة المجتمع السوداني د. سليمان زكريا سليمان عبدالله أستاذ مساعد بجامعة السلطان قابوس – سلطنة عمان أستاذ مساعد (سابقاً) بكل من جامعة بخت الرضا وجامعة الخرطوم