ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاق جوبا 2020 العروس للعريس … والجري للمتاعيس (1)
نشر في الراكوبة يوم 28 - 10 - 2020

تظل أماني وأشواق السلام المفضي لإدارة التنوع وبناء دولة المواطنة هاجس كل وطني غيور. وقد ظلت محادثات السلام تتراوح صعودا وهبوطا على مدى عام كامل حاملا على جناحيه حلم الملايين بتحقيق السلام، وإنهاء حالة اللا حرب ولا سلم واستراحة المحاربين تحت ظل حكومة سودان ديمقراطي موحد.
عام لم تهدأ فيه المناوشات والمظالم حد السحل. فالصراع على الموارد الذي حل محل التعايش السلمي في بداية الثمانينات تطور بوتيرة عالية عندما دخلت فيه الدولة كطرف بسنها لقانون الدفاع الشعبي وتسليح المراحيل في العام 1987. تفاقم ليصبح صراع إثني سياسي وصراع تمكين مستثمراً العصبية القبلية الممتدة داخل وخارج الحدود بترتيبات من الحكومة الهالكة أدت إلى حرق القري وتهجير القاطنين وانتشار السلاح واستخدام كافة أشكال العنف بما فيها السعي إلى الإبادة الجماعية والعمل على تغيير التركيبة السكانية. شكلت التجارب و المظالم التاريخية استراتيجيات مرتدة قامت على الولاء العصبي القبلي والمناطقي . وتجزأت ذات الحركات إلى أكثر من 87 حركة بفعل العمل الاستخباراتي لأجهزة النظام البائد، ليست جميعها ذات وزن على الأرض.
بدء ذي بدء لابد من التأكيد على أن الأمن والسلم الاجتماعي يمثلان أهمية قصوى لإدارة التنوع وبناء دولة المواطنة وقد بدأت مفاوضات السلام وفي جعبتها الكثير من النقاط المحورية الإيجابية المتمثلة في الإرادة السياسية في تحقيق السلام ( الواقع الذي فرضته الثورة)، والدور المجتمعي الواعي المتمسك بشعارات الثورة الدور إلى جانب تدخلات القوى الخارجية بين إحلال السلام وبين إحلال سلام ممنهج.. وقد جاء تأسيس المبادئ العامة في كل اتفاق على الحقوق المدنية، ومن ثم الاتفاق على الحكم الفيدرالي (الإقليمي). كما أقرت الاتفاقات بالفصل بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة وملامسة كافة القضايا التنموية المطلوبة لتحقيق أوضاع معيشية مستقرة مثل الفقر والتعليم والصحة والعمل والقوانين والسلام والوضع الأمني والأمن الغذائي
فهل نجحت جوبا 2020 في الوصول إلى عمق المشكلة وفتح الجسور إلى حياة آمنة مستقرة. سأتناول هنا بعض المحاذير والمخاطر التي تحدق بالاتفاقية من نصوصها. ولابد من التأكيد أولا بإن انعكاسات التجارب السابقة كانت المسطرينة ( Bench mark ) لحركات المقاومة في المناطق الممتدة من دارفور مروراً بجنوب كردفان إلى النيل الأزرق : تجربة الجنوب ونيفاشا طرحت شعار الدوشكا هي سبيل لتحقيق المطالب. ومن ثم عدم استجابة قرنق لانتفاضة 85 واستمراره في حمل السلاح ضد حكومة الثورة (الدوشكا والمكاسب) وكان ذلك درساً أيضاً لجبهات المقاومة في مناطق النزاعات في عدم استجابتها لثورة الشعب في ديسمبر 2018 ( الدوشكا والمكاسب السياسية والمناطقية) ولاحقا انساقت الجبهة الثورية في ذات التيار على الرغم من توقيعها على ميثاق الحرية والتغيير ضمن قوى نداء السودان ومشاركة مندوبيها في المفاوضات إلا أنهم تراجعوا (سعي نحو تعظيم المكاسب – الاستقطاب – وتقاطعات المصالح).
بلغ عدد الاتفاقات سبعة اتفاقات شملت 5 حركات من مناطق النزاعات بالإضافة إلى موقعين عن مسارات الشرق والشمال والوسط.، وقد شمل التوقيع ممثلي خمس من الحركات الدارفورية لا يملكون جيوش على الأرض، لكن بلا شك من الفاعلين ولديهم تاريخ مقاومة ومناصرين واتباع، ولا نملك إلا أن ننظر إلي الجزء المليء من الكوب ونحسب هذه الخطوة في إطار المطالبة السياسية وليس في إطار صنع السلام الدائم، ايماناً بإن كل طريق يؤدي إلى السلم والتوافق هو أمر مطلوب يؤدي إلى توسيع العمل الجماهيري القاعدي ويشجع توافق المكونات الأخرى وهي الأقوى ( (الحركة الشعبية قيادة الحلو، حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد)) في إطار أن الطريق إلى السلام يبدأ بالسلم الاجتماعي. فكسب جزء من الفاعلين في عملية النزاع سواء كان فعل سياسي أو مقاوم هو جزء من المسار الطويل لتحقيق السلام. هذا الوضع يمكن أن يثمر فقط في حال ارتباطه ببنود اتفاق منصفة وعادلة تبتغي وجه الوطن. فعملية السلام عملية طويلة تتطلب صبر ومثابرة لتشمل جانبين: جانب تحقيق السلام وإيقاف الحرب واستتباب الأمن ثم الجانب الآخر وهو تحقيق السلم الاجتماعي بتحقيق التعايش السلمي بين المكونات المختلفة ورفع المظالم وهي المهمة الأصعب.
لقد كانت أولى الملاحظات هو إن إقحام مسارات ليست معنية بالنزاع او استخدام السلاح. بجانب إنه منح من لا يملك لمن لا يستحق، فإنه يتضمن مسار خطر وبؤسس للتجزئة والعمل على تكريس المناطقية والعصبية القبلية، خصماً على التوجه الأسمى بالعمل في إطار عام يضم كل السودانيين دون تمييز سوا كان ذلك على أسس أثنية أو عرقية او انتماء جغرافي أو سياسي. وما يثير التعجب حقا هو الانتشاء لاتفاق تبنى مرجعية الترضيات الهادفة إلى الاحتواء دون تحسب لنتائجها. فالنصوص الغامضة والخبيئة تجسد واقع مرسوم بعناية لإحداث تغييرات مفصلية. هذا إلى جانب إن عقد اتفاق جزئي في غياب اطراف الصراع القوية والتي تمتلك جيوش وتسيطر على مواقع سيطرة إدارية وعسكرية كاملة " الحلو ونور " لن يحقق السلام المنشود. وسوف نحاول التطرق لمضامين اتفاقات جوبا 2020 ونتعرض لأكثر مراميها أهمية
في الإطار الظاهري جاءت الصياغة للاتفاقات فضفاضة وغير منضبطة وقابلة للتأويل. والاسترسال في النقطة أو الهدف الواحد في عدة بنود "حشو منمق غير قابل للقياس". و استخدام الأفعال التقريرية التي لا تقود إلى نتيجة محددة ( مثال يدرك الطرفان بان وجود قوات اجنبية – ضرورة الدراسة للتوقيع على الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل والمرأة) وفيما يلي بعض أخطر الملاحظات على المستوى الكلي:-
(1) لقد صممت الوثيقة وهي تحمل تعديات على الوثيقة الدستورية، يتطلب تطبيقها تعديل الوثيقة الدستورية ، بينما الوثيقة الدستورية لا يجوز تعديلها إلا من قبل المجلس التشريعي وبتوافق ثلثي الأعضاء. فكيف تغاضي المتفاوضون عن نصوص الوثيقة الدستورية على علاتها؟ وكيف أنجر قادة الحركات وهم من عتاولة السياسيين لهذا الشرك والرضاء بالمكاسب الذاتية والآنية دون تحسب للمخاطر الناجمة عن خرق الوثيقة الدستورية خصوصاً أن أي اتفاقات جديدة تعني مزيد من التدخل في وثيقة على علاتها وولادتها العسيرة قد ارتضاها المتفاوضون .
(2) كما تتضمن الوثيقة تعديل على بنود في الوثيقة شملت تمديد الفترة الانتقالية لعام آخر (39 شهرًا) واستثناء أعضاء مجلس السيادة والوزراء في الفترة الانتقالية من الترشّح في الانتخابات العامة، ومنح شاغلي المناصب الدستورية في الفترة الانتقالية حق الترشح في الانتخابات العامة، وتخصيص 25 % من المقاعد الوزارية و25% لعضوية المجلس التشريعي لممثلي أطراف الاتفاقية، وتخصيص 10% من الوظائف القيادية العليا في الولايات التالية: الشمالية، ونهر النيل، وسنار، والجزيرة، والنيل الأبيض، وشمال كردفان، وغرب كردفان. وبينما نص الاتفاق على 25 % في تكوين مجلس الوزراء. فقد جاءت الإضافة على مجلس السيادة بزيادة 25% (وعلى الرغم مما يخبئه هذا التمييز للنص من محاذير فإننا وفي الاهتداء بميزة الشك لن نصرح الآن بإن هذا مؤشر متعمد لاصطفاف جديد، وترجيح لكفة الميزان.
(3) وبينما أقر الاتفاق الحكم الذاتي على المناطق خارج سيطرة الدولة والتي يديرها الحلو، فإن الحلو نفسه لا يطرح الحكم الذاتي، بل يطرح الحل على مستوى القضايا الوطنية وليس الجهوية.
(4) نصت المادة 1.7 على الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات على أن يضمن ذلك في دستور البلاد وقوانينها. وهو أمر جيد، لكن تظل الأسئلة قائمة حول أهمية تحديد مصادر التشريع
(5) لقد اتسمت المفاوضات التي استمرت على مدى عام كامل بالسرية مع عدم مشاركة القوى السياسي وأصحاب المصلحة والنساء النازحات والمهاجرات خلافا لنص القرار 1325 عن دور المرأة في السلام. ومن ثم جاءت المشاركة للنساء صورية باهتة في حفل التوقيع.
وسوف اتناول هنا بعض بنود اتفاق الترتيبات الأمنية وهو الأكثر إثارة للمحاذير وفيما يلي بعض مما جاء فيه مما أرى أنه يشكل مكامن للمخاطر
(1) الإقرار بكينونة الدعم السريع كقوة مسلحة قائمة بذاتها، إذ رسخ الاتفاق لمنحها الشرعية دون أي التزامات … إذ تشير النصوص إلى أن كافة الالتزامات تصدر باسم القوات المسلحة ( نصت االمادة 1 12 9 على إن مصطلح المؤسسة العسكرية يشمل الدعم السريع والقوات المسلحة) عدا ذلك تذكر كل منهما منفردة،
(2) تم التوقيع على اتفاقية الترتيبات الأمنية وشمل الحديث في بعض بنودها على كلام عام، فالحديث عن الترتيبات شمل المرحلة الثانية توقيع اتفاق وقف اطلاق النار، هذا الاتفاق تمت الإشارة إليه دون أن يشمل ضمن الاتفاقات السبعة الموقعة، كما لا توجد رؤية واضحة حوله على الرغم من أهميته.،.
(3) أشارت اتفاقية الترتيبات الأمنية إلى الإقرار في المبادئ العامة بدور للدعم السريع والأجهزة الأمنية في النضال ضد الحكم البائد، وهو نص يخلو من البراءة خصوصاً عندما يتصل الأمر باتفاق هو في حكم الدستور بحكم النص على الحاقه بالوثيقة الدستورية. وهو صك براءة ومنحة من أعضاء الجبهة الثورية الدارفوريين لقوات الدعم السريع من قتل رفقائهم وأنصارهم.
(4) تبرز بعض النصوص المبهمة والقابلة للتأويل، فإذا كان الوضع الطبيعي هو اندغام هذه الحركات في الأجهزة الرسمية على كافة المستويات مشكلة للحكومة (الدولة) فإن الاتفاق يظل يشير في كافة نصوصه إلى طرفان للمراحل ما بعد التوقيع. ( مثال: المواد 17 و18 ) ( ومن الإشارات الغريبة احتلال مواقع جديدة بينما جميع من وقعوا لا يحتلون الآن أي أراضي)
(5) من أكثر البنود إثارة للمخاطر والمحاذير هو آلية حصر وتسجيل العناصر الدارفورية التي شاركت في المقاومة المسلحة. حيث سميت بعملية التجميع والدمج. وتكمن خطورة عملية التجميع الهادف للتسكين كقوة حكومية تابعة لأي من القوتين في عدة جوانب
– الفوضى في تعريف المقاتل بانه أي شخص يحمل سلاح. إذ المطلوب من هذا المقاتل ان يأتي بنفسه حاملا سلاحه ليسجل كمقاتل ثم يدرب لمدة أربعة أشهر ويدمج في إحدى القوتين القوات المسلحة أو الدعم السريع. حسب نص المادة 14 2 5 25 .
– بينما ينص الاتفاق على الحق في إضافة 15% لأشخاص لا يملكون سلاح دون تحديد لمعايير..
– منح رتبة الضابط وفق معيار معرفة القراءة والكتابة فقط.، فإذا تغاضينا عن المعايير الموسومة للقوات المسلحة في وظيفة من أخطر الوظائف، فهي عملية تحمل الكثير من سوء النية لأنها عبارة عن محاباة وتجنيد (recruitment) يفتح الباب للاستقطاب والجذب والتنافس على تمكين القبيلة، من ناحية من ناحية أخرى فإن معيار القراءة والكتابة هي ثغرة للاستقطاب والمحسوبية والتقييم غير الموضوعي.
– إن الية التجميع والدمج بلا شك هي تكريس للاصطفاف القبلي والعقائدي، وثغرة للتمييز ولدخول كتائب الظل بالباب. وفي العموم فإن هذه الالية ترجح موازين القوة فيها لصالح من يملك المال لشراء سلاح يمنحه لاتباعه للذهاب بأنفسهم وحمل السلاح للتسجيل كمقاتلين. لكنه امر غير مستبعد أن ان هنالك نص بمنح هذه المكونات مبلغ مائة مليون دولار في ظرف شهر بينما يتسمر التجميع على مدى 45 يوماً ( فلماذا ؟ وكيف يمكن تفسير تسمية هذا الفعل لأناس سيكونون شركاء في الحكم وفقا لأحكام وشروط وقيم الخدمة العامة)
– مرحلة التجميع والدمج هي المرحلة الثالثة بعد استكمال مرحلتين أهمها اتفاق وقف اطلاق النار ، هذه المدة يضاف إليها النص علي استمرار عملية التجميع على مدى 45 يوما، وهي مدة كافية للتجنيد والاستقطاب من قبل أعضاء الجبهة الثورية والآخرين الذين لحقوا في اللحظات الأخيرة. وقد رشح في الميديا بعض من مظاهر الاستقطاب والتجنيد التي بدأت.
– يشير الاتفاق إلى عقيدتين للقوى العسكرية، فالمادة 33 6 4 تفرد للقوات المسلحة السودانية النص على اتباعها العقيدة العسكرية وفقا للسياسة التدريبية في الكليات العسكرية ومراكز التدريب. وفي إشارة أخرى تبني العقيدة العسكرية وفقا للدستور دون تحديد لجهة محددة. بينما يكتنف الغموض البند 5 1 33 الذي يشير إلى جيش يتبني عقيدة موحدة.
– ونص البند 11 5 33 على إصلاح القوات المسلحة لتكون ممثلة لجميع سكان السودان في عضويتها العامة وفي قيادتها على كافة المستويات. هذا النص طبق على القوات المسلحة ولم يطبق على الدعم السريع، ومن المخاطر التي تكتنف تفسيره إنه أشار إلى سكان السودان وهو نص يحتمل سكان السودان من جنسيات غير سودانية. وبينما تم وضع معايير لقوات الشرطة بحيث لا تنتمي لحزب او قبيلة او غيرها، فإن ذات الشروط لم توضع للقوى العسكرية أو لأطراف الصراع ممن سيلحقون بالقوات المسلحة والدعم السريع
هذا وإلى جانب أن إجراءات وقف إطلاق النار تؤسس إلى مرحلة جديدة من الجرجرة، بإطلاق بنود عامة وغير حاسمة وبالنص على اتفاقية لم توقع ولم يحدد لها وقت تبدو من المحاذير التي تؤدى إلى التطويل قبل الدخول في مرحلة التجميع والدمج.
إن اضطلاع حميدتي بالية السلام يبدو أمراً شائهاً. حيث كرست الاتفاقية لإضفاء الشرعية على قواته وعمدت إلى تمكينها، إذ تتساوى الفرص في إلحاق المقاتلين الذين يتم تجميعهم وتدريبهم في كل من القوات المسلحة والدعم السريع وهي بلا شك خطة جهنمية لتمكين الدعم السريع ( فاذا تحرينا إمكانيات الدعم السريع صاحب المال والامتيازات المغرية فإن الدعم السريع والحركات التي يبدو للعيان أنها ستتحالف معه ستكون هي صاحبة الكسب الأكبر. حيث تتخلق قوة جديدة من مكونات المسار ي حيث يبدو واضحا أن حلفا جديداً يتكون من جهة أخرى، وهو امر بالغ الخطورة على القوات المسلحة والعقيدة العسكرية. وعلى امن الوطن. لقد عمد المفاوض الذكي إلى تامين التدابير المتخذة بجعل الاتفاق جزء ملحق بالوثيقة الدستورية سدا للذرائع ولمنحه ككيان الشرعية الدستورية، لقد استفاد حميدتي من الدرس السابق بسد الذرائع التي وردت في المذكرة التفسيرية لوزارة العدل في 23 أكتوبر 2016 بعدم دستورية قانون الدعم السريع بسبب انتهاكه لقانون القوات المسلحة وانتقاصه من سيادتها وسلطتها العسكرية والانتقاص من ولاية القوات المسلحة على السلاح والقوة المسلحة ( وهو يعلم حقا أن البشير منحه الشرعية لكن تبرز الصعوبة في منحها له في الوضع الحالي).
إن طبيعة قوات الدعم السريع القبلية والقائمة على التمكين الأسري والقبلي، وتوزيع الرتب العسكرية دون ضوابط مهنية وجدارات يعد خرقا بالغ الخطورة ويشكل هاجسا على أمن الوطن، كما تنعكس مؤثراته سلبا على القوات المسلحة النظامية وعقيدتها العسكرية، ويخلق تمييز يدعو إلى الفرقة والفتنة. هذا الوضع يزداد هشاشة في ظل الآليات التي نصت عليها الاتفاق. فالمنضمين الجدد من تابعي الحركات الموقعة القائمة على المناطقية والقبيلة والتبعية لمكونات الاتفاق. كل ذلك يقود إلى الاصطفاف القبلي، ويهدد التماسك والنسيج الاجتماعي ويزيد من مخاطر الفشل في إدارة التنوع وبناء الدولة.
هذا التحليل يستند إلى ما كان والواقع الحالي، فالواقع السوداني كان مستندا على التعايش السلمي بين المكونات في المنطقة والقدرة الذاتية على حل الخلافات التي تظهر هنا وهناك، بينما أسفرت مؤثرات سياسة النظام الهالك واستغلاله للقبلية والمناطقية ما نشهده اليوم من صراعات تتفاقم وتتسع، وأخيرا لم ينسى قائد الدعم السريع أن يؤمن موقفه وموقف رفقائه فأشارت اتفاقية الترتيبات الأمنية إلى العفو العام عن الجرائم المرتكبة. وعقد اتفاق لجبر الضرر سنتحدث عنه لاحقاً.
محاسن زين العابدين عبدالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.