* تحديداً؛ في يوليو 2012م وتحت عنوان (معاقل الصوفية تحت عباءة الغشاش الأكبر) كتبت مقالاً عن إتجاه عمر البشير نحو حشود الصوفية بالتودد؛ ولأنه يختار لكل مناسبة (كذبة) فقد تعهد لهؤلاء القوم بعمل دستور إسلامي 100% أو كما قال.. والمفارقة أن هذه العينة من جماعات (الصوفية الوضيعة) التي كانت تستقبل سفاح السودان؛ لم تكن بحاجة إلى دستور إسلامي أو شريعة؛ بقدر حاجتها إلى ما يملأ بطونها.. وهم لا يختلفون عن علماء سلطان ذلك الزمان من حيث التركيز على المَغنم.. وقد سميتهم (علماء الفكّة). * قلت وقتها أن البشير يختار الصوفية باعتبارهم قوة لا بأس بها عددياً؛ وهو يحتاج ل(أعداد) وليس إلى مصلحين! ويعرف تماماً لمن يتودد؛ فزعماء بعض المسائد واضحين تغريهم المصالح الدنيوية مع سلطة (الربّاطة) والجوع كافر! لكن بعض الصوفية من المستنيرين المحترمين لا يستطيع البشير أن يمسهم (بالعباية)! * دار الزمان إلى 2019م ورأينا وقتها (جقلبة) زعيم المليشيا (حميدتي) نحو الصوفية والإدارات الأهلية باعتبارهم الحلقة التي يسهل اختراقها وتمييعها واجتذابها بالمال من قبل المتسلطين؛ كما يحدثنا تاريخ السودان الحديث.. ولم يكن هؤلاء الذين تهافت نحوهم حميدتي لديهم (هَم) بثورة ديسمبر وشهدائها ومفقوديها ومصابيها؛ فقد كانوا بنفس سِمات (حشود البشير) وكان حميدتي هو الصورة المختزلة للمذكور.. لكن الفرق بينهما هو فرق (الخبرة الإنتهازية) ومن ناحية ثانية فإن البشير كان مدخله الغش من (باب الدين) أما حميدتي فمدخله في المال الذي لا أحد من لجنة التمكين يسأله عنه: من أين اكتسبه وكيف؟ بإعتباره أحد الكبار على القانون كما قلنا في موضع سالف. * فإذا كان حميدتي يحمل صفة (حتى لو اعتبرناها خزعبلية شكلية) لكن أخوه عبدالرحيم الذي لا نعلم له صفة داخل قصر السلطة؛ سار على نفس الدرب وبذات خطى (الكيزان) قرأنا أنه زار بعض المتصوفة في هذا الشهر؛ وحمل الخبر كثير من الحشو غير المفيد.. كانت زيارته أشبه بدعاية سياسية لشخص مقبل على انتخابات ولديه أطماع في الزعامة؛ بيد أنه لا يملك لها مؤهلات سوى المادية..! لم ينسى المذكور أن يزوّد عيار الزيارة ببعض الدجل السياسي المخيِّب وهو يقول أن البلاد ستعبر بدعوة المشايخ..! كأنَّ المشايخ كانوا غائبين في الثلاثين عاماً من ذلك الحكم الذي مارست فيه مليشيات الجنجويد الفظائع..! * في زمن حكومة البشير كل عاطل عن التفكير والعمل كان يمارس مثل هذا الدجل السياسي بدعوة الناس إلى (الدعاء) كنوع من الإستهبال وقلة الحيلة.. وقد كتبنا عن ذلك كثيراً.. أما اليوم نجد شقيق حميدتي قائد المليشيا يذكرنا بأولئك في قوله (بأن البلاد ستعبر بدعاء مشائخ الطرق الصوفية).. وغفل أن وعى الناس تجاوز مثل هذه الأسطوانات المستعبطة.. فالذي يعبُر بالبلاد لبر الأمان والسلام هو أن يحتل كل امرئ مكانه الصحيح؛ وتسود العدالة ويلقى كل قاتل ومحرِّض على القتل جزائه شنقاً أو سجناً؛ وتنتهي الفوضى العارمة بجيش قومي حر يعبّر عن أهل السودان جميعاً؛ وأن يختفي المتطفلين على السياسة والمجتمع والباحثين عن المناصب بقوة العين والإبتزاز وليس بالمؤهل..! ستعبر البلاد لبر الأمان بحكومة مدنية لا يسيِّرها العسكر وبنائب عام ينتمي إلى الشعب وثورته ويحس بألم ذوي الشهداء الذين قتلتهم المليشيات مع العسكر (المتحدِيين) للشعب..! * كما يبدو؛ ليس أمام زعماء المليشيا غير حائط الصوفية القصير للقفز فوقه عبر علاقات (تكبير الكوم) وصولاً لمبتغى الزعامة؛ عطفاً على العلاقات مع القوى التقليدية من الإدارات الأهلية والعموديات.. هكذا يريدون.. فإن كففنا النظر عن الإدارات الأهلية بهشاشتها تساءلنا في شأن الصوفية بمكانتهم الدينية المرسومة في عقول الناس والعوام منهم على وجه الخصوص: ما الذي يجعلهم متناغمين مع قادة مليشيات تحيط بهم علامات استفهام بحجم هذا الوطن؟! وما الذي كان يجذبهم نحو البشير وقتذاك كقاتل ولص؟! * من حق الصوفية أن يستقبلوا من شاءوا في بيوتهم..! ومن حقنا أن نذكِّر كافة الناس بين حين وآخر عن إسهام الجهلة والأكلة في صنع الطغاة (وأمامنا سنوات البشير)! من حق أي كيان صوفي؛ جنجويدي؛ أهلي أو قبلي أن يربط علاقاته كيفما اتفق.. ومن حقنا أن نذكّر دائماً بأعوان الظالمين الذين ذمَّهم العارفين والمتصوفة الحقيقيين.. وقد أفردنا لهم مقالاً بعنوان (الأعوان) أوردنا فيه بعض أحاديث رسولنا الكريم وما تيسر من أقوال الصالحين عن خطورة معاوني الظلمة.. وتراث المتصوفة فائض في هذا الجانب قبل أن تتلوث أمتنا بأشكال أخرى تحت مسمّى التصوُّف عبَّر عنها شاعرنا العظيم كجراي بقولهِ: نفقد الإحساس بالمتعة إن سِرنا على درب الضلالات القديم هذه (الصوفية العمياء) لا تعرف خطاً مستقيم..! أعوذ بالله __