لا شك أن الانسان الطبيعي يحب لبلاده كل الخير والتقدم والازدهار، ويتمنى أن يراها في أعلى مراتب التطور والتميز في المجالات كافة، إن إقامتي لعقدين من الزمان إقامة متواصلة في بلدي الثاني مملكة البحرين حيث تربى أبنائي وترعروا فيها ودرسوا بمدارسها كل مراحل التعليم منهم من تخرج من جامعاتها ولا زال اثنين منهم في جامعة البحرين أحدهم في سنته الأخيرة بكلية الحقوق، جميعنا نكن لهذه الأرض الطيبة كل الحب والتقدير والولاء تماما مثل بلدنا الأول السودان. إن الحب للوطن العزيز لا بد وأن يجعل المرء أمينا ومنصفا وحريصا على أن يقدم لبلاده كل ما من شأنه أن يرتقي بها، ومن هنا أجد نفسي مدفوعا برغبة شديدة بالدعوة إلى توطيد علاقات بلادنا مع بلدنا الثاني مملكة البحرين، والعمل بكل جدية في اتجاه تبادل المصالح المثمرة للجانبين وكلي ثقة في أن الفائدة ستكون متعاظمة، المستفيد الأول سيكون السودان لأسباب كثيرة، ومن أهمها أن البحرين ملكا وشعبا يكُنون كل الحب والتقدير لشعب السودان، شخصيا ومن خلال وجودي في الوسط الصحفي والإعلامي البحريني قد لمست هذه المشاعر. وفي هذه السانحة لا بد من القول أن مملكة البحرين من الدول القليلة جدا في العالم التي لا تربط علاقاتها مع الدول وفق أجندات ذات طبيعة خلافية أو تآمرية أو تضر بالآخرين، بل العكس تماما، تملك البحرين رصيدا كبيرا ومشهودا به في عراقة الدبلوماسية والصلات الطيبة والمصالح المشتركة التي تخدم وتبني وتؤسس لواقع جديد، ربما أن الشعب الوحيد الذي يشبه السودان في طيبته هو الشعب البحريني، وربما البلد الوحيد من حيث الأهمية الاستراتيجية الذي يشبه السودان هي مملكة البحرين. هذه الجزيرة الصغيرة الكبيرة بعقولها وفكرها وقيادتها، صاحبة أكبر رصيد من النجاح والتفرد والتميز في المجال المصرفي منذ عقود خلت، فتحدثنا الأرقام والاحصائيات أن قيمة أصول القطاع المصرفي مع نهاية شهر يونيو 2020 بلغت أكثر من 212 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبحرين (مصرف البحرين المركزي)-، أن المصارف الاسلامية في البحرين تدير موجودات تقدر بحوالي 695 مليار دولار، وتستند إلى قاعدة ودائع تبلغ حوالي 471 مليار دولار، وقاعدة رأسمالية تبلغ حوالي 68 مليار دولار، كما أنها قدمت تمويلات بنحو 444 مليار دولار وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري 2020م"، (نشرة اتحاد المصارف العربية)، البحرين تحتضن سنويا أكبر المؤتمرات الاقتصادية في العالم وهو المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية (WIBC)، يشارك فيه أكثر من ألف خبير مصرفي سنويا. مملكة البحرين من بين مجموعة قليلة من دول العالم ذات التنمية البشرية المرتفعة للغاية، حيث تقدمت في السنوات العشرة الماضية، حققت المملكة تقدماً كبيراً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، بإدماج أكثر من 78% من تلك الأهداف في برنامج عمل الحكومة، وتشهد البلاد تشريعات عديدة محفزة للاستثمار منها قوانين الشفافية ومكافحة الفساد، وتسهيل منح التراخيص والمنافسة والإفلاس، يجري في هذه الجزيرة سنويا سباق (الفورمولا 1) الذي يستقطب بين 70-90 ألف متفرج من كافة بلاد العالم. السودان في كل عام يشارك بوفد أمني عال المستوى في مؤتمر (حوار المنامة)، الذي يضم كبار قادة الجيوش والأمن والاستخبارات في العالم، شارك في هذا المؤتمر الذي انعقد قبل ايام قليلة رئيس المخابرات السوداني الجديد الفريق جمال عبد المجيد قسم السيد، فالعلاقات السودانية البحرينية وطيدة جدا نظريا، لكن بصحيح العبارة لا يمكن أن نقول هناك علاقات قوية برغم مشاعر المحبة بين الجانبين، جميعنا ننتظر أن ترتقي هذه العلاقات إلى آفاق بعيدة ليس في زيادة التواصل بين الجانبين وزيادة التبادلات التجارية بل نطمع إلى ما هو أبعد من ذلك حيث التكامل الاقتصادي بين البلدين، و الذي يشمل الأمن الغذائي والأسواق والمعارض التجارية وزيادة التبادلات التجارية..إلخ. السودان باستطاعته أن يستفيد من الخبرة البحرينية الطويلة في مجال القطاع المصرفي وإدارة البنوك والمؤسسات المالية بشكل خاص والاقتصادية بشكل عام، كما باستطاعة بلادنا الاستفادة من خبرة البحرين في مجال حفظ التراث والاهتمام بالمتاحف والآثار وكما هو معروف أن السودان غني بآثاره التأريخية القديمة العالية القيمة، والبحرين تحتضن المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الذي ترعاه منظمة اليونسكو وهو مؤسسة بحرينية مستقلة يعمل في تنفيذ اتفاقية التراث العالمي في منطقة الدول العربية من خلال تعزيز المعرفة منه وتعزيز المبادئ التوجيهية التشغيلية والتعاون بين الدول الأطراف في منطقة الدول العربية. إن النظام السابق في السودان أبدا لم يجتهد في الارتقاء بمستوى الطموحات في خلق علاقات ذات قيمة مادية ومعنوية بين الجانبين، لان العقلية الأمنية كانت هي التي تسيطر على كل شي، لذا كان النظام يدفع بضباط مخابرات كبار في الرتب للسفارة السودانية في المنامة، كنا نتوقع بدل الدفع بضباط مخابرات يكون ملحق تجاري في حوزته كل المعلومات الخاصة بالخارطة الاستثمارية في السودان، ويقوم بدور الترويج والتسويق للاستثمار في بلادنا، البحرين مملكة شقيقة نحتاج لسفارتنا أن يكون فيها ما يسهم في رفعة واقتصاد السودان، والبحرين قد اشتهرت بكونها سوقا عالميا في مجالات كثيرة ومنها الصيرفة الاسلامية، وتجارة الذهب واللؤلؤ، وهي بصحيح العبارة هي مركز تدريب عالمي كبير في مجالات كثيرة من بينها ريادة الأعمال والحكومات الالكترونية، والآن تجربة نجاح البحرين في إدارة أزمة (كورونا 19) رفعت اسهمها بشكل كبير أضاف لها منجز من ضمن المنجزات الحضارية التي حققتها في السنوات الماضية. للبحرين مواقف تجاه بلادنا لا يمكن حصرها فهي مُشرّفة جدا، في كل الكوارث التي ألمت ببلادنا كانت البحرين حاضرة بقوة في ما تقدمه من مساعدات ومن وقفات يصعب التعبير عنها بالكلمات، سياسيا على الدوام كانت تقف مع السودان وتدعمه في كافة المحافل الدولية، وقد كان وزير الخارجية السابق الاخ العزيز الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة المستشار الدبلوماسي حاليا للعاهل البحريني أول وزير خارجية عربي يزور السودان في 22 ابريل 2019م بعد اندلاع الثورة الشعبية، وسلم رسالة شفهية من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تضمنت مساندة جمهورية السودان في هذه المرحلة التاريخية الهامة، وفي 17 أغسطس نفس العام شارك وزير الخارجية البحريني في حفل إبرام وثائق الانتقال للسلطة المدنية في جمهورية السودان، وأعرب عن خالص التهاني بهذه الخطوة المهمة في المضي بالبلاد نحو الاستقرار والسلام وتحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق في التنمية والتقدم. إن المسؤولين في البحرين دائما يؤكدون حرصهم على تحقيق السلام وإعادة الأمن والإستقرار في بلادنا، وان ما يجده السودانيين المقيمين في هذه البلاد الطيبة من تقدير واحترام يؤكد على الروح الطيبة والنفوس الأبية لشعب وقيادة البحرين، الأمر الذي يؤكد على صدق مشاعرهم الانسانية النبيلة، ومن هنا أقول أن السودان والبحرين يمكن ان يلعبا دورَا كبيرَا في زيادة مداخيل الاستثمارات العربية وبالتالي المساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية العربية بشكل واسع من خلال تدفق الاموال البحرينية في اكثر من منطقة بالسودان، وفي اكثر من جانب استثماري سيما وأن هناك العديد من الاستثمارات العربية الناجحة في السودان مثل مصنع سكر (كنانة) والذي يعتبر أكبر مصنع للسكر في العالم العربي ويحقق نتائج عالمية في الجودة هو استثمار كويتي سوداني، وكل الدلائل تشير إلى أن الاستثمارات البحرينية ستجد الاهتمام اللائق بها من قبل الجانب السوداني خاصة بعد ثورة ديسمبر المجيدة والآمال والطموحات التي انعقدت عليها. نريد أن نرى بحرينيين بأعداد كثيرة بالسودان في مجالات التجارة والسياحة والفنون والثقافة، وفي المؤسسات الاعلامية والعلمية والاكاديمية، كما نريد أن نرى وفود سياحية بحرينية تزور ولاية البحر الأحمر وتسبح في مياءه وتأكل من أسماكه، وتزور جزيرة (سنقنيب) المشهورة بالشعب المرجانية، ونريد أن نرى البحرينين في جبل مرة وفي نيالا وفي قصر السلطان علي دينار، كما نريد أن نراهم في أسواق امدرمان القديمة وفي بيت الخليفة وفي شارع النيل الذي تغنوا به كثيرا في منتدياتهم التواصلية. صحيفة (الديمقراطي) السودانية 14 ديسمبر 2020م