صدى مليونية 19 ديسمبر الذي كتبنا عنه باستفاضة وعبرنا عن دفقه المليوني، وطاقته الجبارة هو ثباتنا في طريق الحق.. وستعبر البلاد نحو فجر ابلج بغير شك، انتصارا لثورتها وتاريخ النضال الطويل وتعزيزا لخطى فك إسار البلاد من عقابيل النظام البائد وفواتيره الباهظة. هل هناك أمل.. هل ثمة ضوء في نهاية النفق.. نعم.. الثورة هي في حد ذاتها فعل يقوم على الأمل إذ تهزم في أول أمرها اليأس والقنع، وهي فعل يربيه ويطوره من يؤمن بالشعب وحده كصانع ومحقق للمعجزات. إن الثائر لا يحبط، إن بعد الضيق الفرج.. سيدخل علينا العام القادم ببشارات عدة، وأول الغيث قطرة، منها على سبيل المثال ما سيترتب على رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. تلك الجريرة والسبة التي أدخل البلاد فيها متنطعة النظام البائد، بما يحققه ذلك من إنفراج كبير على مستويات عدة. سيعود السودان لموقعه السياسي متحررا وللمرة الأولى من أسقام العهد البائد، وسيكون تبعا لذلك بمقدوره الإستفادة اقتصاديا من مبادرة الهيبك لإسقاط الديون عن الدول الفقيرة.. بما يمكنه من أن يحظى بالدعومات الاقتصادية التي افتقدها، والتعامل مع مختلف دول العالم اقتصاديا وكذا الحضور في المؤسسات والمنظمات الدولية اقتصاديا. وسيكون بمقدور بلادنا أن تقدم انتاجها لأسواق العالم بعدما حرمت لعقود من ذلك، وستمضي منتجاتها لمختلف الأسواق العالمية دون مهرب أو سمسار أو متلاعب، فقد زالت الموانع، وما كان ذلك ليحدث لولا ثورة ديسمبر وخطى شباب وشابات تقدموا لفدأ الوطن وانتزعوه من براثن الطغيان، وفدوه بالروح والدم، وثبتوا يوم كان الفرار محتما. ستمضي خطى الحكم المدني، الذي فرضته الثورة ولا تنفك عن حراسته قاطعة الطريق أمام براثن الأطماع المتربصة، ستمضي خطاه مع كل عثراته، لأن ذلك هو طريقنا الأوحد، ولا طريق إلا هو. إن الطريق ممهد الآن إذا ما توفرت الحكمة والبصيرة، لأن تشهد البلاد إنفراجا اقتصاديا من سماته توفر الدواء والقمح ومعالجة قضية التضخم الإقتصادي حيث ستتوفر للمرة الأولى فرصة التحاويل الخارجية عبر النظام المصرفي، وهو أمر يستوجب وبشكل عاجل مراجعة هذا الجهاز وإعادة تنظيمه وتطهير صفوفه من عناصر النظام البائد، التي ترقت بالدعم السياسي، ودعمه بالتدريب والتأهيل لكوادره. من المتوقع أيضا أن تصل في يناير المقبل البعثة الأممية تحقيقا لتفويضها كداعمة لترسيخ الحكم المدني والإنتقال السياسي تحت الفصل السادس، وهي بعثة ستلعب دورا في دعم وتطوير المؤسسات المختلفة، ومراجعة اوضاعها وتأهيل كوادرها ومعالجة اشكالاتها، وسيمتد أثرها للخدمتين المدنية والعسكرية، وستلعب دورا في دعم قواعد الحكم المدني في البلاد. كذلك فقد صدر قانون لتمكين الحكم المدني والإنتقال الديمقراطي في السودان، وتمت إجازته بتصويت الكونغرس الامريكي، وهدف لفك سيطرة المؤسسات العسكرية والأمنية على الاقتصاد، ولمن لا يعلم فإن هذا القانون إنبنى على مناقشات إستغرقت وقتا طويلا في دوائر إتخاذ القرار في امريكا وشاركت فيها مختلف الدوائر، في إطار تقييم مشهد التغيير الذي حدث في السودان، وعجزت الدوائر الاستخبارية هناك عن توقع حدوثه، والتنبؤ به، كما تفاجأت الدوائر الأقليمية، وهو قرار لمن التقط معناه الهدف منه تمهيد الطريق لإقتصاد يستطيع العالم التعامل معه، فما من جهة اقتصادية تقدم قروضها لدولة لا تتحكم في اقتصادها، فالإقتصاد العالمي لا يقوم على ثقافة المحسنين، ولا ينبني على الصدقات للدول. إذا ما توفرت الرؤية والإرادة، فإن السودان بمقدوره إستشراف عام جديد يستطيع فيه مغالبة كثير من التحديات، وسيكون بمقدور البلاد وأهلها الخروج من دوامات الحصار وتنفس الصعداء، وبدء تخطي الانهيار الإقتصادي، ولن تستطيع قلة تنتمي لأشواق الطغيان إعادته لأيامها الكالحة وإن تمنت ذلك، كما لن تستطيع قوى محدودة التفكير ترنو للسطو على الحكم انقلابا او التفافا النجاح في ذلك. قدم شعبنا دروسه للعالم.. وعلى من يتقدمون الصفوف اليوم ان يبرهنوا أنهم تلاميذ تلك المدرسة العظيمة التي الهمت العالم، وأن يتصدوا لمرحلة فيها يغاث الناس ويعصرون. أيها السودانيون.. كل عام وأنتم بخير. عاش نضال الشعب السوداني المجد والخلود لشهداء الثورة السودانية