سرّعت الحرب التي شنها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على إقليم تيغراي وحكومته من أزمة الشرعية التي كان يواجهها قبل المعركة، في الوقت الذي قد تنتقل فيه عدوى تمرد الإقليم الشمالي إلى مناطق أخرى متفرقة في البلاد، حسبما تقول مجلة "فورين أفيرز" الأميركية. في أوائل نوفمبر، بدأ أبي أحمد هجوما عسكريا ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وهي حكومة إقليمية كانت تهيمن على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا. استولت قوات أبي بسرعة على المدن الرئيسة في إقليم تيغراي، وألحقت خسائر فادحة في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وأثارت مخاوف من صراع أوسع قد يمتد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد. الآن، يصر أبي على أن الحرب في تيغراي قد انتهت، زاعما أن قواته حققت انتصارا حاسما على جبهة تحرير تيغراي، وأن التقارير عن استمرار التمرد هناك خاطئة. حتى أنه استأنف جدوله المعتاد للأحداث الرسمية، حيث سافر إلى شمال كينيا في وقت سابق من هذا الشهر لافتتاح نقطة حدودية جديدة مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا. إنما الواقع في تيغراي مختلف جدا، وفقا لفورين أفيرز، حيث تسيطر القوات الإثيوبية الآن على جزء كبير من المنطقة، لكنها لا تتمتع بالسيطرة الكاملة، كما لا يزال العديد من قادة ومقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي طلقاء. كان أحد الأسباب التي جعلت القوات الإثيوبية قادرة على الاستيلاء على العاصمة الإقليمية ميكيلي بهذه السرعة هو أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قد سحبت بالفعل العديد من مقاتليها، وفرقتهم في المناطق الريفية والجبلية النائية في المنطقة. وصلت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى السلطة عام 1991، باستخدام تكتيكات حرب العصابات ضد النظام العسكري الشيوعي الذي قاده منغستو هايلي مريم. الآن عادت إلى تلك التكتيكات، ويبدو أنها شنت سلسلة من الهجمات الصغيرة ضد القوات الإثيوبية، "من المستحيل معرفة مدى تكرار أو فعالية هذه الهجمات لأن أديس أبابا فرضت تعتيما إخباريا على المنطقة"، بحسب فورين أفيرز. كما تقول المجلة الأميركية إنه من المستحيل استبعاد تمرد دموي آخر. مضيفة "يمكن أن تكون انتفاضة التيغراي معدية، وتنشط أو حتى تندمج مع ثورات في أجزاء أخرى من البلاد". وحتى إذا نجحت القوات الإثيوبية في نهاية المطاف في القضاء على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، فإن الاستياء الشعبي العميق من عدوان رئيس الوزراء سيستمر في التفاقم، "مما يؤدي إلى ظهور جيل جديد من القادة المناهضين لأبي الذين سيفعلون كل ما في وسعهم لمقاومة أديس أبابا". وأضافت "خارج تيغراي، سرّعت الحرب ما كان يمثل بالفعل أزمة شرعية لأبي". فبعد أقل من ثلاث سنوات من الشروع في الإصلاحات الديمقراطية، وبعد عام واحد من تتويجه بجائزة نوبل للسلام، وجد رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه في حالة حرب، وأنه يحكم بالإكراه أكثر من التسوية. ومع عدم وجود رواية موحدة لإضفاء الشرعية على سلطته ومع تراجع الدعم الدولي، قد يجد أبي أن إدارة تداعيات حرب تيغراي أصعب بكثير من الحرب نفسها. إذكاء النزعة القومية سارع أبي إلى الادعاء بأن شعب تيغراي يحتفل ب "تحرير" القوات الإثيوبية للإقليم. في الواقع، أذل الهجوم العسكري الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كما أذكى النزعة القومية للتيغراي. لمدة 28 عاما، قبل أن يتولى آبي السلطة، هيمنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، المعروف باسم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، بينما كانت تدافع بشدة عن الحكم الذاتي لتيغراي. أدى اختيار أبي كرئيس للوزراء في 2018 إلى كسر قبضة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على السلطة، وتجريد العديد من امتيازاتها. ونتيجة لذلك، أسفرت محاولات أبي لإخضاع تيغراي وحكومة الإقليم لسيطرته عن كراهية عميقة تجاه الحكومة المركزية، حسبما تقول المجلة الأميركية. وتقول فورين أفيرز إن نظام أبي زاد الأمور سوءا بحملة تمييز منهجي. "أثناء اقتحام قواتها لتيغراي، شرعت أديس أبابا في إبعاد مسؤولي تيغراي من السفارات، وبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال، وحتى من شركة الطيران الوطنية". ووفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، يتعرض سكان تيغراي الذين يعيشون خارج الإقليم لمضايقات بشكل متزايد، بما في ذلك مداهمات الأمن التعسفية لمنازلهم. وأشارت لجنة حقوق الإنسان في إثيوبيا إلى "شعورها بقلق بالغ" بشأن التنميط العرقي للتيغراي "الذي يتجلى في الإجازة القسرية من العمل، ومنع الناس من السفر إلى الخارج حتى إذا كان لتلقي العلاج أو الدراسة".