لم يكن أكثر المتشائمين في الوسط الاعلامي والصحفي على وجه الخصوص يتنبأبفشل فيصل محمد صالح في وزارة الثقافةوالإعلام، خاصة أن الرجل قادم من شارع الصحافة، عاش متاعب المهنة وسهر لياليها الحالكة، فعندما ذاع نبأ اختياره لتولي المنصب الرفيع، تفاءل الكثيرون بصالح، لإلمامه بالمهنة ومشاكلها المؤرقة التي يواجهها الصحفيون، ولكن ذلك التفاؤل بدأ يتضاءل يوماً بعد يوم، فالرجل لم يستطع تلبية تطلعات قبيلة الإعلاميين التي رفعت من سقف طموحاتها للوصول إلى مهنة اللا "متاعب". *خلافات الوسط الصحفي بالرغم من أن الداعمين لفيصل محمد صالح يربطون أداءه بفشل الحكومة الانتقالية ككل، وأنه ليس بمعزل عنها، إلا أن الصحافيين لا يرون في ذلك مبرراً، لجهة أن هنالك قضايا ليست بحاجة إلى إمكانات أو دعم حكومي لإصلاحها، فقط هي مرتبطة بسياسات تصدر عن وزارة الاعلام، غير أن الرجل فشل في رأب الصدع بين أطراف قبيلة الصحفيين المتنازعة حول النقابة، حتى أصبح الوسط الصحفي في عهده مشتتاً، وهو الأمر الذي استنكره البعض، فبالنسبة لهم حل الأزمة بيده هو لا بيد غيره وكما يقولون " بيدي وليس بيد عمر"، علاوة على أن الرجللم يكن لديه دور ملموس في ترقية العمل الإعلامي الرسمي والذي يُسأل عنه بشكل أكثر من العمل الإعلامي الخاص والذي يجب ان يضع له موجهات وسياسيات تتسق وروح الثورة وتطلعات فئة عاشت أسوأأيامها خلال عهد البشير المخلوع وحملات جهاز الامن الممنهجة ضد الصحفيين لقطع الطريق بينهم والحريات الاعلامية والعامة ايضاً، لتظل حادثة إغلاق 14 مؤسسة صحفية في أحد صباحات الخرطوم هي الاكثر إظلاماً في عهد الصحافة السودانية. *مشاكل الصحفيين كما أن المشكلات التي يواجهها الصحفيين والتي لم يضع لها الوزير حلاً جذرياً حتى الآن ضعف الأجور، تلك المعضلة التي فشل كل من تولى الوزارة في فك طلاسمها، كما أن الصحف السودانية كانت تتطلع لأن يسهم الوزير في تخفيف الرسوم والضرائب التي تفرض عليها من قبل الدولة، حتى تكون في متناول الجميع، ولكن ذلك لم يحدث ، ما جعل الصحيفة في عهد فيصلتُباع الي الجهمور ب(40) جنيهاً، غير أن عهده أيضاً شهد كارثة آخرى وهي اغلاق عدد من الصحف أخرها المجهر وآخر لحظة، بسبب الأزمة المالية الطائلة. *صمت وتقاطعات غير أن آخرين انتقدوا أداء فيصل كمتحدث رسمي باسم الحكومة، فالرجل ظل صامتاً في قضايا عديدة كانت تتطلب ظهوره وتوضيح الحقائق للرأي العام، في الوقت الذي كانت فيه أصوات مستشاري حمدوك هي الأعلى بالتطرق للقضايا التي تشغل الساحة، حيث أظهرت تلك الخطوة تقاطعات واضحة في مؤسسات الدولة، التي لم يكن خطابها الاعلامي موحداً، وينتقد البعض ظهور صالح الضعيف وتضارب تصريحاته في أكثر من مرة حول عدد من القضايا. *جدل التصريحات ويتحفظ البعض على فيصل لعدم دقته في بعض التصريحات التي أدلى بها، ونستدل بقوله إن رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك ليس لديه علم باللقاء الشهير لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بيوغندا، قبل أن يعود البرهان ويؤكد أن حمدوك كان على دراية باللقاء، ووقتها كان الكثير من الناس يتوقع ان يتخذ صالح موقفاً، لكن ذلك لم يحدث . بالإضافة الى تصريح وزير الاعلام قبل فترة قصيرة، عندما قال إن بلاده "لا مانع لديها من الدخول في اتفاقيات للسماح للمزارعين الإثيوبيين بالزراعة داخل الأراضي السودانية، ولكن بشرط أن ننتهي أولاً من ترسيم الحدود على الأرض". هذا التصريح الذي انتشر كالنار في الهشيم وخلق جدلاً واسعاً، وجه فيه إعلاميون وسياسيون انتقادات لاذعة للوزير، الذي نفى الأمر جملة وتفصيلاً وطالب منتقديه بالعودة إلى الموقع الأصلي الذي نُشر فيه التصريحات. ولم يسلم وزير الاعلام من انتقادات زملاء المهنة، حيث لم تشفع له الزمالة في الصمت عن أدائه، حيث قال في أحد ردوده على شائعة تراجعه عن تصريحاته المتعلقة بقضية بهاء الدين: (اعتدنا علي سخافات ما يسمي بالدجاج الاليكتروني، حتي صرنا لا نأبه به، لكن ما يؤسف له أن ينحدر زملاء من الصحفيين والصحفيات لهذا الدرك السحيق، وتجدني آسفا أن أجد وراءها أسماء زملاء وزميلات لم أستطع أن أجد لهم عذرا في هذا). نفوذ الرشيد ويأخذ كثيرون على فيصل محمد صالح، المساحات الواسعة التي جعل وكيل الوزارة الرشيد سعيد يتحرك فيها، فهو "يسرح ويمرح"، في الوزارة، ويعلق على قضايا ليست من شأنه، حيث بدا واضحاً أنه الأكثر نفوذاً، الأمر الذي دفع البعض للقول إن الوزير هو الرشيد سعيد وليس فيصل، فالأول عمله في الوزارة اتسم بالمصادمة والروح الثورية، والتصريحات الساخنة التي احتفت بها الصحف اليومية، وللرشيد تصريح شهير لم يحظَ بالقبول، عندما هدد الصحف باستخدام العصا الغليظة عبر العقوبات باستخدام أسلحة الإعلان وغيرها. وفي البال معركته الشهيرة مع الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض، والتي دفعته لتقديم استقالته بسبب ما أسماهبالتدخل في عمله من قبل وزارة الإعلام.عوض قال حينها إن وزارة الإعلام تعمل على إعداد خطة لتكميم أفواه بعض الصحفوإسكات بعض الأقلام الصحافية، وأضاف:" الوزارة تريد أن تجعل من مجلس الصحافة والمطبوعات رأس الرمح في مواجهة الصحف وإسكات صوتها".مبيناً أنه رفض لعب هذا الدور وتقدم باستقالته التي أودعها مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. مطب الثقافة الثابت أن الوزارة التي يتولاها فيصل محمد صالح، ليست بالسهلة فهي تضم بجانب الإعلام، الثقافة، والتي ربما جاء اختيار الرجل خصماً عليها، لجهة أنه أقرب إلى الإعلام بعيداً عن الثقافة التي تتطلب وزيراً ابن بيئتها، وانعكس ذلك جلياً على واقع الثقافة بالبلاد، حيث لم يطرأ عليه جديد يُذكر، فالثقافة تعد من المهملات في سودان ما بعد الثورة، وليس أدل على ذلك من امتعاض قبيلة الدراميين لاهتمام فيصل بالإعلام أكثر من الثقافة، لتعلوا أصواتهم بالمطالبة بوزير ملم بالثقافة حتى يخرجها من الوهدة التي اعترتها خلال الاعوام الماضية، ومن المتوقع خلال التشكيل الوزاري المرتقب فصل الإعلام عن الثقافة لتكون هناك وزارة للثقافة والآثار والفنون، بينما من المرتقب أن تؤول وزارة الاعلام إلى الجبهة الثورية، وسرت أنباء عن ترشيح المتحدث باسم الجبهة الثورية الدكتور أحمد زكريا ليتولى المنصب خلال مرحلة مابعد السلام. إيجابيات فيصل في وقت يحفظ كثيرون لفيصل أنه لم يمضِ في طريق النظام البائد، بحجب الإعلان الحكومي عن الصحف المناوئة للثورة، حيثأصبح متاحاً لجميع الصحف، كما أن عين الرقيب لم تعد تمارس من قبل السلطات على الصحف التي أصبحت تعمل في مساحة منالحريات لا سقف لها، علاوة على عدم توقيف الكتاب الذين يشنون هجوماً على حكومة الثورة، ويحسبون من أتباع النظام البائد حيث مازالوا يعملون في صحف تُصنف بأنها معادية للحكومة ومساندة لفلول المخلوع البشير. في ذات الوقت الذي يتحفظ البعض على الخطوات التي اتخذتها لجنة إزالة التمكين بمصادرة عدد من المؤسسات الإعلامية منها صحف "السوداني" و"الرأي العام"، وقنوات "الشروق" و"طيبة"، فضلاً عن فصل موظفين بالهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وإقالة مدير قناة النيل الأزرق حسن فضل المولى،علاوة على أن الموظفين بالمؤسسات التي توقفت يجأرون بالشكوى من عدم التزام الدولة بالمرتبات واستحقاقاتهم. *إدارة الإعلام أخيراً.. الثابت أن فيصل محمد صالحكصحفي مهني لا غبار عليه لكن يبدو واضحاً أن الرجل لا يصلح كإداري حيث يفتقد للكاريزما التي تجعله يدير العمل الإعلامي بكل حنكة ودراية، ويبدو أن قوى إعلان الحرية والتغيير اتضح لها ذلك جيداً، وهي تدفعباثنين مرشحين لخلافة صالح في الوزارة المهمة، وهماحمزةبلول، وعليالأمين.