المشكلة لا تكمن فقط في ترباس كنموذج للمبدعين وإنما في الحقيقة أولا وأخيرا في فهم الجمهور لواجبات المبدع وفي تساهله مع المبدع حتى لو كان منافق كما تساهل العرب القدماء مع شعرائهم المنافقين واحتفوا بقصائدهم، فإن الجمهور يحتفى بمبدعيه المنافقين ويتجاهل مواقفهم المشينة في تأييد الطغاة ولا يجد المبدع اي عقوبة من جانب جمهوره لهذا السلوك وبالمناسبة غالبية الفنانيين والشعراء ايدوا الطغاة وغنوا لهم في حقبا عديدة وبطرق مختلفة وهذا النفاق كان مقبولا من الجميع، الطاغية يحبه ويكافيء عليه والشاعر والفنان يعتبره إبداعه الفني والجمهور يحفظه ويعتبره ايضا ابداع ويردده وهو يعلم أنه نفاق. هذا السلوك تمت ممارسته منذ قرون فمثلا كان الشاعر مهنته الوحيدة هي النفاق على الامراء ويقول شعرا جميلا في الامير وياخد العطايا حسب جودة الشعر ومزاج الامير كما كان يفعل ذلك الشاعر المتنبئ وكان يتنقل من امير الى امير يمدح هذا ويهجو ذاك ثم ينقلب عليه فجأة فكانت هي مهنته التي يسترزق منها ولم تكن الحضارة العربية وحدها في هذا التقليد، ففي العصور القديمة كان الفنانون الأوروبيون يعيشون في رعاية الحكام والأمراء كما كان يفعل المتنبي . لكن حديثا او في العصر الحديث تخلص الغرب تماما من تبعية الفنانين والمبدعين للملوك. في عام 2009 اقترح بعض (المعرضين) للقذافي بان يحسن صورته القبيحة أمام العالم، فاقترحوا عليه ينظم جائزة أدبية كبرى كمهرجان المربد الذي كان ينظمه صدام حسين وبالفعل تم الإعلان عن الفائز، فكان الكاتب الإسباني غويتيسولو الذي أعلن فورا رفضه للجائزة لأنها ضد مبادئه حيث أنها مقدمة من حاكم مستبد سفاح فهو يعلم لو قبل بالجائزة هناك جمهور لا يرحمه ,وعلى الفور تم استبداله باديب عربي فلم يرفضها بل حضر وفي تلك الليلة نظما شعرا ومديحا في الزعيم الليبي واخد الجائزة لانه يعلم ان ليس هناك جمهور يعاقبه غضب وسخط الفنان ترباس لدرجة البكاء هذا يقودنا الى مفهوم غريب جدا للمبدعين او الفنانيين يتعدى سلوك الأشخاص إلى مفهوم يجعله يفصل بين الإبداع الفني والمواقف العامة. بمعنى هو لا يرى اي عيب في مدح الانقاذ وتمجيد المستبدين طالما انه مبدع وله جمهور يتابعه ويردد غنائه. وهو حر يغني للبشير او الانقاذ فهو يفعل ما يريد . لكن فليعلم جميع المبدعين والفنانيين الموهبة الفنية مهما كانت قوية وأصيلة لا تغتفر أبدا تقاعس الفنان عن أداء واجبه في التصدى للقمع والدفاع عن حقوق الإنسان. وهو لا يرى غضاضة في مديح الطاغية ويصم اذنيه عن صراخ ضحاياه. وهم يصرخون في المعتقلات والسجون ومن القصف بطائرات الاتنوف ومن الجوع ولا يعتبر نفاقه عارا أو جريمة بل إنه في رأيه لا ينتقص من قيمته الأخلاقية. ويعتبر مديح الطاغية نوعا من المجاملة الضرورية أو وسيلة مشروعة لنيل حقوقه كفنان لذلك قال وبدون اي حرج: (النظام السابق والاخوان ما ذلانا) ولم يضع في اعتباره من ذلاهم من غالبية الجمهور الذي يحبه ويردد غنائه . وهذا لا ينفي ان هناك أدباء وفنانون قاوموا الطغيان والاستبداد ودفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم،