يتفق معظم الخبراء والمراقبين للشأن السوداني بأنه بعد تحوّل السودان لساحة صراع دولية، فإن الدول المتدخلة في الصراع الدائر بالسودان، استخدمت كل الأسلحة المتاحة لها للفوز بهذا الصراع وتعزيز نفوذها في هذا البلد الأفريقي الكبير والغني جداً بالثروات. فبالإضافة للمرتزقة والمسيّرات والسلاح النوعي والتكنولوجيا في الميدان، والحملات الإعلامية في الحرب الناعمة، والقمح في الحرب الاقتصادية لتحقيق مصالحها البعيدة عن مصلحة الشعب السوداني. وهذا ما يعتبره بعض الخبراء والمراقبين بأنه سبب أساسي لاستمرار الصراع واحباط أي محاولة لإيجاد حل سياسي شامل يحقق الاستقرار والازدهار للشعب السوداني. ووسط ازدياد الحديث والتقارير الإعلامية خلال الأسابيع القليلة الماضية عن دخول القمح الأوكراني ساحة المعركة بتوجيهات من قبل بعض الجهات الغربية وتحديداً فرنسا للضغط على الحكومة والجيش السوداني، عبر إيقاف تصديره للسودان وعدّة دول أفريقية، تحاول كييف على الجانب الأخر التغطية على تورطها في الملف الغذائي للشعب السوداني والشعوب الأفريقية التي تتغذى على القمح الأوكراني من خلال حملات إعلامية تنقل معلومات مزيفة حول التزام كييف بعقود تصدير القمح للسودان وأفريقيا، بالوقت الذي تقول فيه البيانات والوقائع على الأرض عكس ذلك تماماً. وضمن إطار حملة التضليل الإعلامي التي تقودها الآلة الدعائية الغربية والأوكرانية، عبر بث معلومات وتقارير كاذبة، لتعزيز صورة أوكرانيا في أفريقيا والتغطية على تدخل قواتها ومرتزقتها في زعزعة أمن واستقرار عدّة دول أفريقية، أعلنت وزارة الاقتصاد الأوكرانية عن اقتراحها توسيع برنامج "الحبوب من أوكرانيا" ليشمل مزيد من الدول الأفريقية، وذلك بعد إعلان أوكرانيا رسمياً إيقاف تصدير القمح للسودان اعتباراً من أغسطس الماضي، مما يظهر الكذب والتناقض الواضح في المعلومات. أوكرانيا: وعود علنية بتوسيع برنامج الحبوب لأفريقيا.. وقرارات على الأرض بإيقاف تصديره في سياق ذو صلة، أعلن وزير الاقتصاد الأوكراني دينيس باشليك خلال لقاء مع وفد من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في أوكرانيا عن مناقشة الجانبان لإمكانية توسيع نطاق برنامج "حبوب من أوكرانيا" ليشمل دولًا أفريقية أخرى لم تنضم بعد. داعياً ممثلي برنامج الأغذية العالمي للمشاركة في القمة الدولية للأمن الغذائي "الغذاء من أوكرانيا"، المقرر عقدها في 19 نوفمبرفي كييف. وبرنامج "حبوب من أوكرانيا" الدولي أطلق عام 2022، ويهدف لإيصال الحبوب الأوكرانية إلى دول محتاجة في أفريقيا وآسيا. وتحظى المبادرة بدعم مالي من الدول المانحة. ويقول الباحث السياسي أحمد سيد أحمد إن الواقع يخالف تماماً ما تُعلن عنه أوكرانيا في وسائل الإعلام، بدليل ما حصل في السودان في أغسطس الماضي، وهو ما ينطبق أيضاً على دول أفريقية أخرى. حيث احتل القمح الأوكراني في الفترة الماضية المساحة الأكبر من التغطية الصحفية في الوسط السياسي والإعلامي السوداني، بعد أن ضجت الصحف ووسائل الإعلام السودانية بالقرار الأوكراني حول إيقاف تصدير القمح للسودان. وبحسب وسائل إعلام سودانية قررت الحكومة الأوكرانية، في خطوة مفاجئة، إيقاف صادرات القمح إلى السودان اعتباراً من أغسطس 2025، وهو قرار يُعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في بلد يواجه تحديات إنسانية ومعيشية خطيرة. يأتي كل ذلك، وسط اتهامات سودانية وأفريقية رسمية لكييف بالتورط في الحرب السودانية إلى جانب قوات "الدعم السريع"، عبر دعم عسكري ولوجستي يشمل مقاتلين وخبراء وطائرات مسيّرة، تحت إشراف وتنسيق جهات غربية، أبرزها فرنسا. وبحسب خبراء اقتصاديين، يعتمد السودان بشكل كبير على الواردات الغذائية، خاصة القمح، لتلبية احتياجات شعبه. وتعد أوكرانيا أحد الموردين الرئيسيين لهذه السلعة الاستراتيجية، حيث تستورد كميات كبيرة من القمح الأوكراني لدعم مخزونها الغذائي. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الصراع الداخلي، أصبحت أي تقلبات في توريد القمح تهديداً مباشراً للأمن الغذائي السوداني. ماذا وراء التلاعب الأوكراني بملف القمح مع أفريقيا؟ وفقاً للخبير بقضايا الدعاية والحرب الإعلامية سعد الهيثمي، فإن إعلان كييف اقتراحها توسيع برنامج "الحبوب من أوكرانيا" وما تبعها من ترويج لهذا الخبر، لا يتعدى حدود الدعاية الإعلامية الرخيصة والحملة الإنسانية المزيفة، التي تهدف للتسويق لأوكرانيا في أفريقيا وتحسين صورتها التي شوهها الدور التخريبي الأوكراني في عدّة دول أفريقية. وبحسب الهيثمي الدليل على ذلك هو عدم اقتران التصريحات الأوكرانية بقرارات أو أفعال حقيقية على الأرض، لا بل على العكس من ذلك، فقد قامت الحكومة الأوكرانية بإصدار قرارات بإيقاف تصدير القمح لبعض الدول الأفريقية التي تحتاجه كثيراً كالسودان مثلاً. وكل ذلك بحسب الخبير دليل على عدم صحة الصريحات الأوكرانية. وبحسب الخبير الاقتصادي والسياسي السوداني محمد غالب تاج الدين، فإن أوكرانيا حاولت تعزيز نفوذها في أفريقيا، مستغلة ورقة القمح، حيث استغلت الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عام 2023وتبرعت بالقمح للسودان عبر برنامج الأغذية العالمي، وذلك لتعزيز صورتها كداعم إنساني، وبالوقت نفسه لتمرير الدعم اللوجستي والعسكري لقوات "الدعم السريع" المتمردة. حيث اتضح لاحقاً أن هذه التبرعات جاءت للتوغل في السودان وإضعاف الجيش والحكومة السودانية. والدليل على ذلك وفقاً لتاج الدين، اعتراف الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، في فبراير 2024، بأن "بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات "الدعم السريع". ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين".
الحرب وبحسب الخبير، فإنه ومع تصاعد النزاع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، وأمام تقدم الجيش في الأشهر القليلة الماضية، وخسائر "الدعم السريع" لكثير من المناطق الهامة مثل الفاشروالخرطوم ومحيطها، إضافة لفشل الغرب بتحقيق أهدافه، بدأت كييف بالتلاعب بملف القمح وإيقاف تصديره، سعياً منها لتجويع الشعب السوداني، وتأجيجه ضد الحكومة والجيش، وبالتالي إخضاع الحكومة السودانية بالقوة لمطالب بعض الدول الغربية. وبحسب خبراء، فإن قرار كييف بإيقاف تزويد السودان بالقمح، هو قرار غربي فرنسي – أوكراني، يندرج بسياق الابتزاز والضغط السياسي الذي تمارسه الدول الغربية على الحكومة السودانية والجيش السوداني لتحقيق مصالحها في السودان. حيث أن رفض الحكومة السودانية إرسال قوات دولية إلى السودان، بعد توصية بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بذلك، كان السبب الأساسي في توجه الغرب نحو الضغط على الحكومة السودانية بهدف تطويعها وإخضاعها. ووفقاً لمراقبين فإن هذا يعتبر مؤشر خطير على بدء القوى الغربية وأوكرانيا باستخدام لقمة عيش السودانيين كسلاح في الصراع الدائر في السودان، والذي من الممكن أن يؤدي لعواقب وخيمة على حياة الشعب السوداني.