مصر تتهم إثيوبيا باتباع "نهج عشوائي" بإدارة وتشغيل سد النهضة    تواصل تسجيلات اللاعبين لأندية الإنتساب بحلفا    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    الموردة تكسب امير في افتتاحية مشوارها بدوري الأبيض    (صمود) يرحّب بتصريحات ترامب بشأن اعتزامه تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية    دقلو يعلن هدنة إنسانية لثلاثة أشهر بآلية مراقبة دولية    المريخ يواجه كييفو سبورت في أولى مبارياته بالدوري الرواندي    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    فيما نشكرُ بن سلمان وترامب: أمريكا، روسيا قد دنا عذابُها    الأخوان المسلمين: ليست فوبيا وانما مخطط.    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    شاهد بالصورة.. تمثال "حميدتي" بدارفور يتعرض لسخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان    شاهد بالصورة.. القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تضع الفنانة هدى عربي مكان "البرهان" في قاعدة التمثال المثير وتقول: (الوحيدة اللي تستاهل وبعرف مليون واحد ممكن يجي يحج عديل أمام تمثالها)    شاهد بالفيديو.. البرهان: (كيف تبقى الإمارات وسيط بالرباعية وكل العالم يشهد على دعمها للمتمردين وأستغرب من شائعة سيطرة الأخوان المسلمين على الجيش والحكومة)    لأول مرة منذ 12 ألف عام.. بركان ثائر في إثيوبيا    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    شاهد بالصور والفيديو.. "حنة" عريس سوداني تثير تفاعلاً واسعاً على السوشيال ميديا وشقيقة العريس تخطف الأضواء    شاهد بالفيديو.. أقسم بالمصحف على صدق المعلومة.. الناشط عثمان ذو النون يفجر مفاجأة كبيرة ويشعل النيران وسط "الدعامة": كيكل اشترى كمية كبيرة من الأسلحة من القائد الميداني للدعم السريع "السافنا"    لا يوجد خصم سهل... وسانت لوبوبو ليس نزهة**    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تمنع الرجال من الصعود للمسرح لمنحها "النقطة" وأحدهم يسقط على الأرض بعد محاولته الوصول إليها    شاهد بالفيديو.. اللاعب بلة جابر: (هيثم مصطفى دخل في خلافات مع مدرب المنتخب الوطني بسبب "الثلج" وعندما عرف قيمته وأهميته بعد سنوات أصبح يشتريه من ماله الخاص)    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    فينيسيوس يسير عكس ريال مدريد    شاهد بالصور.. المقرئ السوداني الشهير "شيخ الزين" يثير تفاعلاً إسفيرياً واسعاً بعد ظهوره بإطلالة شبابية ب"الجينز" والجمهور: (أنيق تبارك الله ما يسحروك وأعمل حسابك واتحصن من عين البنات)    من عامل يومية بسيط إلى رجل أعمال بثروة تقدر ب 7 مليار دولار.. قصة بداية رجل الأعمال والبر والإحسان أزهري المبارك صاحب مخيمات اللاجئين بالولاية الشمالية تثير تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    لاعبو ليفربول "يفسدون" احتفال صلاح بليلته التاريخية    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودانيون في "قلب القاهرة".. حكايات تنبض بالحب
نشر في الراكوبة يوم 30 - 01 - 2021

على مقربة من ميدان الأوبرا وسط العاصمة المصرية، حركة دؤوبة تجري، وصياح بائعين وزبائن، يتناهى إلى السمع بلهجات جنوبية، فملامح الوجوه هنا تطغى عليها ملامح أهل السودان المألوفة، في حياة كاملة يعيشها أهل الجنوب في حارة الصوفي وسط القاهرة.
div id="firstBodyDiv" class="body-div-for-inread" data-bind-html-content-type="article" data-bind-html-compile="article.body" data-first-article-body="pstrong/strongوبالانعطاف يمينا من بداية شارع عبد الخالق ثروت من اتجاه ميدان الأوبرا، يجد الزائر نفسه في "a href="https://www.skynewsarabia.com/keyword-search?keyword=%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A&contentId=1411655"حارة الصوفي/a" تحيطه وجوه سمراء، بينما تتواجد كل الأنشطة الحياتية المرتبطة بأهل الجنوب؛ مطاعم، ومقاهي تُقدم "الجَبَنَة" السوداني، حتى صالونات الحلاقة ومحلات الملابس تقليدية، موجودة هنا./p pوفي هذه الحارة يتواجد عدد كبير من الأفارقة من جنسيات مختلفة، على رأسهم: سودانيين، وإثيوبيين، وإريتريين؛ إذ تعتبر حارة الصوفي مُلتقى يجتذب "أهل الجنوب" الموجودين في a href="https://www.skynewsarabia.com/keyword-search?keyword=%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9&contentId=1411655"القاهرة/a، سواء للعمل، أو السياحة، أو من يتخذوا مصر محطة انتقال نحو الشمال./p p class="mceNonEditable"sna reftype="image_set" refid="1411651"/sna/p pstrongجَبَنَة سوداني/strong/p pمن بعيد وقبل أن تدخل إلى المقهى، يتسلل إلى أذنيك صوت الفنان السوداني محمود عبد العزيز، معشوق أبناء الجنوب؛ حيث يخبرك صوته أنك ستعيش ملحمة غنائية جنوبية، مُشبعة بالبخور الحبشي، والقهوة السوداني، التي تُعدها سلوى./p pوفي زاوية بمقدمة المقهى، تجلس سلوى، وهي سيدة سودانية بشوشة، لها اسم ثانٍ، هو "أبراهيت" منحته لها والدتها الإرترية، وإلى جانبها مبخرة، وبحركات سريعة ومتتابعة، تشي عن خبرة طويلة في هذه المهنة، تصنع سلوى "جَبَنَة بالدوا"، كما تجهز بسرعة لافتة شاي سوداني بالحبهان والقرنفل./p pوتقول سلوى لموقع سكاي نيوز عربية إنها جاءت إلى مصر في عام 2012 وتعمل في هذا المقهى منذ عام 2014؛ وتشير إلى أن أغلب الزبائن الذين يأتون إليها سودانيين، وحبش(إثيوبيين)، وإرتريين، وعدد بسيط من المصريين./psna relatedids="1411645,1411525" reftype="articleGroup"/sna pوعندما طلبنا منها أن توضح معنى "جَبَنَة بالدوا" التي تعدها للزبائن، تقول سلوى ضاحكة كلمة "جَبَنَة" تعني القهوة السوداني، أما "بالدوا" فهو إضافة "تحويجة" مثل الحبهان، الجنزبيل أو القرنفل، مؤكدة أن تناول هذه المشروبات يفتقد روحه بدون حضور البخور أثناء إعدادها، "هذه طقوسنا وعادتنا، لازم الجَبَنَة مع البخور"/p pوتتابع: "هناك أنواع عديدة من البخور، مثل الجاولي، العدني، عودية، ونور حجازي، ويتم جلبها من الحبشة، وليس من السودان، حيث تتشابه عادتنا في إعداد القهوة"./p pلا زلنا في أحد المقاهي؛ حيث التقينا بمحمد سيد، وهو شاب مصري يعمل في مقهى يُقدم مشروبات سودانية ومصرية على السواء، ويكشف كواليس عمل المقاهي في حارة الصوفي، فيقول: "في البداية كثير من المقاهي هنا كانت تقدم المشروبات المعتادة في مصر، لكن مع وجود عدد كبير من مرتادي المنطقة من الأفارقة، أصبحت المشروبات الأساسية سودانية، وتحولت أكثر الأنشطة التجارية من مطاعم ومحلات ملابس إلى خدمة أهل الجنوب"./p p class="mceNonEditable"sna reftype="image_set" refid="1411648"/sna/p pويضيف الشاب المصري لموقع سكاي نيوز عربية، إن السودانيين يفضلون تناول القهوة التي تعدها السيدات، موضحًا أن هذه هي عاداتهم، لذلك تجد في كل مقهى سيدة سودانية أو إثيوبية هي المسؤولة عن تقديم المشروبات للزبائن الأفارقة./p pstrongموائد الجنوب/strong/p pمن المقاهي إلى موائد الجنوب العامرة في مطعم السودان المجاور؛ حيث تُقدم وجبات سودانية شهية تعكس ثقافة طعام مميزة بالبهارات، لكن اللافت عندما دخلنا إلى المطعم، وجدنا شاب مصري، يدير حوارًا بلهجة سودانية أصيلة، ويروي محمد شحاتة، مدير المطعم قصته مع الطعام السوداني في مصر؛ حيث أن مسقط رأسه محافظة المنيا جنوبي مصر./p pويقول شحاتة لموقع سكاي نيوز عربية، إن عدد كبير من أفراد عائلته عملوا في مطعم الخرطوم، وهو أول مطعم سوداني اُفتتح في القاهرة منتصف الثمانينيات، لافتًا إلى أنه بدأ العمل في هذا المجال بداية من عام 2005، ولا يمكنك أن تميز بين لهجة محمد شحاتة وأي زائر سوداني، فهو يجيد اللهجة السودانية، إلى الدرجة التي تجعل بعض السودانيين يختلفوا على جنسيته، على حد قوله./p pويوضح الشاب المصري، أشهر الأطباق السودانية، وعلى رأسها طبق "الشية"، الذي يتكون من قطع لحم صغيرة مكعبة الشكل، ويضاف إليها التوابل السودانية المعروفة، ويشير إلى أن سيد المائدة هو "الكسرى"، وهو العيش السوداني، ويؤكل معه "الويكا"، وهي عبارة عن "الباميا" ولها أنواع عدة، وهناك الفاصوليا أيضًا./p p class="mceNonEditable"sna reftype="image_set" refid="1411649"/sna/p pويضيف: "من الأطباق الرئيسية الكمونية، وفي شهر رمضان المعظم، يتسيد طبق العصيدة المائدة السودانية"، ويلفت إلى أن البهارات أكثر ما يميز الطعام السوداني، وأشهرها: الحبهان، القرفة الناعمة والخشنة، والشمار (الكمون)، الفلفل الأسود، والكزبرة./p pوبحسب مدير المطعم، فأغلب العاملين معه إريتريين، لافتًا إلى أن هذا المطعم تم افتتاحه منذ عام 2007، ويملكه مصري، وعن جنسيات الزائرين، يقول شحاتة إن أغلبهم من السودان وجنوب السودان، ويأتي أيضًا إرتريين، وإثيوبيين، وأحيانًا تشاديين./p pstrongالحلم بأضواء القاهرة/strong/p pعبد الرحمن الطريف، شاب سوداني، يعيش في القاهرة، ويعمل في مهنة الحلاقة بحارة الصوفي، لكن حلمه في القاهرة يبعد بمسافات طويلة عن هذه المهنة، فهو فنان، وعضو بنقابة المهن الموسيقية في السودان، ويحلم بالأضواء والنجاح في مجال الفن./p p class="mceNonEditable"sna reftype="image_set" refid="1411650"/sna/p pويروي عبد الرحمن، قصته لموقع سكاي نيوز عربية، فيقول إنه جاء للقاهرة قبل تسع سنوات، بدافع محبته لمصر، كما أراد أن يرى الدنيا من خلالها، لافتًا إلى أنه لا يستطيع البقاء في السودان أكثر من شهرين، ثم يعود بعدها مجددا إلى مصر./p pوعن طبيعة عمله يوضح الشاب السوداني أنه يعمل في مهنة الحلاقة أثناء النهار، لكنه مطرب بالأساس وعضو نقابة المهن الموسيقية والتمثيلية بالسودان، وبعد أن يقضي نهاره في مهنة الحلاقة، يعمل خلال الليل في إحياء الحفلات السودانية في القاهرة./p pstrongالبحث عن حياة جديدة/strong/p pإلى جانب عبد الرحمن، هناك عشرات الوجوه السمراء الباسمة التي يصادفها الزائر أثناء جولته في حارة الصوفي، من بينهم حسب الدائم، الذي جاء إلى القاهرة في رحلة علاج قبل ثلاث أعوام، واستقر بعدها في القاهرة./p pويقول حسب الدائم ابن "أم درمان" لموقع سكاي نيوز عربية، إن السودان كان يمر بمرحلة صعبة، وفرص العمل قليلة، موضحًا أنه جاء في رحلة علاج عام 2018، ثم وجد أن الحياة في مصر جيدة، وبها متسع للعمل، خاصة هنا في حارة الصوفي، فقرر الاستقرار حيث يجتمع أبناء الجنوب./p pعبد الرحمن التوم، شاب سوداني آخر جاء إلى مصر منذ ثماني سنوات، يناديه رفاقه ب "ابن شبرا"، وهو التعبير الذي يطلقه المصريين على "أولاد البلد"؛ نظرًا للإلمام الواسع بتفاصيل الحياة اليومية في القاهرة؛ إذ استقر أول الأمر في منطقة شبرا الخيمة شمالي العاصمة المصرية./p pويقول التوم لموقع سكاي نيوز عربية، إنه قضى نحو عام ونصف في منطقة شبرا الخيمة، ثم استقر في مدينة الغردقة ثلاث سنوات، لكنه شعر بالغربة هناك، نظرًا لأنه كان السوداني الوحيد في محل سكنه بالمدينة السياحية، ثم استقر في الأخير في بالقاهرة، "هنا الأخوة والأهل، حتى أنني ألتقي ناس منطقتنا في السودان هنا في وسط البلد"./p pلم تنته حكايات أهل الجنوب، بلقاء موقع سكاي نيوز عربية مواطنين سودانيين، فكثير من الحكايات لا تزال مخبئة في صدور أبناء جنسيات إفريقية أخرى، يرفضون الحديث للإعلام، خاصة الإرتريين والإثيوبيين،/p pوبعد التقصّي، اكتشفنا أن لديهم محاذير اجتماعية كثيرة، من بينها؛ الخشية من أن يراهم ذويهم يعملون في مهن شاقة في بلد أجنبي، بحسب ما عبرت سيدة إثيوبية لسكاي نيوز عربية، ورفضت التحدث أو حتى الظهور في صورة، إضافة إلى أن بعضهم لديه مشاكل في بلده الأم ويقيم في القاهرة بشكل مؤقت، انتظارًا لفرصة تمنحه مفتاح الهجرة إلى الشمال./p"
وبالانعطاف يمينا من بداية شارع عبد الخالق ثروت من اتجاه ميدان الأوبرا، يجد الزائر نفسه في "حارة الصوفي" تحيطه وجوه سمراء، بينما تتواجد كل الأنشطة الحياتية المرتبطة بأهل الجنوب؛ مطاعم، ومقاهي تُقدم "الجَبَنَة" السوداني، حتى صالونات الحلاقة ومحلات الملابس تقليدية، موجودة هنا.
وفي هذه الحارة يتواجد عدد كبير من الأفارقة من جنسيات مختلفة، على رأسهم: سودانيين، وإثيوبيين، وإريتريين؛ إذ تعتبر حارة الصوفي مُلتقى يجتذب "أهل الجنوب" الموجودين في القاهرة، سواء للعمل، أو السياحة، أو من يتخذوا مصر محطة انتقال نحو الشمال.
جَبَنَة سوداني
من بعيد وقبل أن تدخل إلى المقهى، يتسلل إلى أذنيك صوت الفنان السوداني محمود عبد العزيز، معشوق أبناء الجنوب؛ حيث يخبرك صوته أنك ستعيش ملحمة غنائية جنوبية، مُشبعة بالبخور الحبشي، والقهوة السوداني، التي تُعدها سلوى.
وفي زاوية بمقدمة المقهى، تجلس سلوى، وهي سيدة سودانية بشوشة، لها اسم ثانٍ، هو "أبراهيت" منحته لها والدتها الإرترية، وإلى جانبها مبخرة، وبحركات سريعة ومتتابعة، تشي عن خبرة طويلة في هذه المهنة، تصنع سلوى "جَبَنَة بالدوا"، كما تجهز بسرعة لافتة شاي سوداني بالحبهان والقرنفل.
وتقول سلوى لموقع سكاي نيوز عربية إنها جاءت إلى مصر في عام 2012 وتعمل في هذا المقهى منذ عام 2014؛ وتشير إلى أن أغلب الزبائن الذين يأتون إليها سودانيين، وحبش(إثيوبيين)، وإرتريين، وعدد بسيط من المصريين.
وعندما طلبنا منها أن توضح معنى "جَبَنَة بالدوا" التي تعدها للزبائن، تقول سلوى ضاحكة كلمة "جَبَنَة" تعني القهوة السوداني، أما "بالدوا" فهو إضافة "تحويجة" مثل الحبهان، الجنزبيل أو القرنفل، مؤكدة أن تناول هذه المشروبات يفتقد روحه بدون حضور البخور أثناء إعدادها، "هذه طقوسنا وعادتنا، لازم الجَبَنَة مع البخور"
وتتابع: "هناك أنواع عديدة من البخور، مثل الجاولي، العدني، عودية، ونور حجازي، ويتم جلبها من الحبشة، وليس من السودان، حيث تتشابه عادتنا في إعداد القهوة".
لا زلنا في أحد المقاهي؛ حيث التقينا بمحمد سيد، وهو شاب مصري يعمل في مقهى يُقدم مشروبات سودانية ومصرية على السواء، ويكشف كواليس عمل المقاهي في حارة الصوفي، فيقول: "في البداية كثير من المقاهي هنا كانت تقدم المشروبات المعتادة في مصر، لكن مع وجود عدد كبير من مرتادي المنطقة من الأفارقة، أصبحت المشروبات الأساسية سودانية، وتحولت أكثر الأنشطة التجارية من مطاعم ومحلات ملابس إلى خدمة أهل الجنوب".
سلوى تقدم الحلوى والمشروبات الجنوبية
ويضيف الشاب المصري لموقع سكاي نيوز عربية، إن السودانيين يفضلون تناول القهوة التي تعدها السيدات، موضحًا أن هذه هي عاداتهم، لذلك تجد في كل مقهى سيدة سودانية أو إثيوبية هي المسؤولة عن تقديم المشروبات للزبائن الأفارقة.
موائد الجنوب
من المقاهي إلى موائد الجنوب العامرة في مطعم السودان المجاور؛ حيث تُقدم وجبات سودانية شهية تعكس ثقافة طعام مميزة بالبهارات، لكن اللافت عندما دخلنا إلى المطعم، وجدنا شاب مصري، يدير حوارًا بلهجة سودانية أصيلة، ويروي محمد شحاتة، مدير المطعم قصته مع الطعام السوداني في مصر؛ حيث أن مسقط رأسه محافظة المنيا جنوبي مصر.
ويقول شحاتة لموقع سكاي نيوز عربية، إن عدد كبير من أفراد عائلته عملوا في مطعم الخرطوم، وهو أول مطعم سوداني اُفتتح في القاهرة منتصف الثمانينيات، لافتًا إلى أنه بدأ العمل في هذا المجال بداية من عام 2005، ولا يمكنك أن تميز بين لهجة محمد شحاتة وأي زائر سوداني، فهو يجيد اللهجة السودانية، إلى الدرجة التي تجعل بعض السودانيين يختلفوا على جنسيته، على حد قوله.
ويوضح الشاب المصري، أشهر الأطباق السودانية، وعلى رأسها طبق "الشية"، الذي يتكون من قطع لحم صغيرة مكعبة الشكل، ويضاف إليها التوابل السودانية المعروفة، ويشير إلى أن سيد المائدة هو "الكسرى"، وهو العيش السوداني، ويؤكل معه "الويكا"، وهي عبارة عن "الباميا" ولها أنواع عدة، وهناك الفاصوليا أيضًا.
الشاي السوداني
ويضيف: "من الأطباق الرئيسية الكمونية، وفي شهر رمضان المعظم، يتسيد طبق العصيدة المائدة السودانية"، ويلفت إلى أن البهارات أكثر ما يميز الطعام السوداني، وأشهرها: الحبهان، القرفة الناعمة والخشنة، والشمار (الكمون)، الفلفل الأسود، والكزبرة.
وبحسب مدير المطعم، فأغلب العاملين معه إريتريين، لافتًا إلى أن هذا المطعم تم افتتاحه منذ عام 2007، ويملكه مصري، وعن جنسيات الزائرين، يقول شحاتة إن أغلبهم من السودان وجنوب السودان، ويأتي أيضًا إرتريين، وإثيوبيين، وأحيانًا تشاديين.
الحلم بأضواء القاهرة
عبد الرحمن الطريف، شاب سوداني، يعيش في القاهرة، ويعمل في مهنة الحلاقة بحارة الصوفي، لكن حلمه في القاهرة يبعد بمسافات طويلة عن هذه المهنة، فهو فنان، وعضو بنقابة المهن الموسيقية في السودان، ويحلم بالأضواء والنجاح في مجال الفن.
الشاب السوداني عبد الرحمن الطريف
ويروي عبد الرحمن، قصته لموقع سكاي نيوز عربية، فيقول إنه جاء للقاهرة قبل تسع سنوات، بدافع محبته لمصر، كما أراد أن يرى الدنيا من خلالها، لافتًا إلى أنه لا يستطيع البقاء في السودان أكثر من شهرين، ثم يعود بعدها مجددا إلى مصر.
وعن طبيعة عمله يوضح الشاب السوداني أنه يعمل في مهنة الحلاقة أثناء النهار، لكنه مطرب بالأساس وعضو نقابة المهن الموسيقية والتمثيلية بالسودان، وبعد أن يقضي نهاره في مهنة الحلاقة، يعمل خلال الليل في إحياء الحفلات السودانية في القاهرة.
البحث عن حياة جديدة
إلى جانب عبد الرحمن، هناك عشرات الوجوه السمراء الباسمة التي يصادفها الزائر أثناء جولته في حارة الصوفي، من بينهم حسب الدائم، الذي جاء إلى القاهرة في رحلة علاج قبل ثلاث أعوام، واستقر بعدها في القاهرة.
ويقول حسب الدائم ابن "أم درمان" لموقع سكاي نيوز عربية، إن السودان كان يمر بمرحلة صعبة، وفرص العمل قليلة، موضحًا أنه جاء في رحلة علاج عام 2018، ثم وجد أن الحياة في مصر جيدة، وبها متسع للعمل، خاصة هنا في حارة الصوفي، فقرر الاستقرار حيث يجتمع أبناء الجنوب.
عبد الرحمن التوم، شاب سوداني آخر جاء إلى مصر منذ ثماني سنوات، يناديه رفاقه ب "ابن شبرا"، وهو التعبير الذي يطلقه المصريين على "أولاد البلد"؛ نظرًا للإلمام الواسع بتفاصيل الحياة اليومية في القاهرة؛ إذ استقر أول الأمر في منطقة شبرا الخيمة شمالي العاصمة المصرية.
ويقول التوم لموقع سكاي نيوز عربية، إنه قضى نحو عام ونصف في منطقة شبرا الخيمة، ثم استقر في مدينة الغردقة ثلاث سنوات، لكنه شعر بالغربة هناك، نظرًا لأنه كان السوداني الوحيد في محل سكنه بالمدينة السياحية، ثم استقر في الأخير في بالقاهرة، "هنا الأخوة والأهل، حتى أنني ألتقي ناس منطقتنا في السودان هنا في وسط البلد".
لم تنته حكايات أهل الجنوب، بلقاء موقع سكاي نيوز عربية مواطنين سودانيين، فكثير من الحكايات لا تزال مخبئة في صدور أبناء جنسيات إفريقية أخرى، يرفضون الحديث للإعلام، خاصة الإرتريين والإثيوبيين،
وبعد التقصّي، اكتشفنا أن لديهم محاذير اجتماعية كثيرة، من بينها؛ الخشية من أن يراهم ذويهم يعملون في مهن شاقة في بلد أجنبي، بحسب ما عبرت سيدة إثيوبية لسكاي نيوز عربية، ورفضت التحدث أو حتى الظهور في صورة، إضافة إلى أن بعضهم لديه مشاكل في بلده الأم ويقيم في القاهرة بشكل مؤقت، انتظارًا لفرصة تمنحه مفتاح الهجرة إلى الشمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.