تتجه أنظار السودانيين إلى الحكومة الجديدة عقب أدائها اليمين الدستورية يوم الأربعاء الماضي، والتي تأمل في انجلاء الأزمة الاقتصادية التي دفعت بالأوضاع المعيشية إلى مأزق صعب. ولم تتوقف المظاهرات الاحتجاجية على تردي الوضع الاقتصادي طيلة العام الماضي، في مدن عدة داخل ولايتي شمال وغرب كردفان (جنوب) وولايات شمال وشرق وجنوب دارفور (غرب) والقضارف وبورتسودان (شرق). لذا، يتصدر الاقتصاد قائمة التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء، عبد الله حمدوك، ضمن تحديات أخرى من بينها تنفيذ اتفاقية السلام وتكوين المجلس التشريعي والبرلمان. مرحلة انتقالية ويوم الإثنين الماضي، أعلن رئيس الوزراء السوداني عن تشكيل حكومة جديدة من 26 وزيراً لتدير شؤون البلاد ضمن مرحلة انتقالية، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وائتلاف قوى إعلان «الحرية والتغيير» بدأت في 21 أغسطس/آب الماضي، وتستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024. ويعاني السودان من أزمات متجددة تشمل شُحٍ شديد في إمدادات الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، إلى جانب تدهور مستمر في قيمة عملته الوطنية (الجنيه) وصعود مُطَّرد في معدلات التضخم بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ويسجل سعر صرف الجنيه مستويات متدنية في السوق غير الرسمية (السوداء) حيث يبلغ 400 جنيه للدولار الواحد مقابل 55 جنيهاً في السوق الرسمية. وارتفع معدل التضخم لشهر ديسمبر/كانون الأول إلى 269.33 في المئة مقابل 254.34 في المئة في نوفمبر/تشرين الثاني السابق له. وكشف حمدوك، في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه التشكيلة الوزارية الجديدة، أن خطة الحكومة الجديدة ترتكز على 5 محاور، في مقدمتها علاج الأزمة الاقتصادية من خلال برامج محكمة تستند على الاستثمار الخارجي في مجملها. فيما تعهد وزير المالية الجديد، جبريل إبراهيم، في أول تصريح له بتوفير السلع الأساسية والقضاء على طوابير انتظار شراء الخبز والتزود بالوقود، وتوفير الأدوية المنقذة للحياة بسأعر مقدور عليها. من جهته يرى الصادق حاج علي، عضو «اتحاد أصحاب العمل السوداني» أن التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة لا تختلف عن التحديات التي قابلت الحكومة السابقة. وأضاف في مقابلة أن العجز الكبير في ميازنية العام الجاري وعجز الميزان التجاري وتراجع قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم المستمرة، هي أبرز ما ستواجهه الحكومة الجديدة. وبلغت قيمة الصادرات السودانية في 2020 نحو 3.61 مليار دولار مقابل 7.81 مليار للواردات، ليبلغ العجز في الميزان التجاري 4.2 مليار دولار، حسب إحصائيات وزارة المالية السودانية. وفي النصف الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي، أجازت الحكومة السودانية ميزانية العام 2021 بعجز كلي بلغ 4.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى حاج علي أن تدهور قيمة الجنيه السوداني إلى مستويات غير مسبوقة خلال الأسبوعيين الماضيين يعتبر أكبر التحديات التي ستواجه حكومة حمدوك الجديدة. ويضيف «التدهور المستمر في قيمة الجنيه السوداني أثر بشكل مباشر في معدلات التضخم والمستوى العام لأسعار السلع الأساسية». ويؤيد الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي ما ذهب إليه حاج علي من تحديات، ويضيف عليها تحدي تسرب موارد السودان إلى الخارج بفعل التهريب، خاصة تهريب الذهب والمحاصيل الزراعية، وفي مقدمتها الصمغ العربي والسمسم والكركديه. وقال في مقابلة أن الحكومة الجديدة تأتي في ظروف بالغة التعقيد، خاصة في المجال الاقتصادي مما يجعل مسؤوليتها معقدة لعدم وجود حلول على الأفق. وأضاف «ليس للحكومة الجديدة أي مقومات لإيقاف التدهور المستمر في قيمة الجنيه السوداني في ظل الظروف الراهنة.. هذه الأوضاع المعيشية الصعبة ستظل قائمة ولا توجد حلول على المدى القريب». غير أن الصادق حاج علي يرى أن هنالك فرصا إيجابية يمكن أن تستفيد منها الحكومة الجديدة، ويقول «على الرغم من الصورة القاتمة الموجودة الآن، فهناك فرص لتحسين هذه الصورة أمام الحكومة الجديدة من خلال عدة مقومات، في مقدمتها قرار إزالة اسم من قائمة الدول الراعية للإرهاب». وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي دخل قرار إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيز التنفيذ، بعد أن تم التوقيع عليه من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أكتوبر /تشرين الأول. إيجابيات في الشهور المقبلة وتدرج الولاياتالمتحدة منذ عام 1993، السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ويرى حاج علي أن «الشهور المقبلة ستظهر إيجابيات إزالة اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، عبر الاستفادة من مبادرات التمويل والحصول على إعفاء من الديون الخارجية» التي تبلغ 60 مليار دولار حسب أحدث الإحصائيات الحكومية. أما المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي فيرى في المستوى المنخفض لمعيشة المواطنين التحدي الأعظم الذي يواجهه الحكومة الجديدة، في ظل الارتفاع الحاد المستمر في الأسعار، وعدم استقرار الوضع اقتصادي وغموض آفاقه. ويشير إلى غياب المواد الخام اللازمية للصناعة والزراعة، وعدم استقرار العملة وعدم توفر التيار الكهربائي، ويقول «هذه أبرز تحديات أمام الحكومة الجديدة في مجال العملية الإنتاجية».