إبن عمي حمدان رجل مهووس بحب المنقة، و رغم أن دخله ضئيل إلا أنه يأكل وجبة و يفط وجبة ليشتري المنقة، و أحياناً يأكل و جبة و يفط اتنين. عندما يذهب الناس في الصباح لستات الشاي ليعدلوا مزاجهم يذهب هو لبائع المنقة، يلقي عليها نظرة حب عميقة و يحاول أن يملأ رئتيه من رائحتها ثم ينطلق كالسهم بركشته للبحث عن رزقه على أمل العودة مساءاً لشرائها. و هو في حقيقة أمره رجل بتاع شغل و (كسّيب) يعمل 14 و أحياناً 16 ساعة في اليوم دون توقف، (ون جو)، يرسل المصاريف لأولاده في البلد و يترك القليل لنفسه حق وجبتين و ربع دستة منقة، أو حق وجبة واحدة و ربع دستة منقة ، أو حق تلاتة رغيفات و ربع دستة منقة، وهكذا حسب حال السوق…. يأكل منقة واحدة في الصباح على الريق و واحدة الضهر و واحدة قبل النوم، كأنها مضاد حيوي. جاء يوماً ليشتري المعلوم فدار بينه و بين البائع الحديث التالي: حمدان: يا ابن العم دستة المنقة بي كم؟ البائع: بي كدا حمدان: ليه يا خوي حأبيع جلدا؟ (هو في حقيقته لا يبيع الجلد و لكنه يأكله). البائع : يا أخينا … دا ما وكت نكات… اشتري و لا غور. حمدان: بس امبارح كانت بي أقل من كدا. البائع: كلامك صحيح بس الليلة الدولار طالع. حمدان: يعني منقتك مستوردة؟ البائع : لا و الله محلية … وارد كسلا. حمدان بغضب: طيب كسلا مالا و مال الدولار؟ البائع: يا ابن العم ما تكتر حجتك معاي، دا السعر عجبك عجبك، ما عجبك أختاني، و بعدين و الله إنت وشك دا ما وش منقة، أمشي شوف ليك دوم و لا لالوب. في ذلك الوقت كان يقف قريباً منهما شاب في مقتبل العمر يحمل شنطة خلف ظهره، يوحي مظهره بأن طالب جامعي، (و لو ما أخاف الكضب أقول بدرس في كلية الاقتصاد)، و عندما رأي حمدان غاضباً تدخل في الأمر و بدأ يشرح له و يبرر موقف بائع المنفة: يا شاب إذا كان الزول دا ببيع منقة بي ألف جنيه، و بيشتري لحمة بي ميتين و طماطم بي مية و بصل بي مية و رغيف بي ميتين وزيت بي ميتين عشان يغدي أولاده، و بركب بي مية و بوفر مية، فإذا الرغيف زاد عشرة جنيه و اللحمة زادت عشرين جنية و الزيت زاد عشرة جنيه، فكيف أخونا دا يقدر يغدي أولاده نفس الغداء و يركب بي مية و يوفر مية لو ما باع المنقة بي الف و أربعين جنيه؟ كان كلام الشاب – الذي صدق حدسي فيه أنه طالب جامعي بيدرس إقتصاد – منطقي جداً، و لكن حب حمدان للمنقة جعله يرفضه، بل أنه تحرش به لفظياً و قال له بحدة وهو يسوق ركشته بسرعة (إنت الحشرك شنو)؟ و لم يترك للطالب فرصة للرد بعد أن (عكل) دخان عادم الركشة في وجهه. فكر حمدان في أن يستعيض عن المنقة بالدوم، كما أوصاه بائع المنقة بعد أن عدل المراية و تمعن في وجهه جيداً ليتأكد من أنه وش منقة أم لا، ثم توقف عند أحد الباعة و سأله بغيظ: يا الاخو… دستة الدوم بي كم بالله. البائع : بي كدا. حمدان: ياخي و الله قبل اسبوع اشترتها بي نص سعرك دا. البائع: قبل اسبوع الدولار كان بي كم و الليلة بي كم؟ حمدان: و الدوم دا مستورد عشان تقول لي سعر الدولار كان بي كم؟ البائع: يا الحبيب … دا السعر بتاعي، عجبك عجبك، ما عجبك أختاني كدا و لا كدا. دفع حمدان ركشته بعنف بعد أن (عكل) دخانها في وجه البائع، و بدأ يسترجع ما قاله طالب الإقتصاد … و يفكر فيه، و في الطريق مر على بائع اللالوب. : يا ابن العم كيس اللالوب دا بي كم؟ البائع: بي مية. حمدان: اتقضل… دفع المية و أخد الكيس دون جدال، و بدأ يكلم نفسه: الدولار قبل إسبوع بي كم و الليلة بي كم … وشك دا ما وش منقة.. أمشي شوف ليك دوم و لا لالوب.