صدر في مارس آذار من العام 2009 مذكرة توقيف بحق الرئيس المخلوع عمر البشير ورفاقه بعد إرتكابهم لجرائم حرب، التهجير القسري والإبادة الجماعية في دارفور، إلا أنه رفض تسليم نفسه وزملاءه للعدالة الدولية ورفض الإعتراف بالمحكمة وزلوا هاربين من العدالة وأصبحوا مطاردين حتى سقط نظامهم الدكتاتوري بثورة شعبية سلمية بات تضرب بها الأمثال في كل أرجاء المعمورة، وتم التحفظ عليهم في مكان آمن من قبل لجنتهم الأمنية التي أذاع البيان الأول على حد قولهم، وبعد فترة من المراوغة أثناء تسليم السلطة لحكومة مدنية إكتشفت للجنته الأمنية أنه يحوز أموال طائلة من النقد الأجنبي والمحلي في منزله وكان يخطط للعودة إلى السلطة مما أجبرهم إلى إتخاذ قرار إيداعه السجن المحلي "كوبر". وبعد مماطلة إستمرت عدة أشهر توصل طرفي الصراع إلى إتفاق سياسي ولكن لم تشمل الإتفاق كل أطراف النزاع في السودان ولكن بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين ووثيقة إتفاق جوبا للسلام في السودان التي تنص على تسليم كافة المتهمين المطلوبين لدى العدالة الدولية. وبالرغم من تنفيذ بعض بنود إتفاق سلام جوبا الموقعة بين الحكومة السودانية وتحالف الجبهة الثورية السودانية المعارضة، إلا إن تسليم المتهمين للعدالة بات من الأمور الشائكة بين المكون المدني والعسكري في السلطة ومناقشة قضية تسلم المخلوع ورفاقه أصبحت تعتبر خيانة للعسكر رغم موافقتهم المبدئية في الإتفاق. وبشأن قضية المخلوع في متنصف أكتوبر من العام الماضي زار وفد المحكمة الجنائية الدولية البلاد برئاسة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا للتباحث بشأن تسليم المطلوبين، ولكنها لم يصلوا إلى أي نتيجة بشأن إصرار العسكر والنيابة العامة في البلاد بمحاكمة المتهمين داخل السودان بعد فراغهم من تكوين المحكمة الدستورية ومحاكمة رموز النظام المباد بتهم تتعلق الفساد المالي والإداري، وإصرارهم أيضًا على محاكمتهم داخل البلاد بشأن أمور تتعلق بسيادتهم ويصفونه بالمهينة لشرفهم ولمكانتهم الإجتماعية. يالرغم من مطالب المحكمة بتسليم الهاربين من العدالة وإصرار الضحايا بمحاكمة كافة المجرمين، زار وفد المحكمة الجنائية الدولية البلاد في مطلع هذا الشهر وجرت تباحثان بشأن مصير الهاربين من العدالة إلا أن المكون العسكري تضغط على النيابة العامة أن تنظر وتناقش قضية المتهم الثالث المقبوض عليه في إفريقيا الوسطى منذ بداية العام الماضي هو علي محمد عبدالرحمن "علي كوشيب" ، إلا أن النيابة العامة عقد توقيع كممثل لحكومة السودان مذكرة تفاهم مع مبعوثي المحكمة الجنائية الدولية بشأن محاكمة علي كوشيب. وبالرغم من أن الطرفين لم ينشروا مذكرة التفاهم، والشخص الذي تم التوقيع على مذكرة تفاهم بأمره هو الآن عند قبضة المحكمة ومن الأصح ترك أمره للعدالة ومناقشة أمر الهاربين. وهذا يؤكد للجميع بأن السلطات لاتريد تسليم المخلوع وباقي رفاقه للمحكمة مما يزيد من قلق الضحايا وشعورهم باليأس وعدم جدية الحكومة الحالية بإنزال إتفاق جوبا لأرض الواقع مما يهدد بنسف الإتفاق المبرم بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح. وبالرغم من أن المخلوع قد حكم عليه في محكمة محلية بإيداعه في مؤسسة إصلاح إجتماعي لمدة عامين ومصادرة أمواله المخصصة لتداول النقد الأجنبي التي كانت بحوزته، إلا أن هذه المحاكمة يرأها الضحايا غير منصفة بحقهم ويشعرون بعدم الرضى بقرارات هذه المحاكم. والآن تجري محاكمات داخلية للمخلوع وبعض رفاقه الإسلاميين بتهمة تدبير إنقلاب ينيو 1989 وتقويض النظام الدستوري في البلاد حينها، ولكن يرى مراقبون بأن هذه المحاكمات سياسية لتصفية الخصوم السياسية بطرق كيدية. ويبقى السؤال هنا هل يمكن أن يتنازل عسكر اللجنة الأمنية عن جنرالهم الخلوع ويسلمونه لمحكمة الجنايات الدولية، وما مصير إتفاق جوبا إن لم يسلم المتهمين للعدالة. ولكن في المقابل نرى أن الضائقة المعيشية والخراب المفتعل من قبل النظام المقبور التي يشهدها البلاد ماهي إلا أحلامهم بأن جنرالهم المخلوع يمكن أن يخرج من السجن ويذهب إلى القصر بتقاعس لجنته الأمنية، لذا إذا أردنا ضمان عدم عودته لعرش السلطة وقطع الطريق أمام المتربصين بثورتنا والمتخاذلين يجب تسليم المخلوع وكل رفاقه المتهمين فورًا إلى محكمة الجنايات الدولية اليوم قبل الغد.