من منظور ثالث لأزمة وزيرة خارجية السودان التي نبعت من أداءها في المؤتمر الصحفي الذي عقدته خلال زيارتها للقاهرة هذه الأيام . وبالنظر لتلك الأزمة التي أقامت الأرض واقعدتها في السودان ومن زاوية ثالثة تختلف من بين ممتعض لأداء الوزيرة في ذلك المؤتمر ومؤيد لأدائها رأيت أن أنقل الموضوع لبعد آخر متعلق بالعلاقة المتأرجحة بين البلدين الشقيقين اللذان من الممكن أن ينقلا شعبيهما لرفاهية في العيش إن أحسنا تخطي حواجز ذلك التأرجح الذي يمكن تجاوزه لو بعدت مصر الرسمية من ملف العلاقة بين الشعبين الذي لم تجيد التعامل معه تاريخياً خصوصاً في فترات الحكم العسكري الديكتاتوري في السودان حيث يرى السودانيين أن مصر الرسمية بتأيدها ووقوفها مع الأنظمة العسكرية في السودان تضر بتطلع شعوب السودان لحل مشاكلها فتزيد من دمار السودان، فماذا لو ترك المجال للتلاقح الثقافي الموجود أصلاً ولايحتاج لكثير عناء ليفتح المجال لأطر التعاون والتآخي الأخرى لتسير علاقات البلدين بماينفع الشعبين بلا عناء او تعقيد وبأقل التكاليف. في تشريحي هذا للأزمة أجد إن حديث الوزيرة (المنصورة) بالأمس في المؤتمر الصحفي بالقاهرة قد خرج عاكساً لحالة ذهنية معبرة عن إنبهار بما حدث من طفرة غير مسبوقة في النهضة حدثت في مصر خلال العشرة سنوات الماضية لاتخطأها العين المجردة مقروء مع الدمار والتخلف الذي وقع على السودان عبر سنوات سلطة الإسلاميين والعسكر فحديث المنصورة كان كالذي يفكر بصوت عالي كما ظهر في إجاباتها للصحفيين وكأنما كان المتحدث هو عقلها الباطن . كما إن حديثها لايخلو أيضاً من متلازمة الإحساس بالدونية ذلك الذي لمسته عند كثير من السودانيين نحو المصريين خلال مشاهداتي عبر سنوات إقامتي بمصر ومتابعاتي لمنصات التواصل الإجتماعي من جهة المعلقين السودانيين وكذلك المصريين متى ماطفت على السطح شائبة لاتستحق الشطط الذي يثار بين الطرفين بل ينحدر الى أسفل انواع الخصام والإساءة والتجريح أحياناً ويتمدد أحياناً كثيرة للتراشق الإعلامي الجارح والمؤلم خصوصاً من إعلاميين موجهين في البلدين . مرات كثيرة يخرج الإحساس بالدونية عند السودانيين نحو مصر عند تعبيرهم بالحسرة والأسى على بلادهم التي لم تبلغ مقام مصر في تطورها وحداثتها ولتباعد مسافات الزمن في البلدين والذي ينعكس في حديثهم عن الوفرة في أسواق مصر وجودة الخدمات وسهولة الحياة فيها ، بمافي ذلك قطاع المواصلات وامداد الكهرباء والماء بلا إنقطاع والطفرة البائنة في البنية التحتية بمجملها على نطاق مصر بكاملها، وكذلك لحب المصريين لبلادهم ووفائهم لبلادهم الذي خلق عند الإنسان المصري العادي إحساساً بالتفوق والتباهي بمصر يتبرع بإظهاره متى ما سنحت له الفرصة. الذي يجب ذكره إن الملاحظ أن المصريين يحاولون إخفاء احساسهم بالتفوق نحو السودانيين ماإستطاعوا بإبداء بعض التظارف الذي يسيئ السودانيين فهمه ربما لإختلاف الطباع والنهج التربوي الذي جبل عليه الإنسان السوداني مما أورثه بعضاً من الجفاف العاطفي الملاحظ في الشخصية السودانية بتحفظها في التعبير عما يدور بأحساسيها الإجتماعية والوطنية الى حد ما . وإن كان لابد لي من ذكر ان المصريين يتبعون نمطاً خاصاً في إسلوب التعامل مع السودانيين يختلف عن إسلوب تعاملهم مع بقية الوافدين لمصر من بقية الدول العربية ذلك الذي يمكن وصفه بالإحترام والثقة تقريباً للصورة، على الرغم من أنني لم أنفذ بعد لأسباب تلك الخصوصية في التعامل نحو السودانيين في دواخل النفسية المصرية ؛ أهو تعبير عن إخوة صادقة وإحساس بالمشتركات المتعددة بين شعبي البلدين أم هو ناتج عن تكبر وإعتزاز في الذات المصرية وجدت في سذاجة وتخلف الإنسان السوداني مرفأً آمناً لعنجهية متخفية في دواخل الإنسان المصري نحو السودانيين … ولكن كيف وتعداد السودانيين في القاهرة وحدها يتجاوز النصف مليون نفس على أقل تقدير جاؤوا لمصر طائعين مختارين منهم الذين حملوا مدخرات عمرهم ووضعوها في إستثمار عقاري وإستثمار نقدي في البنوك المصرية ومشاريع أعمال تجارية وصناعية شكلت رافداً معتبراً للنقد الأجنبي بألإقتصاد المصري !!! ومنهم من وجد ملاذاً آمناً قدمته مصر للسودانيين عند الإحن! لا أرى حلاً لأزمة العلاقات المصرية السودانية المتأرجحة دوماً إلا بالجلوس الحُر بعيداً عن السلطات وأجواء التسلط في البلدين وتدخلها ليكون ذلك الجلوس في الهواء الطلق تحت ضوء شمس بلا غيوم في شكل لقاءات لحوار في مؤتمرات مستمرة بلا إنقطاع للمفكرين والكتاب والمبدعين وكل قطاعات المهنيين المختلفة وتنظيمات المرأة والشباب والطلاب من البلدين لإيجاد أفق حلول لمشاكل عالقة وحساسة لن تحل سلطوياً بل إلا بوضعها في أطر حقيقية لعلاقة مستدامة تخدم الشعبين الشقيقين لايعكر صفوها مغامرات الإنقلابيين من العسكريين ولا هنات السياسيين والإعلاميين من هنا ومن هناك. أحمد مخير القاهرة في مارس 2021