بدأت تلوح في الأفق بوادر أمل لمعالجة ديون السودان الخارجية التي ورثتها الدولة من النظام السابق، وظلت تشكل هاجساً بعد أن تراكمت وتجاوزت ال (60) مليار دولار، في وقت يرى خبراء اقتصاديون أن أصل الدين لا يتجاوز ال (20) مليار دولار، وأكثر من (40) مليار دولار من المتبقي عبارة عن فوائد. وقال البنك الدولي في تقرير إحصائيات الديون الدولية للعام 2018، إن نسبة المتأخرات تبلغ (85%) من هذه الديون، وتضم قائمة دائني السودان مؤسسات متعددة الأطراف بنسبة (15%)، ونادي باريس (37%) و(36%) لأطراف أخرى، بجانب (14%) للقطاع الخاص. ومنذ إعلان أمريكا رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب العام الماضي؛ برزت اهتمامات دولية لمساعدة السودان ودعم اقتصاده المتهالك بسبب المواقف السياسة السابقة التي ساهمت كثيراً في تراجع الاقتصاد، وتأثرت مؤشراته كثيراً بسبب أن السودان طوال العهد البائد ظل بعيداً عن المساعدات الدولية والإقليمية، وجاءت جائحة (كورونا) لتؤخر المساعدات التي تعهدت بها مؤسسات دولية وإقليمية، وكان للزيارات التي قام بها وفد البنك الدولي ومدير الخزانة الأمريكية أثر طيب، وتعهدوا بتقديم المساعدات اللازمة فيما يتعلق بديون السودان الخارجية. فيما أكد وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، أثناء زياراته مطلع العام الجاري لأول مرة للسودان قيام الإدارة الأمريكية بالعمل مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس والسودان لتصفية متأخراته في المؤسسات المالية الدولية, ومساعدته على تخفيض أعباء ديونه عام 2021. والأسبوع الماضي، تعهد رئيس بنك التنمية الأفريقي، أكينومي أديسينا، في الاجتماع الافتراضي فوق العادة السابع لمجلس محافظي البنك الأفريقي للتنمية، والذي عُقد الأسبوع الماضي، دعم البنك لمعالجة ديون السودان مع جميع الأطراف، حيث تتطلع الحكومة الانتقالية إلى إعفاء ديون البلاد عبر مبادرة (الهيبك). بدوره، دعا وزير المالية، د. جبريل إبراهيم، البنك الأفريقي للتنمية لتقديم الدعم اللازم للسودان لمعالجة ديونه الخارجية وتسوية متأخراته، والوصول إلى مرحلة اتخاذ القرار والدخول في مبادرة (الهيبك) لإعفاء الديون. وفي نهاية فبراير الماضي، أكد رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في رسالة للحكومة السودانية، في تصريحات لوزراء مالية مجموعة العشرين، أنه يتوقع تسوية سريعة لمتأخرات البنك الدولي المستحقة على السودان، مبدياً أمله في إحراز تقدم سريع صوب قرار بالإعفاء من الدين، واعتبر أن ما تم من إصلاحات اقتصادية في السودان خطوات رئيسية نحو إطلاق مبادرة تخفيض ديون البلدان المثقلة بالديون، ونوه إلى أن المجموعة تعمل مع صندوق النقد الدولي لإيجاد طرق لتسهيل تخفيف عبء الديون عن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسات الدولية للتنمية. وأكدت وزيرة المالية السابقة، هبة محمد علي، في حديث سابق، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستمنح البنك الدولي قرضاً مؤقتاً بقيمة مليار دولار للمساعدة في سداد متأخرات ديون السودان المستحقة للبنك، ما يفتح الباب أمام تمويل الاقتصاد السوداني المتعثر، وستتيح الخطوة للسودان استعادة القدرة على الحصول على تمويل من مؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي. وبحسب وزيرة المالية السابقة، فإن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية يمكن أن يسمح له الحصول على (1.5) مليار دولار سنوياً مساعدات تنموية من مبادرة دعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون. وأكدت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في يناير المنصرم، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت، أن الصندوق يعمل بتركيز مع السودان لوضع الشروط المسبقة لإعفائه من ديونه بشكل واسع، منوهة إلى أن الصندوق سيجري في مارس تقييماً للتقدم في برنامج يراقبه خبراؤه، وتأمل أن يقدم بأسرع وقت ممكن إلى الدول الأعضاء حجة قوية بشأن السودان للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون حتى يتمكن من العودة للاندماج في المجتمع الدولي. ويقول الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير، ل (مداميك)، إن السودان صار مؤهلاً للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك)، ليستفيد من القروض المقدمة من مؤسسات التمويل الدولية والبنوك العالمية، لافتاً إلى أن الإعفاء من الديون سيكون من مؤسسات، وبنوك ودول خارج نطاق الصندوق. ويرى أنه آن الأوان لإعفاء السودان من ديونه الخارجية، لأنه حسب شهادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، صار مؤهلاً للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (الهيبك). وقام السودان بإصلاحات اقتصادية تنفيذاً لبرنامج صندوق النقد الدولي، من رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وتوحيد سعر الصرف، وغيرها من الإصلاحات القاسية التي تضرر منها ذوو الدخل المحدود والشرائح الفقيرة، ويؤكد خبراء اقتصاديون أنه لابد لمؤسسات التمويل الدولية الإيفاء بوعودها لمساعدة السودان في تخفيف عبء الديون، ليتمكن من الانفتاح على العالم الخارجي، ويستفيد من المنح والقروض لإصلاح اقتصاده.