كان أحمد عمر الرُّباطابي، نسّابة وصاحب دُعابة، وشاعراً ومُلحناً لجميع أغانيه التي لم توثّق الإذاعة السودانية إلا القليل منها، إلى جانب أشهر أعماله، وهو شعار برنامج ربوع السودان.. ولد الرُّباطابي في ريفي أبو هشيم وعلّم نفسه بنفسه وكانت له عادة أن يكتب مذكراته اليومية، ويقال إنّه خلّف عدة كراسات بخط يده، تحكي الكثير عن حياته ومشاهده في الحياة.. ليت أهله يخرجون تلك المُذكرات للناس، لأنها تحوي الكثير من ألق السودان الجميل. كان إنساناً اجتماعياً، ما بيتلوّم مع زول – كراعو طويلة – لا يشغله شاغل عن المواجبة مشياً على الأقدام، أو راكباً حماره الأبيض الشهير، أو مسافراً باللّوري أو بالقطار. كان الناس يدعونه إلى الحفلات كفنان، وك(وَدْ بلد) يعطر الليالي بأسلوبه الشّجي في الغِناء، وهو مفطور على الإبداع (طوّالي الفرح في بالو).. يُحكى أنّه ركِبَ مع أحد الرّواويس في المركِب قاصِداً بيت عزاء في الضّفة الأُخرى من النيل، وكان روّاسي المركب قطيماً بخيلاً، لا يعرف يسمع، ولا يعرف كيف يتكلّم، وفوق ذلك اشترط على أحمد عمر الرُّباطابي أن يعود مُسرِعاً إلى الشاطئ إن أراد الرجوع بالمركب إلى أهله قبل الزوال.. لهذا دخل الرباطابي عجولاً بالفاتحة الجماعية، ومُعتذِراً لناس البكا، بأنّه حيرجع طوّالي، فوق دربو.. لكن ناس البِكا مسكوا فيهو عشان يقعُدْ ويستَجِم ويستطعِم، بينما كان يتملّص منهم ويقول: يا جماعة أقعدْ كيفِن، وإنتو جايبين ليكم ريِّس، لا بِيِتْنعّلْ لا بْيِتْشَكّرْ! عن دابّته – حِماره – يُقال إنّه وصل إلى بيت من بيوت الأعراس، وخشي إهمال أهل العرس لدابته في الصّقيعة، لذلك دعا أهل المُناسبة إلى الاهتمام بحِماره وربطه في محل قشّ أخضر، أو علفه بالبرسيم أو الورتّاب، مع الاحتفاظ بالسرج والبردعة واللِّجام. وأثناء الحفل، مرّ أمامه الشاب الذي تعهّد بكِلافة الزّاملة، فناداه الرباطابي وسأله: آآ جنّا، الحُمار جيّهتو؟ قال الشّاب: بِالْحيلْ جيّهتو.. ردمْتَ ليهو التّبِنْ، وختيت ليهو صفيحة موية قِدّامو.. ردّ عليه عمك أحمد ببديهة لا تضْهَب عن سياقها: وما أديتو مَعاهِنْ مَحّارة، عشان يَبلِّط ليكم بُيوتكم المّشقّقّات ديل؟ وفي تجسيده لملاحة الرّباطابي وردوده المُفحِمة، تُحكى للراحل حِكاية مع بعض قيادات (الطبعة الأولى) لنظام الإنقاذ.. في تلك الأيام الكالحة، زاره بعض هؤلاء، الذين هبطوا من السماء.. دخلوا عليه بكل (جخْ وجخيخ) فوجدوه متوعِّكاً، كأن العافية قد سرقته منذ سماعه لدقّة المزّيكة. نهض يستقبلهم مثل كل الضّيوف فبدا إعياءه، وأراد أحدهم أن يتظارف معه في السؤال: يا عم أحمدْ، كفّارة يا زول، مالك بقيت عيّان كَدي، أوعا يكون جَاك سُكّري؟ ردّ أحمد عُمر الرباطابي على الإنقاذي الذي كانت أرواح العالمين رهينة بين يديه: هه، يجيني سُكّري؟! أنا السُكّري ما جَاني وكِت كان متكّل في البلد بالشوّالات، يجيني في زمنكم دا، وإنتو بتقسموهو في التموين؟.