وكالة الأنباء الكورية يونهاب بين اليقظة والأحلام وأنا أغالب سهدي وغلبي يوم أمس وعقارب الساعة تشير إلى الرابعة صباحا أراود النوم الذي (فر مني وطار) واستعصم بالبعد عني أدرت التلفاز على قناة السودان فوجدت نفسي أمام مؤتمر صحفي ورجل (ملء هدومه) هادئ واثق يتحدث بحديث علمي مرتب ونبرات ملؤها التفاؤل مدعما حديثه بالأرقام والشواهد دون تدليس أو شطحات أو تنميق وتزييف ، وحينها أدركت فقط أننا (سنعبر) بل أننا (عابرون) ولو بعد حين، بعد أن كنت أظن كل الظن أن كلمة (سنعبر) ما هي إلا شعار أجوف للتخدير و(سراب بقيعة) نحسبه ماء وبعد أن كنت آثرت الصمت ونذرت صوما عن الكتابة في السياسة ، فهذا الرجل الذي كان ممسكا بزمام الحديث وفمه (ينقط سكر) عرفت من سياق المؤتمر أنه وزير الاستثمار الدكتور الهادي محمد إبراهيم فالرجل شخٌص الداء العضال للواقع الاقتصادي السوداني وأبان مرارة الدواء من إجراءات توحيد سعر الصرف ورفع الدعم الذي نلعقه علقما الآن ونعيشه واقعا معاشا ونجأر من وطأته وآثاره وانعكاساته، إلا أن الرجل في الوقت نفسه هدانا إلى النور في نهاية هذا النفق المظلم وإلى قبس مضيء في عتمة هذه الدياجير . فهاهو يبشرنا بأن هناك سبع مذكرات تفاهم لمشاريع استثمارية بضخامة السودان وطول نيله موضوعة الآن على منضدته قيد الدراسة والتمحيص، وها هو يبشرنا الآن بأن نحو ثماني دول أعلنت عن رغبتها في إعفاء ديونها على السودان ودول أخرى تغازلنا الآن وتراودنا للإعلان عن إعفاء ديونها ، وها هو الرجل يكشف لنا عن غفلتنا حينما تمسكنا بمقاطعة إسرائيل تجاريا وكنا الدولة الوحيدة مع سوريا المتمسكة بذلك وبقية الدول العربية تتعامل تحت جنح الليل وتعربد معها ، وطفق الرجل يبين لنا مساوئ وكوارث هذا العناد في المقاطعة على اقتصادنا وتعاملاتنا التجارية مع دول العالم ثم تحدث الرجل وأفاض عن أملنا ورجانا ومبتدانا في منتدى باريس الاقتصادي لدعم السودان والذي من المنتظر أن يستطيع السودان من خلاله مجددا الحصول على قروض أو منح لتنفيذ مشروعات اقتصادية بجانب تأهيله للسودان للاندماج في المنظومة الدولية وتوفير الفرص لجذب المستثمرين إلى الأرض الموعودة المعطاءة أرض الخير. ففي زمان ولى ومضى كانت الغواني السودانيات يتغنين (يا الماشي لباريس…. جيب ليك معاك عريس… شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس) ولما كانت باريس قبلة الحالمين والفنانين والأدباء على مر العصور، هاهي باريس تبرز الآن لتمثل منعطفا مهما وجوهريا في نهضة السودان نيمم إليها وجوهنا جميعا وتشرئب لها قلوبنا ونعلق آمالا عراض على منتداها الاقتصادي الذي يتهيأ لاحتضان ثلة من الدول والمستثمرين ومن يديرون دفة الأمور في السودان وحق لنا الآن أن نغني مجددا للماشي لي باريس.