القصة الأجمل التي لم يكتبها الاديب الكبير عيسى الحلو كانت عن رحلته المدهشة مع الحياة، ومجالدته ظروفها وهو يرعى اطفالا فقدوا والدتهم ويقوم بكل الأعباء ويوزع زمنه بين المنزل والعمل، ومع ذلك ينتج القصص والكتابات البديعة ويمشى باحباره بين الصحف مفتتحا السكك والدروب لعشرات الأقلام الناهضة، ودليلا على نصاعة الثقافة وخصوصيتها، ومحيلا اياها بالدأب والأصرار لملفات تنضح بالحياة في كل الصحف التي عمل بها وامتص سحرها واسحارها. زاملت الأستاذ المبجل لثلاث سنوات بصحيفة الراي العام كان هادئا كنسيم الصباح، حفيا بالناس وعميق المحبة لهم، ورقيق الحاشية لمن هم دونه سنا وخبرة في بلاط صاحبة الجلالة، وهو من هو في مضمار الثقافة والأدب ونجمها الزاهر ومكتشف نجومها، وابا واخا أكبر وصديقا تفيض محبته وملاحظاته الثاقبة بروح المحبة والإشفاق والحرص، ومثقف رفيع الطراز وحكاء عظيم لا يمل جليسه، فهو سادن عصور التوهج في عالم الصحافة والمحابر. لقد مضى عيسى الحلو لربه راضيا مرضيا، متوجا بالمحبة التي زرعها ورعاها طوال حياته، وباخلاق القديسين والصالحين في صبره واصطباره وحسن تقبله للحياة بحلوها ومرها، وبقدرته التي لا تنفد على مواجهة حيلها واحابيلها، وقال ما أراد، وكانت حياته الباذخة هي القصة الأجمل.. والتي لم تكتب بعد ولكنها ستكتب في سفر الخلود والأماجد من البشر. وداعا يا وجهنا المرئي الجميل وايها الإنسان النبيل.. طبت حيا وميتا وفي الخالدين، ونسأل الله لك مغفرة ورحمة وجنة عرضها السموات والأرض مستقرا لروحك الودودة المسالمة ولكسبك وجهدك المتفاني وفي كل قلم يسيل رعيته وفي كل ذهن يتقد ويتفتح لك صدقة جارية.. فما أعظم زرعك وما أجل سقياك.