في وقتنا الراهن أجمع علماء الاجتماع على أن الشيوعية و النازية و الفاشية و الحركات الاسلامية ما هي إلا بقايا أفكار القرون الوسطى التي تأبى أن تزول بل تحاول معاودة الكرة من جديد لبعث فكرة الدولة الارادة الالهية في وقت قد أصبحت فيه البشرية تتهيى الى فكرة الدولة الحقوق. و الذي يضاعف الجهد لدينا في السودان بأن النخب السودانية لم تكن على مستوى نخب الشعوب الحية ورثة عقل الأنوار في قدرتها على المقاربات الفكرية التي تحتاج لغوص عميق في ميادين الفكر لكي تأتي من قلب النسيان بأفكار فلاسفة و مفكريين قد أصبت أفكارهم حجر رأس الزاوية الذي لم يرفضه العقل مثالا على ذلك فقد أحتدم النقاش بين الاقتصاديين الفلاسفة كما يحلو للبعض تسميتهم أمثال فردريك هايك و ريموند أرون منذ عام 1938. و هذا يصادف عندنا بداية تجمعات ما يعرف أعضاء مؤتمر الخريجيين و لم يكون ذلك الخلاف نتاج لحظته بل عند ريمون أرون كانت أفكاره مؤسسة على جهوده الفكرية الرامية لتأسيس فلسفة التاريخ الحديثة منذ عام 1930 و أفكار هايك كانت ترتكز على نقض فكر العشرية التي أعقبت الكساد الاقتصادي العظيم لذلك جاءت أفكاره في كتابه الطريق الى العبودية فيما بعد محاولا فيها رفض أي فكرة تؤدي الى التدخل الحكومي و يعتبرها لا تختلف عن الشيوعية و الفاشية و النازية و هذا يصادف فكرة التدخل الحكومي قلب نظرية جون ماينرد كينز التي قد أوقفت اليد الخفية لأدم اسمث و رفضت اليد الحديدية للماركسية و رغم كل ذلك لم يسلم كينز من أن يوصف بأنه شيوعي مندس يريد تحطيم الرأسمالية من الداخل. المهم في الأمر ما أريد أن أنبه له بأن ريموند أرون كليبرالي تختلف ليبراليته عن النيوليبرالية التي يتزعمها فردريك حايك لأن ليبرالية ريموند أرون ترتكز على الحرية السياسية في وقت تتمركز أفكار فردريك حايك على الحرية الاقتصادية و اذا جال بخاطرك أيهما متقدم في سلم الأهمية الحرية السياسية أم الحرية الاقتصادية فقطعا تأتيك الاجابة من أن مراكز البحوث قد توصلت الى أن الحرية السياسية قد أصبحت في مستوى الشرط الانساني و هنا قد انتصرت لفكر ريموند أرون على حساب فكر هايك و فكرة الحرية الاقتصادية بل قد وصل بعض المفكريين في نقد فكر هايك و قد وصف بأنه ماركس اليميني و من ضمنهم ريموند أرون حيث يرى في وضع فردريك حايك للحرية الاقتصادية سابقة على الحرية الفردية و الحرية السياسية تجعله في مقام واحد مع ماركس بل يمكنك أن تصفه أي فردريك حايك بأنه ماركس اليميني و ما النيوليبرالية غير ماركسية يمينية. و ينتقد ريموند أرون أفكار فردريك هايك التي ترى في أن الاقتصاد غير محايد بل هو المسؤول عن تحديد أقدار الانسان و هنا يتطابق فردريك هايك كليا مع ماركس الذي يرى أن الاقتصاد غير محايد فهل وضحت لك فكرة أن النيوليبرالية التي قد وصلت لأزمتها الاقتصادية أنها ماركسية يمينية لا تختلف عن ماركسية ماركس؟ فمنذ عام 1941 كان ريموند أرون يرى خلاف ما يفتكره فردريك هايك أي ينبغي أن يكون هناك تدخل جزئ للحكومة على المدى الطويل كما تقول النظرية الكينزية. ما أريد أن انبه له النخب بأن أفكار الاقتصادين الفلاسفة كانت قبل قيام أحزابنا السودانية و نحن نكرر دائما بأن أحزابنا السودانية قامت على فكر أزمة لم تكن النخب السودانية أيام مؤتمر الخريجيين على مستواها و للأسف قد استمرت النخب السودانية في فكرها المأزوم و ها نحن نرى حتى اليوم بأن أكبر مثقفي السودان ما زالوا يؤمنون بأن الشيوعية ما زالت أفق لا يمكن تجاوزه و هذا وضع فكري محزن للغاية فمسألة اصرار النخب السودانية على أن الشيوعية ما زالت أفق لا يمكن تجاوزه يمكننا جعلها أكبر مؤشر على كساد النخب السودانية بغض النظر عن أن فلان أو علان من النخب السودانية ما زال يعتقد في فكرة انتهاء الصراع الطبقي و انتهاء التاريخ وسوف تكون النسخة الشيوعية السودانية صحيحة عشان سواد عيونه. المهم في الأمر علينا الرجوع الى عنوان المقال نجد فردريك هايك يرى حسب رأي توكفيل في الديمقراطية بأن ليبراليته أي فردريك هايك تتفادى اهانة و رفض العقل و يقول بأن الاشتراكية هي الطريق المعبد الى العبودية و أن طريق الحرية هو طريق الليبرالية المهجور و لكن تختلف ليبراليته عن ليبرالية ريموند أرون بأن الأول تقوم ليبراليته عن الحرية الاقتصادية و الثاني على الحرية السياسية و قد أصبحت اليوم ما يمكنك أن تقول عنه تجسيد مفهوم الشرط الانساني. المهم في الأمر قد رأينا بعد أربعة عقود من انطلاق أفكار كل من فردريك هايك و ريموند أرون بأن تاتشر و ريغان قد طبقا فكر النيوليبرالية و بعد ثلاثة عقود من تطبيقه قد وصل الى أزمة النيوليبرالية و قد كانت النتيجة انتخاب الشعبوي ترامب كعقاب للنخب في فشلها أما في بريطانيا فقد كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و هذا الجزء يوضح لك أيهما كان على حق فردريك هايك أم ريموند أرون و فكرة الشرط الانساني؟ لاحظ أن فردريك هايك قد انطلق من الديمقراطية الامريكية لتوكفيل مثل ما انطلق ريموند أرون و لكن لاحظ لماذا فشلت فكرة نيوليبرالية هايك و قد استمرت ليبرالية أرون التي قد جعلت من علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك و هنا يمكنك أن تقول ليس كل من يقراء يمكنه بأن يضمن بأن أغلب قرأته صحيحة بل أن قراءة ماركس نفسه للثورة الفرنسية كانت قراءة مشوّهة لذلك نجد أن ريموند أرون يقول أن فلسفة التاريخ الحديثة لا تبتدي إلا برفضنا للهيغلية و الماركسية و قد أصبحتا منبع الفكر اللاهوتي الغائي الديني. في الختام لايمكن أن أن نتحدث عن نيوليبرالية هايك و ليبرالية ريموند أرون و لا نمر على فكرة ريموند أرون بأن المجتمع الغربي كمجتمع صناعي في أوروبا الغربية كان لا يختلف عن الاتحاد السوفيتي كمجتمع صناعي و لكن الاختلاف كان في اختيار الحرية السياسية و نجاح أفكار الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية بعد أن أيقنت بأن مسيرة الانسان تراجيدية و مأساوية بلا قصد و لا معنى و منفتحة على اللا نهاية بعكس أفكار الفكر الشمولي الذي يحاول تقديم الحلول النهائية كما رأينا الحركات الاسلامية عندنا في السودان و النسخ المتحجرة من الأيدولوجيات. فليبرالية ريموند أرون قد وضعت علم الاجتماع في صميم الديالكتيك و منفتحة على اللا نهاية بلا قصد و لا معنى و هنا اذا حاولنا متابعة المقال نجده سينفتح على فكرة العقلانية التي تؤسس المجتمعات على البعد الاخلاقي بعيد عن أي فكر لاهوتي ديني غائي و خاصة و نحن نعاني في السودان من هيمنة الفكر الديني سواء كان دين بشري متجسد في نسخة الشيوعية السودانية أو أحزاب اللجؤ الى الغيب كالحركات الاسلامية و أحزاب الطائفية و السلفيين و قد سدوا الأفق لكي يحولوا بيننا و بين بزوغ شمس الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و نسوا بأن أوروبا الشرقية بعد طول ليل الشيوعية الظالم قد وضحت لهم الرؤية و نضجت الفكرة و قد فارقوا ليل الشمولية الظالم كما فارق الشعب السوداني متقدم على نخبه ليل نظام الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية بعد ثلاثة عقود حالكة الظلام. على أي حال في ظل نخب كاسدة قد تقدم عليها الشعب منتصر في ثورة كثورة ديسمبر ليس من السهولة بأن تفكر أي النخب في الحرية السياسية كشرط انساني و قد عاشوا سنين طويلة داخل سلطة الأب و ميراث التسلط في أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و السلفيين و النسخة الشيوعية السودانية و لكن وجب علينا أن نردد دوما بأن طريق الحرية هو طريق الليبرالية السياسية و الاقتصادية و طريق العبودية هو طريق أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية و السلفيين و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية التي لم تبارح أفكار أربعينيات القرن المنصرم. في ظل أحزاب اللجؤ الى الغيب و أحزاب الايدولوجيات المتحجرة كحالنا في السودان سوف تتأخر فكرة معادلة الحرية و العدالة و التي سوف تؤسس لفكرة الفرد و العقل و الحرية و لكنها سوف تأتي سواء كانت نتاج فكر و عمل واعي للنخب أو بسبب تقدم البشرية لأننا في السودان لم نعش في جزيرة معزولة عن العالم. ففكرة الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد قادمة و لا يمكن تحقيقها بغير الفكر الليبرالي بشقية السياسي و الاقتصادي و كل من يحاول تأخيرها سواء بأصراره على أحزاب اللجؤ الى الغيب أو أحزاب الطائفية و السلفيين و الاسلاميين و كذلك أتباع الايدولوجية المتحجرة فلينتظروا مكانهم مما سيلحقهم من غضب الشعب السوداني صاحب السلطة و صاحب السيادة و الشعب هو القادر على التغيير و لييست النخب الواهمة و لا القادة و لا المفكريين الشعب هو القادر على التغيير و لا يوجد حزب طائفي أكبر من الشعب و لا أيدولوجية متحجرة واهمة بأن حزبها أكبر من الشعب صاحب السلطة و صاحب السيادة و القادر على التغيير و كل من يؤخر مسيرة التغيير فلينتظر مكانه سيكون حاله في غياهب السجون كحال البشير.