في حوارية حاشدة، بمسرح جامعة النيلين بالخرطوم، أمس الاثنين، الذي امتلأ عن آخره وفاض، دافعت الأستاذة أسماء محمود طه عن أفكار الأستاذ محمود محمد طه ورؤية الفكر الجمهوري أمام د. حيدر إبراهيم علي، الذي ربط الفكر الجمهوري بالتصوف وبشخصية محمود محمد طه نفسه، وقال إن الجمهوريين لم يطوروا أفكاراً منذ ستينيات القرن الماضي، وإنهم بحاجة لتجديد أطروحة في متن الفكرة نفسها. وقال حيدر، الذي كان يتكلم في ندوة نظمها نادي الفلسفة السوداني بالاشتراك مع مركز أبحاث ودراسات الديمقراطية والمجال العام، أدارها د. مجدي عز الدين، الذي أبان أن الحوارية جاءت بطلب من الأستاذة أسماء طه لاستكمال حوار بينها والدكتور حيدر. وجاءت الحوارية تحت عنوان: "هل هناك حاجة لتجديد الفكر الديني ولماذا؟ الفكر الجمهوري نموذجاً"؛ قال حيدر إن الفكرة الجمهورية لا تاريخية وغير عقلانية، وتساءل: "كيف تتحقق في الواقع اقتصادياً وسياسياً"، وطلب أن تتمثل عقلانية ابن رشد والغزالي في التراث الديني. وحاججت أسماء أن الفكرة تنطلق من قضايا معاصرة في الديمقراطية وحقوق الفرد المطلقة، في الحرية والعدالة الاجتماعية الشاملة، مرتكزة على القرآن في نسخته المكية المُرجأة ومن أقوال النبي محمد (ص)، وأن الدين أساسه بشري، لكنه في ذات الوقت مرتبط بأسباب السماء. وأضافت أن لحزبها رؤية شاملة لمسألة الحكم، والاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، منبعها يأتي من قيم الاشتراكية الإسلامية، وأشارت في هذا الصدد للعديد من العناوين والمنشورات الجمهورية. في الوقت ذاته،أبان الدكتور حيدر إبراهيم علي أن الحوار حول الفكرة الجمهورية لم يتغير ولم يتطور منذ العام 1961، وقال إن مسألة التجديد الديني غير واردة، لأن الأديان والأفكار التي تنطلق منها قد فشلت في كل التجارب، وضرب مثلاً بآخر تجربة لحزب النهضة التونسي. وكشف دكتور حيدر عن أن الحركات الإسلاموية – كما سماها – غيرت أسماءها بدلاً من الإخوان المسلمين، والحركة الإسلامية، والتيار الإسلامي وغيرها، بسبب رفض الشعوب لها. وترى أسماء أن علمانية حيدر تحجبه عن رؤية الفكرة الجمهورية، وأن العلمانية، بشقيها الرأسمالي والاشتراكي، فشلت في تحقيق رفاه الإنسان مادياً وروحياً، وأن الفكرة الجمهورية، بما تنطوي عليه من أفكار اشتراكية وديمقراطية لا تنفصم، هي الحل لمشكلة الإنسان. ونفت أسماء أن الفكرة الجمهورية لا تاريخية، وبررت أن المجتمع الذي نزل عليه القرآن في ذلك الوقت كان طفلاً وقاصراً أن يستوعب الرسالة المحمدية، فتدرج معهم من اللاسيطرة حتى القتال، لكن المجتمع الآن حر ومهيأ لتلقي الرسالة في نسختها الثانية ورسولها هو محمد (ص). وقال الباحث قتيبة عثمان، الذي أتاحت له المنصة فرصة للتعقيب، إن الفكرة الجمهورية جماع أفكار صوفية قديمة حاول محمود ربطها قسراً بالعصر الحديث، وإنه يمكن نسفها من داخلها لأنها – بحسب قوله – ترتكز على مغالطات واضحة، وإنها "تضع المرأة في الدرجة الثانية". ونفى قتيبة أي أرضية مشتركة بين العلمانيين والجمهوريين. بينما قال الكاتب والناشط السياسي أحمد الحاج، إن الفكرة الجمهورية سلفية وتشتغل على عقل عمومي، وإنه هناك التباس في تعريف العقل واستخدامه كما يتناوله محمد عابد الجابري ومحمد أركون في سياق حديث يقطع مع التراث. وهاجم أحمد الحاج من خلال مداخلته؛ فكرة تجديد الخطاب الديني برمتها، انطلاقاً من فرضية تعدد الأديان في السودان. ومضى الحاج بالقول "إن العلمنة في السودان ماضيةٌ بجهود شاباتها وشبابها نحو التمدد، ورحّب بأي محاولة للإصلاح الديني بحسبان أنها ستُسهم بشكل وآخر في رفد المشروع الوطني العلماني" – على حد قوله. من جهته دافع الأمين السياسي للحزب الجمهوري السوداني، عصام خضر، عن أطروحة الحزب، وقال إن من الفهم المغلوط لكثير مما جاء في الفكرة الجمهورية وتأويلاتها الخاطئة هي وراء للهجوم على الحزب والفكرة الجمهورية، وإن الظلم الذي وقع عليهم طيلة العقود الماضية أسس لهذا للهجوم. ودعا خضر إلى إعادة قراءة أفكار محمود محمد طه من جديد وبذهن مفتوح. وفي ختام الحوارية، أكد دكتور مجدي عز الدين على استمرارية البرامج الفكرية والحوارية من على مسرح جامعة النيلين، بالتعاون مع نادي الفلسفة السوداني، ومركز دراسات الديمقراطية والمجال العام. مداميك