البعض يستخدم نفوذ المقربين منه لكى يحصل على عائد مادى او خدمة هو يعلم انه لا يستحقها اذا تساوت ظروفه مع ظروف الغير. والبعض الاخر يحقق نفس الغرض عن طريق دفع مقابل مادى للموظفين او غيرهم. وفى كل الأحوال هنالك راشى ومرتشى، وحتى الذين لا يطلبون مقابلا ماديا قبل تقديم الخدمة ، هم في الواقع ينتظرون ان يعاملوا بالمثل في مرات اخر. والرشوة قد تكون بغير المادة مثل منح الدرجات العلمية الفخرية وكافة اشكال التكريم الأخرى. وقد اخذ ابن اللتبية من اموال الزكاة وهو يعلم ان الذى اسماه هدية انما هي رشوة لانها أعطيت له اثناء الخدمة في انتظار ان يسدى معروفا ما للذين منحوها له. ان الرشوة هي اس الفساد واساسه وهى ترمى الى تحقيق الكثير من الأهداف منها خرق القوانين او تحييد او تدمير المنافسين او احتكار السوق او تسهيل التهريب او التهرب من الضرائب او طمس ادلة الجرائم او غير ذلك من ضروب الفساد. ونحن نجد ان بلادنا أصبحت مثالا واضحا في مجال انتشار الفساد حتى تذيلت قائمة دول العالم من حيث النزاهة. وحسب منظمة الشفافية الدولية فان السودان في عام 2020 قد احتل المرتبة رقم 174 من ضمن 180 دولة في ترتيب الدول على اساس النزاهة وحصل على 16 بالمئة فقط من حيث تقييم النزاهة. وفى استطلاع أجرته نفس المنظمة عام 2019 ظهر ان 82 بالمئة ممن ادلوا بارائهم يرون ان الفساد قد زاد. وقد حدد المقترعون ثلاثة بؤر هي الأكثر فسادا في الدولة وهى المجلس التشريعى والحكومة وجهاز الشرطة. وبعد مرور عامين من الاستطلاع لم يتغير الحال كثيرا ، اللهم الا غياب المجلس التشريعى والذى يرجى منه ان يتبع طريقا غير الذى كان ويساهم في محاربة الفساد بعد تكوينه والذى طال انتظاره. ان الرشوة تهز الثقة في الاقتصاد, اذا لم تدمره, ولذلك فان المستثمر النزيه لا يتحمس لاستثمار أمواله في الدول التي تنتشر فيها الرشوة واحد الأسباب المباشرة هو خشيته من ان يخضع الى منافسة غير شريفة فيخسر أمواله المستثمرة ثم يضيع وقته وماله وجهده في محاكم لا طائل منها. واذا كانت الرشوة تسهل التهرب من دفع الضرائب فان المنافسة بين التاجر النزيه والتاجر الفاسد هي منافسة لا تمت الى الشرف والأمانة بأية صلة. الصحيح ان نسبة لا باس بها من السكان في السودان وافريقيا بصورة عامة تدفع رشاوى لكى تحصل على الخدمات. هذه حقيقة لكن للحكاية وجه اخر وهو ان قلة حيلة الناس حيال الموظفين الجشعين والسلطات الفاسدة والظروف القاهرة تضطرهم احيانا الى دفع أموال لكى يحصلوا على الخدمات. وبالمقابل فان هنالك اغنياء وموظفين كبار خاصة أصحاب النفوذ فى الدول الغنية يدفعون رشاوى او يتلقون رشاوى بالملايين من اجل الحصول على صفقات تجارية في افريقيا او التأثير على مجريات المنافسات الرياضية او غيرها من اشكال الفساد في الكثير من دول العالم. لهذا فان امر محاربة الفساد والرشوة هو هم عالمى. ان تطبيق القوانين الرادعة في كل من الراشى والمرتشى والرائش تعتبر مدخلا جيدا لمحاربة الرشوة, يضاف الى ذلك اصلاح الأجهزة العدلية والشرطية عن طريق التدريب وزيادة الأجور والصرامة في التعامل مع المخالفين وغيرها من التدابير. ان الهدف من الإصلاحات في الأجهزة الحكومية ليس جعل الرشوة مخاطرة كبرى فحسب, بل اعتبار الخطوة جزءا من عدة خطوات في سبيل محاربة الفساد بكل اشكاله وبناء تنمية مستدامة. [email protected]