كان لافتا للنظر في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قوي الحرية والتغيير الأخير، قراءة بعض الآيات من سفر حزقيال، الإصحاح الرابع والثلاثين، حيث وردت كلمات الرب علي لسان النبي حزقيال التي يقول فيها (حي أنا، غنمي صارت غنيمة، ومأكلا لكل وحش الحقل)…حيث وردت كلمة (الغنم) احدي عشرة مرة. والنبي حزقيال..نبي من أنبياء الله المرسلين المعترف بهم في اليهودية والمسيحية والإسلام..حيث تذهب بعض كتب التفسير الإسلامية بإنه هو النبي ( ذو الكفل) كما ورد في سورة الأنبياء … بينما تذهب اجتهادات أخري بأنه ليس نبيا ، ولكنه كان رجلا صالحاً ..وقد عاش في القرن السادس قبل الميلاد ومات عن 75 سنة ودفن بالعراق وله قبر يزار من مريديه حتي الآن. وتختلف الآراء الفقهية حول مشروعية إفتتاح المجالس الرسمية والمؤتمرات بتلاوة القرآن..فقد اعتبرها البعض بدعة..لم يرد بها نص ، فلا يجوز أن تصبح عادة ..ومن هؤلاء العلماء الشيخ العلامة صالح العثيمين، فيما رآها البعض الآخر، أمرا مشروعا بعموم الأدلة علي استحباب القرآن بشكل عام، وهذا ما قالت به دار الإفتاء المصرية. اما تلاوة النصوص الدينية للأديان السماوية الاخري في افتتاح مثل تلك المؤتمرات فهي قليلة جدا وغالبا ما ترد ضمن مجريات الاحتفال أو المؤتمر عندما يتعلق الأمر بالمناسبات الدينية ومشاركة الطوائف الاخري لبعضها البعض..واذا حدثت في مناسبات وطنية فهي لا تشكل مشكلة ويتم تمريرها كما حدث في مؤتمر قوي الحرية والتغيير الأخير. وهناك حالات كثيرة مشابهة.. حدثت في السودان.. وفي بعض الدول العربية منها جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وغيرها.. في العام 1991، فعلت ذلك ( الانقاذ) كنوع من الدعاية السياسية … في احتفال قصد به إنهاء الخلاف بين البشير والترابي …وعقد جلسة المؤتمر التأسيسي لحزب المؤتمر الوطني. وبما أن الاجتماع قد عقد في النادي الكاثوليكي بالخرطوم..فقد بدأ الحفل بآيات من القرآن الكريم، أعقبها تلاوة من الإنجيل، تأكيدا للأخاء والمحبة بين الإديان … غير أن الذي حدث بعد ذلك فقد تم الاستيلاء علي النادي الكاثوليكي وتحويله مقرا للحزب الجديد. وفي مصر عام 2008 عقد أول مؤتمر للمغتربين المصريين بشأن التعليم بعنوان( مصر تستطيع بالتعليم) وفيه استندت وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، الأستاذة نبيلة مكرم ، علي نصوص من القرآن الكريم ومن الإنجيل…ولم يعترض أحد.. وفي العاصمة الأردنية عقد في ديسمبر 2008 المؤتمر الثالث ( مؤتمر التعايش الديني وصنع السلام) بحضور عدد كبير من العلماء ورجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود.. وفي كلمة الافتتاح خاطب الأب نبيل حداد ، الحضور بقوله ( يا أبناء الله) وقد أثار ذلك غضب عدد كبير من الحضور كما انسحب عدد من العلماء المسلمين باعتبار أن ما قاله الأب حداد يخالف مبادئ العقيدة الإسلامية التي تعتبر أن صفة الأبوة علي الله هي من الشرك وأن الله منزه عن يكون له ولدا. وكاد المؤتمر ان يفشل .. ولكن الأب حداد أعتذر للمؤتمر باعتبار أنه كان يقرأ نصا من الإنجيل وليس المقصود الحضور الذين أمامه… وهذا بالضبط ما ورد في النص التوراتي للنبي حزقيال ، حيث تم قراءة النص..فلا يمكن مخاطبة المؤتمر بأنهم ( رعاة غنم) فاسدون، ولا هم (الغنم) المغدور بهم..ولكنها تورية لا تخلو من الذكاء والفطنة، بأن يترك القادة والزعماء وأعضاء المؤتمر رعاية مصالحهم الخاصة، وأن يراعوا (الغنم) التي يرعوها ، وإلا (فالرب سيرعي غنمه) ويحميها من وحوش الحقول . وبالطبع فقد لا يعجب بعضنا الكثير من الكلمات والعبارات والمصطلحات التي وردت في النص التوراتي … ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن هذا النص الذي ورد في سفر حزقيال قد كتبه مع بقية أسفاره الثمانية والاربعين خلال الفترة ( 593/ 565) قبل الميلاد وبالتالي قد تكون تلك هي اللغة الدينية السائدة بعكس ما هو وارد في الأناجيل المعتمدة والقرآن الكريم..حيث البلاغة والفصاحة وتنظيم العلاقة بين الله وخلقه. [email protected]