التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الردة وتوابعها.. حناجر وخناجر..!
نشر في الراكوبة يوم 12 - 09 - 2021

"حضر المدعى عليه يرتدي صليباً خشبياً ظاهراً بيناً وهذا أن دل يدل على ارتداده من الإسلام إلى المسيحية لذلك لا يجوز أن يستمر هذا الزواج".
بهذه العبارات أنهى قاضي الشرعية محمد زين بمحكمة الحاج يوسف بمحلية شرق النيل بالعاصمة السودانية الخرطوم في العام 2018م زواج مبارك شعيب من زوجته وأم ابنته ذات الأربع سنوات، ومنذ ذاك الوقت تم حرمان مبارك من ابنته وزوجته وتركت حضانة ابنته لأسرة طليقته ولم يرَ ابنته منذ العام 2018م.
تستمر هذه الانتهاكات في حين أن مادة الردة يمكن اعتبارها الآن غير دستورية في السودان، إلا أن قضايا التمييز ضد أولئك الذين يغيرون انتماءاتهم الدينية لا تزال سائدة ويتم تأييدها أحيانًا من خلال أحكام أخرى في كتب القانون السوداني كقانون الأحوال الشخصية. وسواء كانت الحكومة الانتقالية مستعدة حقًا لإلغاء التمييز الديني في السودان أو خوفًا من رد فعل عنيف من العناصر الأكثر محافظة في المجتمع السوداني، فإن السلطات تفضل تجاهل هذه القضية".
أصل القضية
بتاريخ 15 يناير من العام 2018 م أعلن مبارك شعيب رغبته في تغيير ديانته من الإسلام إلى المسيحية من داخل سجن أمدرمان، بعد معاناته وتنقله من قسم شرطة لآخر، وبدأت هذه المعاناة من قسم حلة كوكو بمحلية شرق النيل حيث سُجِنَ لمدة أربعة أشهر دون توجيه تهمه له مما ادى إلى دخوله في إضراب عن الطعام ترتب عليه تحويله لسجن أمدرمان ليقضي فيه ستة أشهر أخرى دون توجيه تهمة. وبسبب ذلك أعلن رغبته في تغيير دينه، وفي اليوم الثاني لإعلانه هذا تم نقله من قسم إلى آخر بسبب تدوين بلاغ ضده تحت تهمة الردة، مما جعل ستة من السجناء يعلنون تضامنهم معه وإعلانهم رغبتهم في تغيير دينهم. وبعد تفاقم الأوضاع تم تحويل مبارك من سجن أمدرمان لسجن كوبر. يقول مبارك: "تم تعذيبي بطريقة وحشية وكانوا يقومون بضربي ليل نهار لإرغامي لأقول: (لا إله الا الله محمد رسول الله)".
بداية حملات الاستتابة
وبحسب مبارك، فإن مكتب مكافحة التبشير بجهاز الأمن والمخابرات قدم له العديد من الإغراءات للتراجع عن قراره، في مقابل تنفيذ كل ما يُطلب منه، وبعد رفضه لهذه العروض بدأت سيناريوهات الاستتابة لإثنائه عن قراره، لكنه تمسك بموقفه لذلك تمت محاكمته بمحكمة بالجريف بالسجن 3 سنوات وغرامة 100 مليون جنيه (القديم)، وفي حالة العدم السجن 6 أشهر أخرى، وذلك بتاريخ 13 مايو 2018م. ويقول مبارك "تمت تسميتي بالكافر نوعاً من الحرب النفسية بالإضافة إلى إيداعي بالزنازين".
ضغوط أسرية
ولم يقتصر الأمر على سجنه فقط، بل مورست ضغوط على زوجته وأسرته مما أدى إلى تدوين بلاغ ضده لفسخ النكاح بسبب الردة بمحكمة الحاج يوسف بمحلية شرق النيل بالخرطوم. وذكر مبارك "أن القاضي قرر منذ الوهلة الأولى أنه كافر، ولم يستجب لطلبه المتكرر بضرورة حضور محامي الدفاع، وأصبح يتلو هذه العبارات الآتية: (حضر المدعى عليه يرتدي صليباً خشبياً ظاهراً بيناً، وهذا إن دل إنما يدل على ارتداده من الإسلام إلى المسيحية لذلك يجب أن لا يستمر هذا الزواج)".
وبحسب شعيب، فإن القاضي هدده بالقتل، ونسب ابنته لشخص مسلم. ويواصل مبارك إفادته بقوله: "بعد قرار المحكمة تم تحديد جلسة أخرى لكن تم تأجيلها إلى أن بلغتني زوجتي بصدور قرار الطلاق وحرماني من ابنتي"، ويضيف: "حتى الآن أتواصل معها تلفونياً، وتم حرماني 4 سنوات منها باعتبار أني كافر". ويشير مبارك شعيب إلى تمسك زوجته بزواجهما، لكنها تعرضت لضغوط من المحكمة والحكومة ممثله في جهاز الأمن وقتها.
تهديد ومعاناة لا تنتهي
ويصف مبارك استمرار معاناته حتى بعد إكمال فترة حبسه بأنها كانت أسوأ فتراته، وحكى تعرضه للتنمر والتهديد بالإبادة مما تسبب له في هاجس نفسي – حسب تعبيره – خاصة أنه بعد الإفراج عنه ظلت تلاحقه البلاغات التي بلغت 13 بلاغاً، وتتضمن بلاغات أثناء فترة حبسه حيث تم تدوين بلاغ مخدرات بقسم كافوري، وآخر بقسم المهندسين، أثناء وجوده بالسجن، وسخر من ذلك بقوله إن قضية المخدرات أساسها الحيازة، وتساءل: كيف يمكن هذا وأنا في السجن؟
تنمُّر وارتحال
مبارك لم يستطع العيش مع أمه وأبيه بمنطقة خشم القربة بشرق السودان بسبب التنمر وملاحقته بالبلاغات، ونفذ طلب والدته بالسفر إلى ولاية كسلا. ويضيف مبارك: "ما تعرضت له من تنمر ومضايقات كفيل بأن ينهي الشخص حياته"، ويعتبر أن المضايقات حالياً لن تتم بشكل صريح باسم الدين لكنها تأتي مغلفة حيث لم يعد الاعتقال بسبب المعتقد وارداً، لكنه وبحسب حديثه يواجه حالياً ستة بلاغات في جرائم المعلوماتية.
الخصوم السياسيون
القانون السوداني وظف لسنوات عديدة لتصفية الخصوم السياسيين عبر استخدام الدين كما حدث مع مؤسس الحزب الجمهوري محمود محمد طه، عندما جرى توقيع حد الردة عليه كسابقة في تاريخ القضاء السوداني، وتم تنفيذ حكم الإعدام عليه بتاريخ الجمعة 18 يناير من العام 1985م أمام حشد غفير بساحة الإعدام بسجن كوبر بالخرطوم بحري.
أسماء محمود محمد طه
ثمة اعتقاد قوي يسود وسط كثيرين بأن قرار إعدام زعيم الجمهوريين كان تتويجًا لصراعات مريرة بين الرجل وتنظيمات الإخوان المسلمين. ويذهبون إلى أبعد من ذلك بأن قرار إعدامه منزوع الصلة بطبيعة الافكار التي كان يدعو لها واستندوا في رؤيتهم تلك إلى أن المحكمة لم تكتفِ بقرار الإعدام وعدم دفنه بمقابر المسلمين فحسب، بل قررت مصادرة جميع مؤلفاته ومنعت تداولها وحظرت نشاط حزبه نهائياً. ولعل هذا جانب من توابع الردة التي نحن بصددها في هذا التقرير.
تشير الدكتورة أسماء محمود محمد طه إلى أن إلغاء مادة الردة غير كافٍ، ويحتاج إلى عمل مجتمعي وإعلامي، وأضافت: "على الرغم من أن محكمة الردة تم إلغاؤها، لكن ما زالت المساجد تكُفّر الأشخاص وأشياء كثيرة لم تتغير، لذلك يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني في هذه القضية"، ورأت "ضرورة التوضيح والتنوير عن أنه لا وجود للردة في الإسلام"، وأضافت: "الإسلام أتى من أجل حرية العقيدة وبهذا سوف يُهزم الفكر السلفي المتخلف".
وحول استخدام الحركة الإسلامية لمادة الردة لتصفية الخصوم السياسين، قالت دكتورة أسماء: "مما لا شك فيه أن الحركة الإسلامية استخدمت مادة الردة لتصفية خلافاتها السياسية والفكرية، ومثال لذلك ما حدث للأستاذ محمود محمد طه، فخلاصة الأمر أن الحركة الإسلامية كانت تحارب الأفكار التقدمية".
مريم يحيى
ثم جاءت حادثة مريم يحيى حيث حكم عليها بالإعدام في العام 2014م بسبب الادعاء بأنها من أب مسلم واعتنقت المسيحية، فضلاً عن ارتباطها برجل غير مسلم، وتم الحكم عليها أثناء حملها بطفل وتم الإفراج عنها بعد ضغوط دولية.
المخارجة بالجنون
محمد إبراهيم الشهير ب"البارون" قصته تختلف عن ما ذكره مبارك شعيب قليلاً، حيث تم اتهامه بالجنون عندما طلب تغيير ديانته في الأوراق الثبوتية. وأفاد البارون بأنه تعرض لضغوط نفسية واجتماعية بسبب قرار تغيير دينه وضرب مثلاً بأن "أصدقاءه تنكروا له"، ولم يخفِ رغبته تدوين بلاغ ضد اختصاصي علم النفس ذايع الصيت الدكتور علي بلدو الذي كتب تقريراً لصالح النيابة العامة يشكك في قواه العقلية.
محمد إبراهيم الشهير ب"البارون"
لاحقا دافع الدكتور علي بلدو عن نفسه بأنه قام بذلك خوفاً على حياته بعد أن طلب منه النائب الأعلى بالخرطوم وقتها مقابلة المتهم الذي سيتم توجيه تهمة الردة له بصفته أحد المختصين في الطب النفسي الجنائي قبل تحويل البلاغ إلى المحكمة تمهيداً لإصدار حكم بالردة على المتهم. وقال دكتور علي بلدو: "لذلك قبلت طلب معاينته وأخطرت المتهم بخطورة ما هو مقدم عليه وطلبت منه أن يجلس مع اسرته واصدقائه للتشاور معهم للخروج من المعتقل"، ولم ينفِ أنه قام بكتابة تقرير يفيد بحاجة المتهم لدعم نفسي واجتماعي وأسري، لكنه يعتبر قرار إطلاق سراحه تم بعد ضغوط دولية، ولكن السلطات استندت على التقرير "كنوع من المخارجة " حسب تعبيره!
التضييق على الأجانب
"محمد أول" أنموذج آخر للانتهاكات لحرية الاعتقاد. يقول محمد الذي يحمل الجنسية الصومالية، إنه تم القبض عليه في قضية اتجار بالبشر، وأثناء وجوده بالسجن رأى كيفية تعذيب المعتقلين والاستغلال الذي تم بحقه من قبل ضباط السجن، لذلك أعلن عن تغيير ديانته من الإسلام للمسيحية لعدم احترام حقوق الإنسان والإسلام.
ولم يخفِ محمد تعرضه لضغوط بعد تغييره دينه من قبل الحكومة السودانية من أجل التراجع عن قراره مقابل منحه أموالاً، وعند رفضه تم الضغط عليه من قبل سفارة الصومال بالخرطوم. ويقول محمد: "تم تهديدي بإرجاعي الصومال وتنفيذ حد الردة" ولم تنجُ أسرته بالصومال من هذه الضغوط حيث تعرضت لتهديدات من قبل حركة الشباب في الصومال ونتيجة لذلك تراجع "محمد أول" عن قرار تغيير دينه.
الهوس الديني
خطر آخر يواجه الذين يرغبون في تغيير ديانتهم من الإسلام إلى المسيحية أو العكس، يتمثل في وجود جماعات التكفير التي تعطي صكوك الإيمان والكفر للأشخاص حسب رؤيتها. وبرزت عدد من التخوفات من انتشار التطرف من قبل جماعات الهوس الديني خاصة أن قرار إلغاء مادة الردة تمت مواجته من قبل الجماعات السلفية وإلاخوانية ونظموا تظاهرات تندد بإلغاء مادة الردة وردد المتظاهرون شعارات "لا إله إلا الله ولا تبديل لشرع الله"، و"الإسلام دستور الأمة"، و"هذا الشعب شعب مسلم". كما رفعوا لافتات كتب عليها "دين الله وأحكام الشريعة.. خط أحمر".
وكان الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان الشيخ د. إسماعيل عثمان محمد الماحي، أطلق تحذيرات من خطورة تمرير التعديلات القانونية التي قضت بالغاء مادة الردة، ولم يكتفِ بذلك بل طالب مجلسي السيادة والوزراء "عليكم إيقاف هذه التعديلات ولا تفتحوا باباً للفتنة".
حديث إسماعيل في خطبة الجمعة بتاريخ 29 يوليو بمسجد المركز العام بالسجانة، اعتبره البعض محاولة لحشد المواطنين ضد التعديلات من خلال استغلاله المنبر حيث قال: "إن هذه التعديلات يمكن أن تؤدي إلى التطرف وأن القوانين المعدلة منها ما يعارض الثابت في الشريعة الإسلامية كحد الردة".
وعلى الرغم من رئيس جماعة انصار السنة تحفظ عن طرح رؤيته مجدداً، واكتفى بما ذكره سابقًا، إلا أن مصدراً – طلب عدم ذكر اسمه – من جماعة أنصار السنة لم يختلف حديثه كثيراً عن رئيس الجماعة، فهو يرى أن إلغاء مادة الردة يفتح الباب أمام الفوضى العقائدية، وقال: "من يغير دينه من الإسلام إلى أي ديانة أخرى مرتد أو بالعكس أن الذي يأتي للإسلام فهذه هداية"، ووافقه الداعية الإسلامي إسماعيل الحكيم في ذلك، وذهب إلى انتقاد عدم تنفيذ الحد لأنه، وبحسب قوله: "سيصبح الدين ملعبة ومحتقرا". واعتبر من يغير دينه مرتدًا واستند على حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي نص على: "من بدل دينه فاقتلوه"، "وذلك بعد منح المرتد فرصة بعد الاستتابة ومرور ثلاثة أيام، فإذا ظل متمسكًا برأيه فيقام عليه الحد"، واتفق مع جماعة انصار السنة في القول بأن "إلغاء مادة الردة خطأ كبير لأنها حكم ثابت لا يحتاج إلى تشكيك أو إلغاء".
الوثيقة الدستورية وحق الاعتقاد
ويجيء هذا الرفض في ظل وجود نصوص دستورية تكفل حرية الاعتقاد في السودان حيث نص الفصل الرابع عشر من الوثيقة الدستورية، في المادة 56 على حرية العقيدة والعبادة – على أن "لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة ولا يكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به أو ممارسة طقوس أو شعائر لا يقبل بها طواعية بالإضافة إلى أن المادة 42/ 2 من الوثيقة الدستورية تنص على أن "تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من الوثيقة".
قانون الأحوال الشخصية
"شعيب" ليس وحده الذي تمت مواجهته بمادة الردة التي تم إلغاؤها مؤخرا من القانون الجنائي السوداني، لكنه أحد الذين طُبِّقت عليهم مواد مازالت موجودة تتعلق بالتفريق بين الزوجين والحرمان من الميراث بسبب تغيير الدين.
نبيل أديب عبدالله المحامي
المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان نبيل أديب، ركز على ضرورة إزالة التمييز والتفضيل بين الاديان في القوانين، ومثال ذلك قانون الأحوال الشخصية حيث منح حضانة الأطفال في حالة تغيير الدين من المسيحية إلى الإسلام وبالعكس إلى الأفضل ديناً، وكذلك في الولاية ويكون من وجهة نظر القاضي والقانون الأفضل ديناً هو المسلم، ويعتقد أنه بحسب قانون الأحوال الشخصية مجرد وقوع واقعة الخروج عن الإسلام لا يعود هناك زواج بغض النظر عن معاقبة المرتد مما يحتم ضرورة إيجاد قانون مدني للزواج حيث يضمن خيار من يريد الزواج مدنيًا أو وفق الشريعة على أن تكون المراجعات بقانون الأحوال الشخصية ذات نظرة دينية.
محور مهم أثاره نبيل أديب حول هل كل الأديان ترحب بحرية الاعتقاد حال تم التغيير من الديانة المعنية، لكنها تعتبر من يغيّر دينه منها إلى ديانة أخرى خرج عن الملة وذكر أن جميع القوانين لغير المسلمين لم تصدر بواسطة الدولة، إنما هي أعراف تعبر عن رؤية الكنيسة التي ينتمي إليها الشخص. ولم ينهِ أديب إفادته قبل تأكيده على أن قانون الأحوال الشخصية لم يمنح المرأة غير المسلمة الذي غير زوجها ديانته إلى الإسلام حق الطلاق.

المبادرة السودانية لحقوق الإنسان
محمد يوسف عضو المبادرة السودانية لحقوق الإنسان من خلال متابعته لقضايا حرية الاعتقاد خلص إلى ضرورة إجراء مراجعات لقانون الأحوال الشخصية وسلط الضوء على جانب اخر من قضية حرية الاعتقاد والاعلان عن المعتقد وكشف عن تخوف الذين يغيرون ديناتهم من نظرة المجتمع مما جعل الكثيرين يتحفظون على إعلان تغيير ديانتهم واتفق معه محمد إبراهيم الشهير ب"البارون"، إذ أشار إلى تعرضه لضغط وعزلة من المجتمع حوله، وكشف عن عدد كبير من الشباب يقومون بإعلان تغيير ديانتهم في محيطهم الخاص ووسط أصدقائهم أو بعد سفرهم للخارج خوفًا من تلقي تهديدات وعزلة مجتمعية، مما يعني صعوبة الحصول على إحصاءات حقيقية فضلاً عن ما تبرزه الحالة من أن حرية الاعتقاد ما زالت مقيدة سواء من المجتمع أو القانون.
تعقيدات حرية الاعتقاد
تعقيدات أخرى ساقها القس يحيى نالو، أبرزها عدم منح تصاديق لإنشاء كنائس بالمقارنة مع الأديان الأخرى، وهو ما يعتبره تمييزاً بين الأديان، على الرغم من أن حرية الاعتقاد حق أصيل يجب أن يُحترَم وعدم تقييد هذا الحق عبر التشريعات والقوانين، حيث ذكر: "يجب أن لا تكون العبادة تحت التهديد"، مطالباً بتضمين حرية الاعتقاد داخل الدستور.
وفي ظل الحديث عن التعقيدات التي تواجه من يغيّرون دينهم، دافع عن الكنيسة الإنجيلية لا تضع تعقيدات وعقوبات على الذين يقومون بتغييير دينهم، وذكر "إذا وقعت يكون من قبل افراد"، وأمّن على ما ذكرته المبادرة السودانية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالخوف من المجتمع بقوله: "إن المحاصرة المجتمعية والخوف أحد العوامل التي تؤدي إلى عدم التمتع بحرية الاعتقاد".
جانب آخر رأى ضرورة توحيد قانون الأحوال الشخصية وأن يكون هناك قانون مدني لكل السودانيين لأنه يعتبر وجود قوانين متعددة للأحوال الشخصية في السودان للمسلمين وغير المسلمين تمييز لأنه يفرق الناس بالمعتقدات.
مراجعات قانونية
حديث القس يحيى نالو حول قانون واحد أصبح شبه مستحيل بعد حديث وزارة العدل الذي قطعت فيه بأن القانون القادم لن يخرج عن آراء احد الفقهاء مما يؤكد أن القانون للمسلمين مع أخذها في الاعتبار عدم الأخذ بالمذاهب المتشددة في القانون الجديد، لكن رئيس إدارة التشريع بوزارة العدل محمد عثمان محمود الرحيمة أمن على ضرورة إجراء مراجعات لقانون الأحوال الشخصية السوداني، وذهب إلى أن القانون مر بمراحل كثيرة ولجان كثيرة لكنه لم يلمس شيئًا جديدًا في التعديلات تتعلق باراء الفقهاء التي بني عليها القانون.
وحول استمرار وجود مادة التفريق بين الزوجين في قانون الأحوال الشخصية التي لازال يعاني شعيب وآخرون منها، أفاد بأنه لا يستطيع القول بأن المادة الموجودة ليست دستورية.
تعتيم
في ظل عدم اعتراف الجماعات السلفية بحرية الاعتقاد وتمسكها بحد الردة على من يغير دينه وفي ظل استمرار منع شعيب من ابنته واستمرار التعبد في السر والخوف من المجتمع، يبرز سؤال جوهري هو: أين دور وزارة الشؤون الدينية تجاه هذه القضايا؟ حاولنا الوصول إلى وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، ورغم محاولاتنا المتكررة اعتذر عن اللقاء.
تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين (ICFJ) و Code for Africa


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.