بسم الثورة بسم الشهداء والمفقودين وبسم المغدورين في ميدان الاعتصام في خواتيم الشهر المبارك إلى الثوار اولاً: إن دروس التاريخ والتجارب الإنسانية تُعلمنا أن الثورات والانتفاضات الشعبية لا يتم التعامل معها بحسابات الربح والخسارة ومؤشرات الاسواق في تحقيق النتائج علي نحو اسرع كما يحدث في البورصات الاقتصادية . فالثورة حركة تاريخية كاملة وفعل مستمر يتوزع بين الجهد الفردي والجماعي بنحو متساوي اغلي ما يدفعه الثائر روحه ودمه وابخس ما يمكن ان يقدمه الفرد في سبيل قضيته هو الثبات علي المبادئ الثورية واهدافها وكذلك لابد من الحفاظ علي جذوتها مشتعلة الي حين انتشار ضوء الوعي في انحاء البلاد ولا عزاء فيها لأصحاب النفس القصير. كصحفي شاهد علي هذه الانتفاضة والحراك الثوري بل ومساهم فيه اجد أن الظلم والاحداث التي اعقبت الثورة المجيدة تعكس وبشكل مأساوي ومُخيب للآمال مدي تدني قيمة التضحيات التي قدمها الثوار للحكومة الحالية دون فائدة .الذين ما زالت تصادر حقوقهم في الحياة لمجرد الجهر بالحقيقة والوقوف ضد الظلم او حتي عند الاختلاف في الراي فالقمع ذاته الذي كانت تمارسه سلطات النظام السابق مستمر بل ذاد عن حده واتخذ اشكالاً اشد قسوة وعنفاً وهو السلوك الذي يجهض الاحلام التي خرجت لأجلها الجماهير عند اطاحتها بنظام (البشير) راعي البطش والقهر في البلاد طيلة الثلاثة عقود الماضية. ومن المؤسف ايضاً هو ان القتل اتخذ شكلا مختلفا في ظل حكومة ما بعد الثورة وذلك في خصوصية اختيار الضحايا من الناشطين الفاعلين في لحظة الحراك وبعده ليس مقتل الشهيد (ودعكر) بهذه الطريقة المريبة والبشعة إلا دليلا علي شخصنة القتل وفردنته بل وإلباسه ثوب الانتقام والتشفي الذي ما زال يمارسه انصار النظام البائد ضد الثوار. في محاولاتهم الفاشلة للقضاء بالدرجة الاولي علي جيل النشطاء الفعلين الذين فجروا الثورة ومازالوا يدافعون عنها ولم تلن عزائمهم بعد. فأن استهدافهم بهذه الطريقة يُعد جريمة وتربص واضح ينبغي الانتباه له وهو بالمقابل دليل قاطع علي أن ما تعرض له المتظاهرون والمعتصمون بالقيادة والمضايقات التي تمت اثناء الحراك وحتي بعد سقوط النظام هو انتهاك صارخ لحقوق الأنسان ويعكس الجانب المخفي من الغبن المترسب تجاه أي تغيير ينتج عن الثورة خاصة عملية القتل الممنهج التي تمارس ضد الثوار والناشطين من لجان المقاومة. وعلي الصعيد العام لا زالت تُصادر الحياة في الاطراف البعيدة واستمرار مسلسل هدر دماء الابرياء لمجرد اثبات الوجود علي الملعب السياسي او لتصفية حسابات سياسية بين المختلفين من حركات الكفاح المسلح وهي التي كان يعول عليها في تكون الدماء الجديدة في المشهد السياسي ومعبراً حقيقا عن امال وتطلعات الثوار. الي (السادة اعضاء مجلس السيادة) الموقرين بشقيهم المدني والعسكري تُري الي متي سيتواصل استرخاص الدماء وهدرها ؟ وهل سيطبق الصمت الي حين سقوط قضية (فض الاعتصام) وشهداء الثورة بالتقادم ؟ فان عدم الالتزام بالقوانين هو الفعل الموازي لخرقها تماما فليس هنالك فرق بين الاثنين ثم ان اقامة العدل ونصرة المظلومين من مرضاة الله سبحانه وتعالي وتطبيقا للنص القرآني "ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب" لذا يتوجب علي حكومة المرحلة الانتقالية الاسراع في محاسبة من سفكوا الدماء حتي تبدأ سلسة انتصارات الحقوق واقامة دولة العدل والقانون التي لا تهدر فيها الدماء عبثاُ. مرة أخري باسم الثوار الشهداء الذين ذهبت ارواحهم من اجل الوطن اليس عبدالعظيم (عظمة) الشهيد الوحيد الذي فضل عدم الاستلقاء اثناء المعركة وتحدي اجهزة النظام القمعية شاهرا جسده الاعزل امام الزبانية الذين لم يترددوا لحظة في اخذ روحه الطاهرة الي برزح الموت او الشهيد (عبد السلام كشة) الذي تدثر الوطن ضاحكاً للموت و(عباس مطر) الذي ادركت روحه معني الحرية ولم يخيفها الموت او حتي شهيدنا (محجوب التاج) الذي سخر من الموت دفاعاً عن الحرائر من بنات البلاد وكل شهداء الثورة الذين سقطوا في معركة الحق والكرامة الا يستحقون العدالة التي وهبوا ارواحهم ثمناً لها….؟ هجروا اجسادهم نحو الوطن وينبغي ان تحفظ تضحياتهم في دفتر التاريخ والثورة فهم يجسدون الصورة الحقيقية لمجتمعاً قائم علي التضحية والقيم النبيلة وكل معاني الجسارة. من جديد باسم شهداء (انتفاضة ديسمبر المجيدة) اتساءل عن ماذا فعلت لجنة اديب ؟ المكلفة بحفظ حقهم والانتصار لعدالة قضيتهم ومحاسبة كل من تثبت ادانته ليس من باب التشفي والانتقام وانما احقاقا للعدل ونصرة للمظلومين ليرتاح الشهداء في قبورهم وتجف دموع الامهات الواقفات علي تخوم الحزن المخيم. العدالة للشهداء بسم العدالة الكلمة المشتقة من اعظم أسماء الله الحسني (العدل) والمفقودة في بلادي منذ فجر استقلالها ظلت تبحث عن حيز لها في كل مظاهر الحياة في بلادي وعن حقها في منصات القضاء فالعدالة نفسها مظلومة بعدم تطبيقها وانزالها في واقعنا المرير الذي يحيط به الظلم من كل جانب سواء العدالة السياسية بين الاحزاب والعدالة الاجتماعية في مكونات الدولة او العدالة الاقتصادية التي يقابلها توزيع الثروات او حتي العدالة القانونية التي تجسدها الحقوق المدنية وغيرها من حقوق الانسان. لا يزال جرح القيادة ساخناً (لجنة اديب) واحدة من اليات الحقوق بالنسبة لشهداء الثورة اللجنة تكونت تحت مرسوم تضمنته الوثيقة الدستورية وبأمر من السيد رئيس (الوزراء د. عبدالله حمدوك ) تقرر تشكيلها تلبية لتطلعات الثوار في ضمان العدالة لشهداء الثورة (ومجزرة القيادة) وتحددت مهام اللجنة في جمع المعلومات والتحقيق مع المتورطين في احداث فض الاعتصام وتقديمهم الي منصات العدالة إلا انها لم تستطع الي تاريخ كتابة هذه السطور ان تقدم شيئا ملموسا ينصف الشهداء وذويهم بالرغم من مضي ما يقارب العامين علي تكليفها بهذه المهمة السهلة والصعبة في ذات الوقت ويقفز السؤال مباشرة إلي (لجنة اديب) هل هنالك ما يبرر تأخر تنفيذ الاحكام ضد مجرمين ثبتت في حقهم كل الادلة الدامغة واعترافهم بالجرم المشهود ؟ فقد حاولت اللجنة والسلطات الحكومية ان تبرر تأخر البت والحكم في قضية شهداء فض الاعتصام لدواعي اجرائية تتعلق بجمع المعلومات واكمال التحقيقات والقرائن وهي كما يعلم الجميع حجة ضعيفة ولاغية ذلك لوجود مئات البراهين والحجج التي تدين وتؤكد علي من هم المتورطين في عملية فض الاعتصام . ان ما يحدث في ملف (مجزرة فض الاعتصام) هو مط لعنق الحقائق ودليل علي انسداد افق الحلول السياسية وعدم جدواها وهو تأكيد لعملية الخيانة التي ظلت تمارسها السلطة والقوي والسياسية في البلاد منذ فجر الاستقلال ضد الشعب السوداني ويبدو انه الدور الوحيد الذي تجيده الاحزاب السياسية فهو خيانة واضحة تحكمها المصلحة والقفز علي تضحيات الشارع فالسياسات التي تنتهجها حكومة المرحلة الانتقالية في كافة الجوانب لم تكن علي قدر طموحات الشارع خاصة فيما يلي الجانب الاقتصادي المتعلق بحياة الناس بل زادت حدة البؤس وصُعبت معها اسباب الحياة وخيمت سحابة قاتمة علي مخيلة المواطن الذي لم يتصور انه بعد كل هذه المعاناة وهذا المسير الطويل ان تضاعف معاناته بهذا الحجم. القوى السياسية ان غياب الرؤي الفكرية والبرامج السياسية الوطنية الحقيقية الواضحة لكل القوي السياسية سواء التقليدية اوالتقدمية للمرحلة الحالية دليلا قاطعا علي غياب روح الديمقراطية في داخل هذه المنظومات السياسية ومبدأ عدم جاهزية الانتقال السلس لعملية التحول الديمقراطي والسلطة المدنية وتهيئة الجماهير لها. أن عدم التوافق علي امر الوطن بين القوي السياسية والمجلس العسكري يمثل إدانة واضحة لهذه الاحزاب مُجتمعة في انها فشلت في ايجاد صيغة توافقية فيما بينها والعسكر منذ فجر الاستقلال ومُضي ما يقارب السبعة عقود علي خروج المستعمر وما زال البحث عن الوفاق الوطني مستمراً. واخيراً… الي رفقاء المهنة والزملاء في الحقل الصحفي المتصدع لا اطالب بتجميل القبيح جزافاً ولا تقبيح الجميل زوراً وبهتاناً فقط نتمنى ان نضع الوطن نصب الاعين نحتاج الي نشر الوعي بالحقوق وبناء المواطن المؤمن بالحرية ولا يلغي هذا اهمية التنافس الشريف بين المؤسسات الصحفية فهو حق مشروع للجميع فقط تبقي النزاهة هي الحد الفاصل بين الصعود والسقوط وهي الند الاخلاقي المقابل لعملية تطوير المجتمع وانتشاله من بحر التناحر المظلم ونحن في مرحلة أحوج إلي صحافة تفتح مصادر الأمل صحافة تنموية وليس صحافة هجومية نقدية تجفف ينابيع الحياة. والسلام علي شهدائنا في قبورهم الخرطوم سبتمبر 2021م