شوهد عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالى فى السودان وهو يقود المساعى الحميدة للإصلاح بين العسكر والمدنيين ، وهى مساع للأسف لا تخدم المصلحة الوطنية كونها مداراة وإعادة إنتاج للأزمة سيدفع أبناء الشعب ثمنها عاجلا او آجلا . بعد مرور ثلاثة سنوات على الثورة التى أسقطت الحكم الاستبدادي فى السودان وفتحت الطريق أمام قواه المدنية لعلاج مشكلات الوطن المأزوم كان المنظور أن يهرول البرهان نحو حمدوك وليس العكس. هكذا يبدو السودان أمام مفترق طرق ليتحمل فيه العسكر النصيب الاكبر من مسئولية الاخفاق. وفي نظر كثيرين وعلى خلفية الأوضاع التى تواجه السودان وتهدد السلم والامن الدوليين كان على حمدوك التوجه نحو الأممالمتحدة بدلا عن قيادة الجيش باعتبار ذلك من صميم المصلحة الوطنية، كان أجدر به كشخص ائتمنته القوى المدنية على الوطن أن يسعى للحفاظ عليه بشتى الوسائل بخاصة فى ظل تصاعد المهددات التى تواجه البلاد . هل يمكن إعتبار الوضع الأمني المتدهور فى السودان و الذى طال حتى مسئول الاممالمتحدة فى أراضيه فى شكل تهديد علنى ، علاوة على تهديد امن الجيران فى جنوب السودان وتشاد ودول الحزام الافريقى مصحوبا بحدة النزاع الدائر فى شرق السودان – والذى سيغرى حكومات اجنبية غير المتورطة فى النزاع اصلا للدخول لمساعدة اطراف فيه وتحويله لصراع بين الحكومات والدول – كافيا فى حد ذاته لوضع السودان تحت الفصل السابع ؟ يتوهم بعض الناس أن العقد الاجتماعى المضغوط وعدم الاستقرار الاقتصادى والسيولة الامنية ستحقق لهم صعود الإستبداديين مجددا وان تباطؤ الديمقراطية سيؤدى لدكتاتورية جديدة ، وربما يكون هذا ما يتخيله عبد الفتاح البرهان الذى يجهد هو ونائبه وحلفائهما لإقناع فئات من الشعب لكى يقولوا أنهم يريدون أن يفكر العسكر بالنيابة عنهم ويقودوهم نحو الصراط المستقيم لآنهم عاجزين عن التوافق على الوسيلة التى يجب ان يتصرفوا بها ... كارثة لو أن هذا البرهان لا يدرك أن إستمرار صراعه مع المدنيين يقوض الثقة فى المؤسسات الامنية وعلى رأسها الجيش الذى يؤشر صعود حميدتى لنهايته الحتمية أصلاً. ان عدم جدية العسكر والخط القبلى الذى ينتهجه العسكر والمدنيون معا، والتهافت على السلطة والغش والتدليس والاحتيال فى محاصصات السلطة ووضعها فى يد عناصر لا تملك الخبرة التاريخية ولا المؤسسية ولا الاجماع ، وتجاهل محاربة الفقر واهمال الفساد والتفاوت الاقتصادى وتعميق ثقافة العنف وترك الاحتكاكات العرقية بلا علاج ووضع الاقتصاد فى يد جنرالات يهيمنون عليه مع كبار رجال الاعمال ، هى المؤثرات الداخلية التى صنعت عدم الاستقرار والفوضى وانسداد الافق، وغذت التطرف الذى نشاهده اليوم . لقد فشل العسكريون والمدنيون معا فى استعادة التماسك الوطنى، ورغم ان كل الاطراف تتكلم بحرية وتطرح وجهات نظرها للنقاش السياسى المفتوح جاءت المحصلة النهائية فى شكل هتاف : الجيش جيش السودان وليس جيش البرهان. لقد عجزت الحكومة عن سن قوانين العزل السياسى ومحاسبة الفلول و فرض سيادة حكم القانون ، وكرست اتفاق جوبا الذى لم يؤيده الشعب بل رأى فيه أداة للتشرذم ، واذا اخذنا كل ذلك مضافا اليه ارهاب الدواعش والانفلات الامنى الذى بات يؤرق حتى سكان المناطق الهادئة تاريخيا كما هو حاصل فى اقصى شمال السودان ، ربما نغير رأينا فيمن ينادون بوضع السودان تحت الوصاية او على الاقل نتعاطف معهم ونفحص مبرراتهم بصورة مغايرة . اكثر الناس فى السودان منشغلون بطرح سؤال واحد وهو لماذا برزت هذه المهددات الامنية بصورتها السافرة فجأة وفى هذا التوقيت بالذات ، وهل مقصود منها تغذية التشرذم ، ولصالح من ؟!! ان الأوضاع فى السودان اليوم فى مجملها شبيهة بتلك التى تدخل بسببها مجلس الامن لفرض تدابيره فى دول متعددة .. عدة اطراف فيه تطالب بالحكم الذاتى وتقرير المصير ، ويمكن ان تندلع فيه حرب اهلية فى اى لحظة ويحتمل ان تنهار فيه الدولة فى اى وقت على ايقاع العودة للعنف السياسى والفظائع الجماعية والانقسام المحتمل للبلاد ، اذن ما الذى يميز اوضاع السودان عن تلك التى قام فيها مجلس الامن بدور محورى استخدم فيه سلطات الفصل السابع لدوافع انسانية سواء فى الصومال او هايتي على الرغم من عدم وجود اى عدوان خارجى على الدولتين.؟ منذ قمته فى يناير 1992 غير مجلس الامن رؤيته للتهديد ، وبات تصوره للتهديد يتجاوز المصادر العسكرية الى عدم الاستقرار فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية باعتبارها تهديدا للسلم والآمن الدوليين ، وكلها تنطبق على الحالة السودانية .!! هل سيتفرج المجتمع الدولى على السودان ويتركه ينحدر نحو العنف وكانه يعيش وحده فى جزيرة معزولة ،آم سيضع استثناءً محددا لحالة السودان كبؤرة للنزاع المحلى ، علما بانه حتى لو كانت طبيعة نزاعه محلية الا انه يهدد بشكل ما الامن الدولى ، بعض الاصوات تقول ان حدة النزاع هى التى تبرر تدخل الاممالمتحدة، لكن هل هناك حدة اكثر من منع خروج الدواء من الميناء واستمرار الاضطرابات المدنية لأيام ؟ ألا يكفى أن معظم الأطراف المتصارعة قد وقعت اتفاقيات سلام مع الحكومة وتم خرق السلام ، أليست مسئولية الاممالمتحدة هى دعم الاستقرار والسلام من خلال تجنب النزاعات وإنهائها ؟ ألا يحتاج السودان لقرارات ملزمة بموجب الفصل السابع تتوخى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وتستخدم القوة من أجل إعادة السلام والاستقرار ؟ ألا يعد حديث الامين العام للامم المتحدة قبل أيام حول الوضع فى السودان مؤشرا على أنه أصبح مصدر قلق للمجتمع الدولى وأن النزاع الداخلى فى السودان بات يلفت انتباه المجتمع الدولى ، وألا يعد حديثه دليلا على التهديدات المحتملة التى تستلزم احالة صريحة من مجلس الامن ؟؟؟ أليس من شأن تدخل الاممالمتحدة بتفويض أن ينقل السودان الى مرحلة يكون فيها نموذجا لدول العالم ؟ وعلى الجهة المقابلة هل سيقول البعض ان تدخل الاممالمتحدة سيؤدى إلى تدويل الصراع متناسيا أن قضية السودان مدولة أصلا .وهل سبدعى بعض السودانيين عندما تأخذهم الهاشمية أن لديهم القدرة على احتواء مشكلات البلد وفى هذه الحالة هل هم حالمون ورومانسيون ام متوهمون ؟؟!! كان السودان فى حاجة لعملية وسيطة لبناء الدولة بصورة جادة عن طريق هيكلة مؤسساته وعلى رأسها الجيش ولو كانت سلطة البرهان وحمدوك قد انجزت هذا وحده لكفت السودانيين شر القتال ، حتى لو ادى ذلك لتمديد الفترة الانتقالية لعشرة اعوام وتأجيل المهام الأخرى بمافيها كتابة الدستور وإجراء الانتخابات !! السودان وبيئته غير الآمنة فى حاجة للفصل السابع وإن لم يوجد فليكن الفصل السادس ونصف الذى داعب به اللبنانيون قرار مجلس الامن رقم 1701 الخاص بدولتهم .. لدينا أرتال من الجيوش الخاصة فى حاجة لمن ينزع اسلحتهم وبسرحهم او بضمهم للجيش ، هذه الجيوش التى تجوب الشوارع حتى لو سارت العملية الديمقراطية فى السودان بنجاح نحو الانتخابات ماهو الضمان انها ستسمح بانتخابات آمنة وتقبل نتائجها اذا جاءت فى غير صالحها ؟ ولدينا مركز فاشل والله العظيم ينهض وحده مبررا لكى تتدخل الاممالمتحدة من اجل تسويته مع الارض !! ان التغيير الثورى يلزمه رجال أشداء يعملون كمنقذين لفرض النظام وانقاذ البلاد ، وحتى لا يطول انتظارنا لنوع هؤلاء الرجال ولكى لا ينفرط عقد الوطن ، سارعوا لطلب النجدة ، والخشية كل الخشية أنه اذا تباطأت حكومة الدولة التى يدور فيها النزاع عن طلب المساعدة من الاممالمتحدة ، أن تقوم اطراف داخلية اخرى بتخطيها والقيام بذلك، الآمر الذى سينشأ معه حتما صراع جديد بينها وبين الحكومة ما يجعل النزاع دوليا بحق هذه المرة.!! [email protected]