رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصحاب الخوذات الزرقاء واشكاليات السيادة .. بقلم: د. ماهر البنا/ الجامعة الأمريكية في الامارات
نشر في سودانيل يوم 25 - 05 - 2020

تشهد الأوساط السودانية هذه الأيام حملة إعلامية كبيرة تهاجم طلب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تدخل الأمم المتحدة لمساعدة السودان، عن طريق قوات حفظ السلام بموجب الفصل السادس من الميثاق، أي تعديل ولايتها من الفصل السابع إلى السادس, وتتهمه بتقويض سيادة البلاد بوضعها تحت وصاية المنظمة الدولية. وقد كان رد حمدوك على تلك الاتهامات بأن: «الأمم المتحدة موجودة في البلاد منذ أكثر 10 سنوات، والسودان يُدار حالياً من الأمم المتحدة تحت الفصل السابع». وأوضح: «ما فعلناه أخرجنا السودان من الفصل السابع إلى الفصل السادس وهذا يتيح للدولة السودانية، أن تطلب من الأمم المتحدة ما يمكن أن ينفذ في السودان بإرادة سودانية وليس بإملاء من الأمم المتحدة».( 1)
ولفهم التحديات المتعلقة بقوات حفظ السلام والتي تعرف أيضا بالخوذات الزرقاء، سنوضح بعض مفاهيم القانون الدولي المتعلقة بها مثل السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول, لمحاولة الرد عن التساؤلات التي تدور حول مفهوم السيادة: هل يمكن تبرير الموافقة على التدخل العسكري دون التنكر لمبدأي السيادة وعدم التدخل المنصوص عليهما في الميثاق؟ ويعد الثاني نتيجة طبيعية للأول. هل السيادة نسبية أم مطلقة؟ وعندما تكون حياة المدنيين في خطر هل تشكّل سيادة الدول عائقًا أمام حمايتهم الأمنية والسياسية؟ اذن هل يمكن اعتبار دعوة قوات حفظ السلام للتدخل ممارسة للسيادة أم تنازلا عنها؟
1-الأساس القانوني لعمليات حفظ السلام
تتكون قوات حفظ السلام من أفراد مدنيين وغير مدنيين (جنود، شرطة، وضباط عسكريين) تميزوا بخوذاتهم أو قبعاتهم ذات اللون الأزرق نسبة لعلم الأمم المتحدة. وهذه القوات عالمية لا بلد لها اذ ينتمي أفرادها لعدة بلدان أعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
لم يتضمن أي من الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة أي إشارة صريحة إلى عمليات حفظ السلام ، الأمر الذي جعل الأساس القانوني لعملها محلاً للخلاف بين المختصين في القانون الدولي، فذهب بعضهم إلى أن الفصل السادس من الميثاق الخاص بحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية يُعد هو الأساس القانوني لعمل قوات حفظ السلام الدولية في حين وجد آخرون الأساس القانوني لعمل تلك القوات في اختصاص مجلس الأمن في اتخاذ التدابير المؤقتة استناداً إلى المادة40 من الميثاق، التي يقصد بها الإجراءات التي ليس من شأنها أن تحسم الخلاف بين الأطراف المتنازعة، وليس من شأنها أن تخل بحقوق المتنازعين أو تؤثر في مطالبهم، كالأمر بوقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العسكرية، أو الأمر بالفصل بين القوات المتحاربة، ويملك المجلس هذه الصلاحية تبعاً لتفاقم الموقف (2)
وذهب بعض الباحثين في القانون الدولي إلى أن الأساس القانوني لعمل القوات يكون في الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، وأطلقوا على ذلك تسمية (الفصل السادس والنصف)، أي في حال عدم تسوية النزاع بعد استنفاذ الوسائل السلمية التي نص عليها الفصل السادس يتم تشكيل عمليات حفظ السلام الدولية لتجنب الأعمال العسكرية بموجب الفصل السابع. (3)
ويمكن القول بأن نقطة الانطلاق لأي مناقشة للإطار القانوني لعمليات السلام التابعة للأمم المتحدة هي أن سلطة القيام أو إنشاء مثل هذه العمليات تستند إلى السلطات الضمنية للمنظمةImplied Powers (4) اذ يتم إنشاء معظم عمليات حفظ السلام عن طريق قرار من مجلس الأمن - في بعض الأحيان بموجب الفصل السابع (أو جزئيا)، ولكن في كثير من الأحيان لا يتم تحديد أي فصل أو مادة. ويمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا أن تنشئ عمليات سلام باستخدام قرار "الاتحاد من أجل السلام" رقم 377 لعام 1950، ولكنها نادرا ما فعلت.
2- الفصلان السادس والسابع من الميثاق
يتناول الفصل السادس "حل المنازعات سلميا" وكانت عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مرتبطة بذلك تقليديا. ومع ذلك، لا يقع على مجلس الأمن أي التزام بالإشارة إلى فصل محدد من الميثاق عندما يعتمد قرارا يأذن بتطوير عملية لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، ولم يستشهد قط بالفصل السادس.
ويتضمن الفصل السابع أحكاماً بشأن "الأعمال في حالة تهديد السلام، وانتهاك السلام، وقانون العدوان" وفي السنوات الأخيرة، استشهد المجلس بالفصل السابع من الميثاق عندما أذن بنشر عمليات حفظ السلام في حالات غير مستقرة إلى حد كبير بعد انتهاء الصراع، حيث لم تتمكن الدولة من الحفاظ على النظام والأمن العامين. وعندما يستشهد بالفصل السابع في مثل هذه الحالات، لا يشير المجلس إلى الأساس القانوني لعمله فحسب، بل يدل أيضا على إرادة سياسية راسخة ويذكر أطراف الصراع وجميع الدول الأعضاء في المنظمة بالتزامها بإعمال قراراتها.
وتمثل عمليات حفظ السلام أولا وقبل كل شيء، أداة العمل السياسي والدبلوماسي لإدارة الأزمات الدولية اذ أن منطق هذه العمليات سياسي في المقام الأول وليس عسكريا. والمبادئ الأساسية هي: موافقة الدولة المضيفة، الحياد، واللجوء إلى القوة فقط في حالة الدفاع الشرعي.
3-السيادة
يمثل مبدأ سيادة الدولة حجر الزاوية في القانون الدولي وتعني سيطرة الدولة على اقليمها واستقلالها في مواجهة الدول الأخرى. وهي غير قابلة للتصرف Inalienable ولا يمكن انكارهاUndeniable أي أن قوتها ليست على المحك ما دامت الدولة موجودة. وللسيادة مظهران:
مظهر ايجابي ويعني سلطة الدولة العليا في ممارسة اختصاصاتها الداخلية والخارجية بما تمليه عليها مصلحتها، ومظهر آخر سلبي وهو استبعاد اي تدخل في دائرة الاختصاص الداخلي للدولة، وهذا الالتزام يلقي على الدول واجب قانوني دولي وهو عدم التدخل في شؤون الغير. وقد مثّل مبدأ عدم التدخل المظهر السلبي للسيادة المطلقة عند بداية نشأته اذ أنه يتقاطع مع مبدأ السيادة، فمما لا شك فيه أن لكل دولة شؤون داخلية لا تسمح لغيرها من الدول أن تتدخل فيها باعتبار أنها تمس سلطان الدولة.
وتسعى الأمم المتحدة من خلال التزاماتها الى تعزيز السيادة لا الى تحديها أو تقويضها، فقد كرست هذه المبادئ أيضا في قرارات الجمعية العامة مثل قرارها رقم 2526 في 24 تشرين الأول / أكتوبر 1970 حول " اعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، وفق ميثاق الأمم المتحدة". وتضمّن "الإعلان" سبعة مبادئ مهمة، أولها مبدأ امتناع الدول، في علاقاتها الدولية، عن اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لكل دولة، أو بأي طريقة تتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة. وثانيها المبدأ الخاص بواجب عدم التدخّل في الشؤون التي تكون من صميم اختصاص الدولة الوطني.
وتعتبر موافقة الدولة على التدخل العسكري- وان كانت مهمة صعبة - من مظاهر مساواة الدول في السيادة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة والنتيجة المنطقية التي تترتب عليه أن الدولة هي التي تتحكم في كل الأنشطة التي تتم داخل أراضيها.
يعتقد جانب من الفقه (5) ان تدخل قوات حفظ السلام بناء على دعوة من الحكومة الشرعية التي تمثل الدولة لا يتعارض مع سيادة الدول ولا يعتبر تنازلا عن السيادة، لأن مبدأ موافقة الدولة المضيفة يعد من أهم مبادئ عمل أصحاب الخوذات الزرقاء. وهذا ما نلاحظه من استقراء بعض قرارات مجلس الأمن الخاصة بتشكيل عمليات حفظ السلام، فقرار المجلس رقم 1320 لعام 2000 بشأن تشكيل العمليات في اريتريا واثيوبيا قد أكد على احترام سيادة هاتين الدولتين، فضلا عن اعلان موافقتهما على نشر قوات الأمم المتحدة لقواتها الخاصة بحفظ السلام على أراضيهما من أجل تسوية النزاع بينهما. وكذلك القرار 2043 لعام 2012 بشأن الوضع في سوريا والذي أوضح موافقتها على وجود قوات حفظ السلام على اقليمها، وقد أكد القرار على التزام الأمم المتحدة بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها. وقد استند مجلس الأمن في هذين القرارين بتشكيل تلك العمليات وعدة قرارات أخرى على الفصل السابع من الميثاق. وبالنسبة لأوبنهايم،(6) فإن وضع عملية حفظ السلام يختلف عن تدخل الدولة؛ فهو تدخل جماعي يصب في المصلحة العامة. وعلى هذا فمن الخطأ أن نتعامل مع أنشطة قوات الأمم المتحدة باعتبارها تدخلاً (وهو ما من شأنه أن يفرض موافقة الدولة المضيفة).
بالنظر في مضمون الفقرة السابعة من المادة الثانية (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ" للأمم المتحدة "أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع) , نجد أن هذا النص يمثل أحد أهم مبادئ الأمم المتحدة والتي تلتزم الهيئة باتباعها لغاية تحقيق مقاصدها. ووفقا لمحمد بنونه، فإن صياغة هذه المادة تقلص من اختصاص الأمم المتحدة، فنص الفقرة السابعة يعبر عن فلسفة المنظمة والتي تمثل اطارا للتعاون بين الأعضاء فهي ليست "دولة عظمى"، وانما كيان يربط جميع الدول ويعطي أساسا لمبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها المذكور في الفقرة الأولى من نفس المادة. وبناءا على ذلك، إذا تدخلت المنظمة في الجوانب الداخلية للصراع، فإنها تنتهك هذا المبدأ حتى لو حصلت، من أجل تنفيذ العملية، على موافقة الحكومة الشرعية. (7)
اذن فموافقة الدولة على نشر قوات حفظ السلام على أراضيها شرط أساسي لاستمرار هذه العمليات وفي غياب تلك الموافقة ينظر إليها باعتبارها عملاً عدوانيا، وهو ما من شأنه أن يعرض شرعية العملية للخطر جوهرياً.
الجانب السلبي لأصحاب الخوذات الزرقاء
بعد قبول دخول تلك القوات الدولة المضيفة يظل الرهان قائما على مدى فعاليتها. فمن مالي إلى السودان ومن لبنان الى قبرص ومن ليبريا الى الصحراء الغربية، مرورا بجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي، تعتبر بعض بعثات الأمم المتحدة غير فعّالة وملوثة بعدة انتهاكات. (8)
فإذا كتب النجاح لهذه الخوذات الزرقاء في بعض الحالات في إنفاذ اتفاقيات السلام وتركت وراءها دولا قادرة على إدارة الصراعات الداخلية دون اللجوء إلى القوة المسلحة، فإنها أثبتت في حالات أخرى عجزها وأتت بنتائج غير مرضية خاصة في الحالات التي لا يوجد فيها سلام يتعين المحافظة عليه دون أن تكون لمجلس الأمن ولاية مناسبة لإنقاذ تلك الصراعات.
وقد كثرت حدة الانتقادات المتعلقة بالفضائح الموجهة لهذه القوات خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا التحرش الجنسي والاغتصاب والفساد. (9) وسنقوم بذكر مثالين كانت تجربة أصحاب الخوذات الزرقاء فيهما سلبية، هما الكنغو وهايتي.
الكنغو
في عام 1960، أطلقت الأمم المتحدة أكبر بعثة لحفظ السلام في تاريخ المنظمة في ذلك الوقت، وقد كانت بمثابة بالون اختبار وتعتبر من أهم عمليات حفظ السلام، وبقوام يقترب من 20 ألف فردا عسكريا يساعدهم موظفون مدنيون دوليون ومحليون. ومن بين البلدان الثلاثين التي شاركت توجد 10 دول افريقية هي إثيوبيا، غانا، غينيا، ليبيريا، تونس، نيجيريا، سيراليون، السودان، مالي، المغرب. وقد خسر فيها 126 من قوات حفظ السلام والمئات من الكنغوليين حياتهم وكان رئيس الدولة لوممبا هو الذي خاطب الأمم المتحدة وطلب المساعدة.
ولقد استخدمت الأمم المتحدة سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية حين كانت مبرراً ومنعاً لها من اتخاذ إجراءات قسرية ضد بلجيكا (10),فبينما أكد الكونغوليون أن ما يحدث في إقليم كاتانغا قضية دولية بسبب تورط بلجيكا، أكدت الأمم المتحدة والدول الغربية أنها صراع داخلي لا يمكن أن تكون الأمم المتحدة طرفا فيه. وكان عجز مجلس الأمن عن الاعتراف بالنفوذ البلجيكي في كاتانغا سبباً في خلق توترات مع الحكومة المركزية الكونغولية، وخاصة لومومبا، الأمر الذي أعاق قدرة الأمم المتحدة الإجمالية على التوسط في الأزمة في الكونغو.
تسببت بعد ذلك قوات حفظ السلام في تدخل شبه دائم في الشؤون الداخلية للكونغو الشيء الذي أظهر تناقض فوري بين عدم التدخل والحفاظ على النظام العام، حيث إن هذا الأخير هو من صميم اعمال السيادة الداخلية للكونغو (11). وكشف عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ موقف حازم ضد مصلحة القوة الاستعمارية السابقة (بلجيكا), هيمنة المصالح الغربية على عملية صنع القرار في الأمم المتحدة على حساب استقلال الكونغو.(10)
هايتي
تعتبر بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي (مينوستا) والتي استمرت لثلاث عشرة عام 2004-2017 من الأسوأ في تاريخ عمليات حفظ السلام, فبالنسبة للعديد من الهايتيين، ولا سيما الذين يعيشون في أفقر الأحياء في العاصمة بور أو برنس، كانت الخوذات الزرقاء أقرب إلى قوة احتلال أجنبية من كونها بعثة دولية لحفظ السلام.(12) وظهر للعيان فقدان السيادة الوطنية متمثلا في رفض البعثة الانسحاب بعد أكثر من عشر سنوات من الوجود المستمر في البلاد.(13) وكثيرا ما كان يواجه أي طلب لسحب القوات من قبل دولة هايتي أو السكان المدنيين بالتجاهل والرفض.
وقد أدى انتشار الكوليرا، الذي أدخلته قوات حفظ السلام النيبالية دون قصد والذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2010 بعد أن لوّثت القوات أكبر نهر في البلاد بالنفايات من قاعدتهم، إلى مقتل ما يقدر ب 9500 شخص وإلحاق أضرار لا رجعة فيها، بسمعة المنظمة الدولية في هايتي. وقد شعر كثير من النقاد بأن الأمم المتحدة لم ترد بشكل كاف على تفشي المرض، الشيء الذي سعت المنظمة إلى علاجه في وقت لاحق. وكان "خطأ كبيرا لم يشوه فقط صورة أصحاب الخوذات الزرقاء بل أساء لصورة المجتمع الدولي"(14) على حد قول مارك شنيدر, مستشار كبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
وقد نظر العديد من الهايتيين إلى قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات على أنها إهانة للسيادة الوطنية، كما تم اتهامها بالتسبب في وقوع ضحايا مدنيّين بعد معارك ضارية مع العصابات في بورت أو برنس وبالاعتداء الجنسيّ على القاصرين.
د. ماهر البنا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
24/5/2020 دبي
المراجع
1)Gulf News, 30 April 2020
فرست سوفي:2013 الوسائل القانونية لمجلس الأمن في تدويل النزاعات المسلحة الداخلية وتسويتها ص 14بيروت – مكتبة زين الحقوقية2)
3) Alexandra Novosseloff, "Chapitre VII et Maintien de la Paix : Une Ambiguite a Deconstruire'', Bulletin de Maintien de la Paix, no. 100 Octobre 2010.
4)On implied powers of the UN, see Reparations for Injuries Suffered in the Service of the United Nations (Advisory Opinion) [1949] ICJ Rep 174
5) Jean Charpentier, "Les effets du consentement sur l'intervention'', in Mélanges Seéferiadès, Vol II, Athènes. P 4. 497.
6) Rosalyn Higgins, "Oppenheim's International Law- United Nations", Vol. 1 Oxford 2017.
7) Mohamed Bennouna, "Le Consentement a l'ingérence Militaire dans les Conflits Internes », 1974, Bibliothèque de Droit International, p. 120
8) Simon Metsenque, « QUEL BILAN POUR LES CASQUES BLEUS DE L'ONU EN AFRIQUE ?
https://www.cavie-acci.org/fr/quel-bilan-pour-les-casques-bleus-de-l-onu-en-afrique/
9)Sandra Szurek, "Pluie de critiques sur les casques bleues'', Le Monde Diplomatique, Janvier 2017, p. 21.
10)Nicole Hobbs, ‘'The UN and the Congo Crisis 1960", Yale University 2014, p.6
11) Paul-Henry Gendebien, "L'intervention des Nations Unies au Congo 1960-1964 ‘', 2011. Language Arts & Discipline pp. 203-204
10)Nicole Hobbs. Op. cit. p. 45
12) Alex Diceanu, " Haiti Deserves Better from the United Nations", Peace Magazine April 2006. https://www.globalpolicy.org/component/content/article/186/34470.html
13) Louis-Phillipe Dalembert, "La Perte de souveraineté nationale », Le Nouvelliste 12/1/2015https://lenouvelliste.co m/article/140250/la-perte-de-souverainete-nationale
14)UN Ending 13-year Military Peacekeeping Mission in Haiti. October 05/2017 https://www.voanews.com/americas/un-ending-13-year-military-peacekeeping-mission-haiti


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.