واشنطن لو لم يكتب عبد الكريم الكابلي ويؤدي إلا قصيدة "فتاة اليوم والغد" لكفاه مجدا وخلودا .. هذه القصيدة لا شبيه لها في مسار فننا الحديث وربما كل المنطقة حولنا .. هي لوحة فنية غير عادية كتبها فنان غير عادي .. يمتلك كل الأدوات الفنية التي تمكنه من انتاج مثل هذا العمل الذي سيظل عملا فريدا بين التراث الفني السوداني .. اختار الكابلي قالبا فنيا يعكس مقدراته اللغوية إلى جانب قدرة التلحين والمسرح والدراما بما ضمن القصيدرة شيئا من لغة الحوار وتبادل الافكار بين شباب الجنسين .. فقد بدأت القصيدة بزيارة من صوت عجيب داعب خيال الفنان كابلي فيما يشبه الاحلام .. وقد تساءل مندهشا عن حقيقة هذا الصوت النقي الطاهر الذي ينشد الجمال والكمال ويشيع النور في عتمة الظلام .. وسرعان ما جاءت الاجابة: إن الصوت الفريد ما هو إلا صوت فتاة اليوم والغد ابنة النور التي توشحت بنور العلم فزادها بريقا وسنا .. ربما لا يعرف الكثيرون أن كابلي بذلك وبما لديه من الخيال والرؤى الفنية وبما تضمنته القصيدة من اشارات قد تنبأ تماما بدور المرأة ولفت النظر إلى مقدراتها في ريادة التغيير .. وقد أثبتت الايام صدق نظرته فكانت المراة زغرودة الثورة الشبابية وأيقونتها مما أعاد الى أذهان العالم ودولة فرنسا بالذات امجاد الثورة الفرنسية والنقلة التي احدثتها في تاريخ الامم .. لذلك احتفت الامة الفرنسية ورئيسها ماكرون بالثورة السودانية ممثلة في أيقونتها آلاء صلاح وصائدة البمبان رفقة عبد الرحمن التي اصبحت شجاعتها وجرأتها مصدر إلهام لوزير خارجية بريطانيا دومينيك راب ... تغنى كابلي بذلك في منتصف القرن الماضي في منظور مستقبلي لدور المرأة وإلا ما معنى ودلالات أنشودة – فتاة اليوم والغد – وما مغزى ذلك الحوار الذكي بين فتاة "النصف الذي حوى كل المعاني" وشباب الغد الذي طلبت منه جوابا على سؤال: يا شباب الغد اسمعني جوابا يقتنيه الجيل في الدنيا كتابا وكان الجواب من الشباب : إن عزمي من فتاتي مستمد فهي ذاتي ومرآة لصفاتي كل خير في حياتي لك آت لك آتي فاطمئني يافتاتي وتنتهي القصيدة الملحمة الملهمة باستشراف المستقبل لتتحد اصوات الشباب من الجنسين في أقانيم علوية: كل ما فات يُرتجى قد سلمنا من الزلل فلنعد ولتعد بنا سنة الله في الأزل فلنعد ولتعد لنا فرحة العيد والأمل سوف نرقي سلم المجد رقيا ونفيض العلم ينبوعا رويا وننادي لتلاقينا سويا ونشيد العلم صرحا أبديا نحو سودان جديد هذه القصيدة بما حوت من طموح ونبل ظلت حافزا ومازالت تلهم وتحفز الجيل الجديد بما تحويه من عناصر الطموح والامل في مستقبل مزدهر .. والآن والبلاد في مفترق من الطرق تقوم فتاة اليوم والغد مرة اخرى بالدور الذي هيأته لها الاقدار لاستمرار الثورة وهزيمة الاصوات الخائرة التي تجلس في مقاعد المتفرجين .. فما أحوجنا في هذا الظرف العصيب أن نتشبع بالقيم النبيلة التي حواها هذا العمل الفني البديع .. وهكذا قام كابلي وحده نيابة عنا جميعا بتوقير وتمجيد هذا الانسان الذي اودع فيه الخالق العظيم مسؤولية بث أكثر من سبعة بليون نفس الى حياة هذا الكوكب منهن الام والاخت والزوجة .. غير أن حواء السودان وقفت ومازالت تقف مثالا فريدا يحق لكل نساء الدنيا الافتخار به والانتماء اليه فاستحقت هذا التكريم والتخليد بعبقرية فنان كبير مثل الكابلي متعه الله تعالى بدوام الصحة والعافية .. ومازال الشباب الذي تنبأ به الكابلي داوي الصوت معلنا: نبني مجدك يا وطن والردة مستحيلة" ولسان حاله كما المتنبي: لتعلم مصر ومن بالعراق ومن بالعواصم أني الفتى وأني أبيتُ وأني وفيتُ وأني عتوتُ على من عتا وما كل من قال قولا وفى ولا كل من سيم خسفا أبى ومن يك قلب كقلبي له يشق إلى العز قلب التوى [email protected]