حكاية جاكسون اشتعل أوارها كثيفا يعمي البصر والبصيرة منتشرا في وسائل التواصل الإجتماعي كنبت شيطاني .. كالعادة صار يرددها الكثير من رواد غابة الواتساب ولا يسأل أحد عن صحتها وأصلها تماما مثل ما يردده البعض عن كسل السودانيين .. والسؤال الذي ينبغي أن يسأل: اين النص الإنجليزي الذي يوثق لهذا؟ انها تمثل بجدارة – حتى لو صحت – فقرة من كتاب جلد الذات .. والذي اعرفه ان الاداريين الانجليز كتبوا مجلدات عن تجربتهم الادارية مع السودان وشعبه وكلها ايجابية .. ومن شدة احترامهم للسودان قرروا أن يكون البلد الوحيد الذي حكموه أن لا يكون تابعا للمستعمرات وإنما لوزارة الخارجية .. كما قرروا أن لا يعمل في ادارة السودان إلا الصفوة من خريجي جامعة اكسفورد وكمبردج .. وقد تعرض الطيب صالح لذلك في مقالات "نحو أفق بعيد" في مجلة المجلة التي نشرتها بيروت في عشرة كتب مفصلا أسماء الكتاب عرضا موجزا لشهاداتهم الموثقة لتجاربهم الإيجابية التي عمت كل ربوع البلاد .. لست هنا بصدد دحض ما ردده الإنجليزي جاكسون لأنه حتى لو صح أنه قال ذلك هل من الصواب التركيز على رأي واحد لتكوين فكرة عامة عن شعب كامل بكل مكوناته الثقافية والعقدية وإهمال كثير من الآراء الأخرى؟ وحتى لا نكون مثل العميان الذين تلمسو الفيل فاعتقد أحدهم أنه ذنب والآخر أنه خرطوم إلى آخر القصة المعروفة .. ولكن ماذا نفعل مع طبيعة الإشاعة وقدرتها على التمدد والانتشار؟ ينسب إلى الكاتب الأمريكي مارك نوين في هذا الصدد أنه قال فيما يمكن ترجمته ب: : "الكذبة تتمكن من الطواف حول أرجاء العالم بينما تحاول الحقيقة إرتداء حذائها" ! إذن هل من الحكمة ترويج وإعطاء المصداقية لهذه المقولات بعد أن بثت ثورة الشباب روحا جديدة أسكتت الأرواح الخائرة المهزومة تمهيدا لروح البناء الطموح والأمل تماما مثل ما تنبأ به الفنان العبقري عبد الكريم الكابلي عندما قال في أوبريت فتاة اليوم والغد: يا شباب الغد اسمعني جوابا يقتنيه الجيل في الدنيا كتابا وكان الجواب: إن عزمي من فتاتي مستمد فهي ذاتي ومرآة لصفاتي كل خير في حياتي وتمضي الفكرة: سوف نرقي سلم المجد رقيا ونفيض العلم ينبوعا رويا وننادي بتلاقينا سويا ونشيد العلم صرحا أبديا نحو سودان جديد أما يخجل المنهزمون من الشباب الذي ضحى بالروح من أجل الوطن؟ .. المتوقع من والمحري في قادة الفكر والثقافة هو فهم الواقع مهما كان سيئا بهدف تغييره وليس ببث الإحباط واليأس فيما لا تقره قيم ولا دين .. إن المستقرئ للتاريخ الوطني يجده زاخرا بما يحفز الى الانجاز والاصلاح بدل الاحتفاظ بما قاله جاكسون من الناس كأنه قرآن يتلى ! المثقف الوطني المسؤول لا بد أن يدري ويلتزم بوعي شديد ان هذه اللحظة ليست نهائية وإنما هي نتاج الماضي لتؤدي إلى مستقبل أفضل . إذن يتوجب علينا صياغته وتشكيل الغد ايجابيا مستفيدين من تراكم الخبرات وليس الحل هو الاحتفاء بالسلبيات وترويجها وترديدها مثل ببغاء عقله في أذنيه !!