على سبيل التوطئة لمقالتنا (على مَذْبَح الوطن)، أفلتت مني عبارةٌ زعمت أنَّهُ.. ما ينبغي لفيلسوفٍ أن يَتَرَدَّى إلى القاع المزدحم بالعُوَام، فيتوَرَّط في نَظَرٍ في الشأْن السياسي الذي هُوَ شأن العقول الصغيرة والمتوسطة، والأراذِلِ مِمَّن تَلِد النساء !. ألا للهِ دَرِّي ، وكم للهِ دَرُّها من فكرةٍ كشفت عن ساقَيْها ، فإذا هما من سُوَرِ الحقيقةِ آيَتَان. الآيةُ الأُولَى ، أنَّ السياسة أُنْثى في سِمَتِها الطبيعية. وفي ألآيةِ الأُخْرَى مقروءةً مع الأولى ، هي كالزواج في خصيصتها السيكولوجية الاجتماعية. فالزواج هو موتُ الروح لكل نفس حُرَّة مستقلة ، وكذلك السياسة. والزواج يجعلُك تتحلَّل لدرجة الفساد وفقدان الظل ، وكذلك السياسة. والزواج يُهَشِّمك كما يُهَشَّم صرصور ويقتل في دواخلك القدرة والطاقة والإبداع الأصيل، وكذلك السياسة . الزواج يحول بينك وبين هِمَّتك في تحقيق مهمتك الوجودية في اكتشاف مواهبك وتحقيق ذاتك وإدراك معنى حياتك ومغزى وجودك ، وكَذَلِكُم السياسة. في السياسة ، وفي الزواج يكُونُ لك أولاد يبتَزُّون وجودك ويحرفونك عن المسار. يستنزفون مقدراتك وطاقاتك ومُمْكِناتك ومواهبك ، يأكُلُونك لحماً ثُمَّ يَرمُونَك عظماً. والمُضْحًِك المُبْكِي أكثر من ذلك أنَّ هؤلاء الأولاد قد لا يكونون منك أنت. إنَّ كثيراً جداً من الأبناء ليسوا من آبائهم المفترضين. يبدو هذا بديهياً لكن القدرة على اعتماده كحقيقة وقبولها والعمل بموجبها هي المحك. مثل هذه القدرة لا يتوفَّر عليها إلا راسخ في سيكلوجية النسوة أو فيلسوف. وهذا يُفَسِّر السر في جُزْءٍ من السر فيما لماذا الفلاسفة لا يتزوَّجُون. بالنتيجة، فلا يعلم إلا الله كيفَ خلقَ ويخلق هؤلاء السياسيين وأُولَئِك النسوة أحجاراً يطوفون بالأحجار. حكى ابنُ عربي في محاضرة الأبرار حكاية عن الجنيد ، قال فيها: نزلتُ ذاتَ مرّة وحيداً بمكة، فلما جن الليل دخلْتُ أطوف، فإذا بجارِيةٍ تطوف. قالت: تطوفُ بالبيت أم برَبِّ البيت ?. قُلْتُ : أطُوفُ بالبيت. قالت: سُبْحانَك ما أعظمَ شأْنك، خَلْقٌ كالأحجارِ يطوفون بالأحجار. [email protected]