نترحم على شهداء مليونية الأمس 17 يناير وكل شهداء الثورة ونتمنى الشفاء للجرحى . الليلة الواحد ما عارف يقول شنو أو يكتب شنو بعد الاجرام اللي شفناهو ده . وعندما يبلغ بنا الصراع النفسي مبلغه كسودانيين لا نجد إلا لهجتنا المحلية لنهرب بها من عنف الواقع وألم الصراع النفسي . نحن نتبع في ثورتنا منطق جيل مختلف وهم على الأرض وليس نحن ، لكننا كنا عايزين تنتصر الثورة بصفر خسائر خاصة في الشباب . يبدو أن منطق الشباب ومرحلتهم وفهمهم للأحداث تتبع اسلوبا آخر وهو المواكب السلمية ولا يريدون الحياد عنها ، لكننا لسنا في دولة متحضرة تواجه المواكب بخراطيم المياه على اقصى تقدير بل نحن في دولة همجية بربرية وفاقت بربريتها كل تصور كنا نعرفه عن كلمة همج وبربرية ، لذلك كان منطق جيلنا نحن وفهمنا للسلمية لا يستبعد استخدام قنابل المولوتوف مثلاً ولا يعتبرها خروجا عن السلمية وانما دفاعا مشروعا عن النفس . وقد لا يرى شبابنا ذلك صحيحا اليوم . وقد لاحظنا إبان ثورة ديسمبر أن متظاهري دارفور كانوا لا يخرجون إلا والعصي الغليظة في أيديهم (والراجل خليه يصلنا) . هذا مفهوم آخر للسلمية أتفق معه جداً . الأنظمة الديكتاتورية في تاريخ السودان هي التي أدخلت العنف إلى دائرة الصراع (ويجب أن نتبع لحد ما المثل الذي يقول على نفسها جنت براقش). وإن كان عنف الديكتاتوريات السابقة أكثر رحمة مما نراه اليوم حتى وإن كانت له ضحايا فهو على الأقل لم يتفحش في عنفه كما نرى اليوم . في احداث الأحد 6 ديسمبر 1964 بين الجنوبيين والشماليين خرجنا بمظاهرات في شمبات وحدث الآتي : جاء كومر البوليس . ونزل منه حوالي 12 شرطي . يحملون بنادق الموريس أبو خمسة طلقات . (مش قناص ودوشكا وكلاش وبمبان) . يتقدمهم قاضي في لبسه الرسمي . يحمل مايكروفون . خاطبنا به بالتفرق. كانوا يقفون على بعد حوالي 20 مترا من المظاهرة. القاضي قال سأعيد الأمر بالتفرق مرتين بعدها سآمر بإطلاق النار في الهواء فوقكم. (لاحظ في الهواء). هنا لاحظت أن كل عسكري عمر البندقية بطلقة واحدة (يعني كانت ما معمرة) وطلقة واحدة . ناقشنا القاضي وقلنا له نريد حماية بيوتنا واعراضنا لذلك نريد دوريات شرطة في شمبات. قال لنا لا نستطيع توفير دورية لكل حي . (لاحظوا بنكلم قاضي مش ضابط). قال لنا شكلوا دوريات منكم احرسوا نفسكم لا تعتدوا على جنوبي وإذا قبضتم أحد سلموه لنا . دوت المظاهرة بالتصفيق. امر القاضي الدورية بالتراجع فركبوا الكومر. لم نهتف لهم فقد كنا نعرف واجبهم (الشرطة في خدمة الشعب). شكلنا دوريات ليليلية ونهارية. العبرة : الدولة المدنية هي دولة المواطن وتحمي المواطن. ودولة القانون فالقاضي (النيابة العامة) تتقدم الشرطة. ودولة الاحترام المتبادل بين السلطات . الآن نحن نتبع منطق هذا الجيل وقد نرى أخطاء في تجربتهم لكن لا حيلة لنا ، حتى وإن رأينا بعض الأخطاء الخطرة على الشباب فلا نستطيع فت عزيمتهم لكننا الآن ننصحهم . حدث ذلك في نيكاراجوا بين جيل الساندينستا وجيل الشباب . فشلت تجربة الساندينيستا للنضال المسلح فاستلم الشباب الراية . ماذا فعلوا : غيروا علم النضال المسلح وحملوا علم نيكاراجوا الوطني . تبنوا اسلوب العصيان المدني والمتاريس في مداخل المدن . (كانت المتاريس من الصخور وجذوع الأشجار يتمترسون خلفها). كانوا يحمون المتاريس في مداخل المدن ببنادق محلية الصنع تطلق باروداً لمسافة قصيرة (يعني تحذيراً لا تقترب من المتاريس). كان دور جيل الساندينيستا (العجائز) المرور على الشباب في المتاريس والقاء محاضرات وتزويدهم بنصائح هامة وتصحيح التمركزات وتشجيعهم على الصمود . بعد مدة قصيرة حرر الثوار الشباب ثاني اكبر مدينة في البلاد (مسايا). كانت لهم جداول مناوبات على التروس لحراستها حسب دوام الدراسة أو العمل الضرَوري لكسب العيش فالعصيان المدني مقاطعة للحكومة وليس اضرابا عن الطعام والحياة. وهذا ما دعونا له باستمرار (قاطعوا الحكومة ولا تقاطعوا انفسكم). عندما كنا ندير عصيان 27 نوفمبر و19 ديسمبر 2016 في اللجنة القومية للعصيان المدني والتغيير (خلاص) كوننا جهات داعمة من المغتربين للأسر المحتاجة بالسودان ووقتها دعونا لتكوين لجان الأحياء فكانت أول دعوة لتشكيل اللجان . وحيث أن اللجان قائمة الآن فإن الموضوع أسهل بكثير والدعم يمكن أن يصل الأحياء بسهولة ، فنحن ندرك أن بعض الأسر ستحتاج بالتأكيد للدعم. المقاومة (المدنية) (العصيان المدني) يمكن أن يسقط أعتى حكومة ديكتاتورية فقد أسقط عبود في أربعة أيام وأسقط نميري في تسعة أيام مع الفارق بين تلك الأنظمة ونظام البرهان حميدتي فقد كانت تلك الانظمة تستند على خزينة مازالت معافاة وليست منهوبة وفارغة كاليوم. ولم يقف المجتمع الدولي معنا كوقفته اليوم مؤيداً. أرجو أن يستمع الشباب لدعوة العصيان المدني ولكن بالشروط الآتية : أن يكون مفتوحا ولا يرفع إلا بسقوط النظام تماما وترفعه حكومة الثورة المدنية. لا يوجد عصيان محدد بأيام فسيكون فاشلا حتماً وقد يكسب النظام بعض العافية والثقة.. ألا يرفع العصيان بدعاوى الحوار ، مهما كانت درجة مشاركة بعض الفئات فيه (تذكروا كيف كان الاعتصام يشكل قوة ضغط على المجلس العسكري حتى أضطر لفضه) . أن يختفي كل الناس بالبيوت إلا للضرورة القصوى . في ابريل ظلت الكهرباء والماء مقطوعين طوال فترة العصيان وكنا نشرب من النيل. طوارئ المستشفيات تعمل بمتطوعين من صغار الأطباء وخدمات الولادة وغسيل الكلى وجرعات الأورام تستمر كما هي . مقاطعة أي تعامل مع الدولة وتأجيل المعاملة طالما فيها توريد رسوم للدولة. تحويلات المغتربين لا تتم عن طريق البنوك وكلنا نعرف كافة البدائل . لا تسمح بوصول أي وقود من الميناء للداخل لابتفريغه ولا بشحنه ولا قيادة تانكر وقود وستتوقف مركبات الموت للشرطة والأمن والمليشيات في زمن وجيز. عندما تكون الدعوة للعصيان جادة ويتبناها الجميع سننشر تباعا تجربتنا وسنكون مع العصيان ليل نهار . جنب الله شبابنا من لا يخاف الله فيهم ولا يرحمهم . [email protected]