النظام إستنفد من الوقت ما يجعل الجسم يطرده، مثل شوكة أدمته وتعفنت داخله. لكنا، لن نأبق من سلطان الشعب، وسنكرر إننا لن نيأس من لحظة وصول ردة الفعل الجمعي، وهي اللحظة التي تتوج الفعل السياسي الثوري وتعلن ميلاد إنتفاضة التغيير ثم ماذا بعد أن تواصل الحكومة إنكار وتكذيب الأخبار المتواترة عن الإحتجاجات الشبابية، وتنفي توجيهها لأجهزتها الأمنية بمواصلة حملات الإعتقال التي داهمت بها البيوت وتعدت فيها على قلوب الأمهات والأطفال، مشهرة سلاح الحكم بكل جبروته، بطريقة لو سئل السائل عن دواعيها لما إستطاع إلى ذلك سبيلا! ثم ماذا بعد أن سيطرت القلة ردحا من الزمان، ومؤخرا بدأت هذه السيطرة في التخلخل، هل يواصل الجميع التفرج على خشبة الحياة وهي تتهاوى في كل السودان؟. كل الشواهد تقول أن المواجهة المفضية للتغير آتية لا ريب فيها. لكن، نظام الإنقاذ يعمل بكل طاقته وإمكانياته من أجل تأجيل هذه المواجهة، متفننا في إستخدام مجموعة من الآليات، مثل: التكذيب وطمس الحقائق، القمع وتكبيل الرأي الآخر، التفاوض المفتوح الشهية ما دام سيفضي للمزيد من الفترات الانتقالية يظل النظام، خلالها وبعدها، هو المسيطر....الخ. فإذا أخذنا الآلية الأولى، وهي آلية التكذيب، سنجد أن النظام يتحدث عن مخربين، دون أن يذكر أي معلومة حول التخريب نفسه، وينفي وجود معتقلين سياسيين، ويهاجم تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية التي تتحدث عن الانتهاكات في السودان، مقسما بأغلظ الإيمان أنه يسير وفق هدى حقوق الإنسان في الإسلام!! وآلية التكذيب تتبعها، بالضرورة، مغالطة تصلح لفبركة الأحداث المعروفة للجميع (أجندة خفية (......)، ومخطط مشبوه) لرفض الزيادات والتقشف “الشعبي"، لأن أي فرد من أفراد النظام لو تخلى عن (حر ماله وممتلكاته وإستحقاقاته) تصديا للأزمة، كنا سنفكر في عسى ولعل! والحكومة تمتهن حرفة التكذيب والإنكار معتمدة على سيطرتها على الإعلام، وعلى الآلية الأخرى التي تعمل في ذات الوقت وفي ذات الاتجاه، وهي آلية القمع وتكبيل الرأي الآخر، بدءا من الرقابة القبلية على الصحف مرورا بالاعتقال والعنف المفرط تجاه المظاهرات السلمية، وإنتهاءا بوضع كل ذلك في خانة التفلت وتخريب ممتلكات المواطنين والممتلكات العامة!! والآليتان تعملان في تناغم تام مع الآلية الثالثة، عبر حراك يتم في الخارج من أجل جني فوائد المصالحة مع دولة الجنوب، بترولا ورضا المجتمع الدولي، ومن أجل البحث عن شراكة جديدة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، بهدف أن تلوح هذه الشراكة لعيون الشعب بأمل زائف في التغيير. وبالتالي، تكسب الإنقاذ مزيدا من الوقت لحلحلة أزمة الحكم وتأجيل المواجهة مع الشعب. وهكذا، تسعى الحكومة لإخراج كل ما في جرابها حتى تحافظ على كنكشتها على كراسي السلطة. أما الحراك الجماهيري، وهو الطرف الثاني في معادلة المواجهة، فيقع تحت رحمة آلية القمع وتجاهل الإعلام الرسمي والمغالطات التي ينشرها النظام ليقول إن الوضع هادئ. لكن، هذا الطرف ليس مجرد متلقي، أو سلعة تتنافس الحكومة والمعارضة لشرائها كما يحاول النظام تصوير ذلك. بل هو مشارك أصيل في هذه اللعبة، ولحظة أن يقرر تغيير المشهد سيفعلها وسيكون أعظم مخرج، مثله مثل بقية الشعوب الأخرى. ما يبدو عصيا على التفسير، حول لماذا لا يتحرك الشعب السوداني لينهي هذا العبث بمستبقل الأجيال، ولماذا لا يتحرك الشعب والنظام وطأ على كل ما هو سوداني وإنساني، ونهب كل شيئ، وأفقر وعذب وشتت ؟:...سيقول كثيرون إنه حتى إذا كان رد الفعل الجمعي لا يتخلقن بسهولة، فالنظام إستنفد من الوقت ما يجعل الجسم يطرده، مثل شوكة أدمته وتعفنت داخله. لكنا، لن نأبق من سلطان الشعب، وسنكرر إننا لن نيأس من لحظة وصول ردة الفعل الجمعي، وهي اللحظة التي تتوج الفعل السياسي الثوري وتعلن ميلاد إنتفاضة التغيير. فإذا كنا قد غنينا للمطر ونحن صغارا، ودقينا على الصفيح حتى تعدل الشمس عن كسوفها، فلن نعجز عن فتح كل المنافذ، حتى يسود الوعي، مستخدمين المعلومة المنطقية والتفاسير المنطقية ورفع درجة الحساسية تجاه أقوال الآخرين، وتجاه المسائل المتعلقة بالحرية والكرامة، وإثارة الأسئلة حول كيف يعامل المعتقلون السياسيون، وكيف يحاكمون، ومن الذي يحاكمهم، ولماذا يمنع عن أهلهم معرفة أماكن إعتقالهم. وكذلك إثارة الأسئلة حول إستمرار الحرب الأهلية في البلاد ولماذا في كل مرة تجهض إمكانيات إطفاء نيرانها، وحول إدارة الإقتصاد في البلاد، وحول الفساد، وحول تفاصيل التفاوض مع دولة الجنوب، وحول مصب أي عائدات للبترول سيتم الإتفاق حولها. وأيضا الأسئلة حول إرهاصات التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وهل ستقود هذه المفاوضات إلى حلول جذرية أم حلول قشرية تهيئ المكان لإنفجار قادم؟ وقبل كل ذلك، السؤال الرئيسي حول لماذا تعود رؤساء هذا الزمن على مقارعة شعوبهم ويرفضون التنحي الآمن؟ يحكى أن في نيكاراجوا، ذلك البلد الصغير في أمريكا الوسطى، كانت البلاد ترزح تحت نير حكم شمولي مطلق على رأسه ديكتاتور دموي يدعى إنستازيو سوموزوا. ظل سوموزا يذيق شعبه الويل والأمرين، وكانت الجماهير المسحوقة تسعى لإختراق جدار الشمولية عبر عدة محاولات، في حركة صعود وهبوط، حتى تمكنت من تنظيم تحالف جبهوي واسع بإسم جبهة ثوار الساندينستا. خاضت جبهة الساندنيستا نضالا طويلا، سياسيا وعسكريا، حتى تمكنت من دحر الديكتاتورية ودخول عاصمة البلاد، ماناجوا في 19 يوليو 1979. وخرجت ملايين الشعب النيكاراجوي معبرة عن فرحتها بإنتصار الثورة. لكن بعد أقل من عامين من إنتصار الثورة، إندلعت حرب أهلية في البلاد عندما شنت مجموعات الكونترا، أي تحالف فلول النظام القديم والمجموعات المتضررة من سياسات نظام الساندنيستا، مدعومة بقوة من الولاياتالمتحدة الأمركية التي قالت آنذاك أنها لن تسمح بقيام كوبا جديدة في المنطقة، شنت حربا ضروس ضد نظام الساندنستا الجديد، ولم تتوقف الحرب إلا بعد مفاوضات مضنية كللت بإتفاق وقع بين الأطراف المتحاربة في أواخر الثمانينات. وبموجب ذلك الإتفاق، أجريت إنتخابات حرة حقيقية في فبراير 1990، وخسرتها جبهة الساندنستا التي كانت في الحكم! لم يرفض الساندنستا نتيجة الانتخابات، ولم يقولوا نحن الذين دحرنا الديكتاتورية وقدنا ثورة الشعب حتى الانتصار وبذلك نحن الأحق بالحكم، ولم يعودوا إلى حرب العصابات، بل إستمروا في المعارضة ومراجعة نهجهم عندما كانوا في الحكم، وظلوا ينظمون الجماهير الشعبية، ويخوضون الانتخابات التالية، ويخسرون!! إلى أن جاء العام 2006 حيث إنتخبهم الشعب وتبوأ قائد الجبهة، دانيال أورتيقا، منصب رئيس الجمهورية. الميدان