إلى شباب الوطن … الجيل الثائر الذي يلاقي الذخائر الحية عاري الصدور .. خالي الأيادي … يحملون في قلوبهم (السودان الجديد) … أنا في خريف العمر فوق الستين … عاصرت كل الأجيال العتيقة … منذ فجر الإستقلال حين كنت صبياً يستوعب ما يدور حوله … أنا أحدثكم عن واقع ما عايشتموه … ربما سمعتم عنه … وليس من سمع كمن رأى . استلمنا سوداننا من المستعمر بصحة وعافيه … البشر مهندمون فرحون … الشوارع نظيفة مرصوفة … مشروع الجزيرة مثل آبار النفط الآن … كانوا يطلقون على مساحاته الخضراء البيضاء (الكويت) … كان مزارعوه أثرياءَ مترفين … السكة الحديد كانت تنسج السودان على اتساعه … شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً … وسطاً وأطرافاً … تواصلاً ونقلاً واندماجاً وامتزاجاً وانسجاماً بين مكونات الوطن . النقل النهري كان ذا شأنٍ وعنفوان … الخطوط الجوية السودانية كان يشار اليها بالبنان … جامعة الخرطوم وبخت الرضا كانتا مفخرةً يعتز بهما … وأقسم بالله … كثير من السلع التي نجدها الآن على رفوف (مولات) دول الخليج … كانت عندنا في ذلك الزمن البعيد … كرة القدم … فن الغناء … الرسم … الشعر … جميع منابع الإبداع كانت (تطلق الضهر) … تأملوا الآن … انظروا في كل ماذكرت … جميعها بلا استثناء … تدركون … غالبيتها قد أغتيل عمداً … وأضحى كومة من عظام . والقليل المتبقي منها يحتضر وحيداَ بلا تطبيب أو غرف إنعاش … أليس ذلك بالمنطق والواقع الذي لا تتناطح عليه عنزتان هو الفشل الذريع؟ أجيالنا أيها الشباب … هي أجيال الفشل … بياناً بالعمل فشلت أجيالنا . ليس في تقدم الوطن بل واخجلتاه في مجرد المحافظة عليه في مكانه … كما استلمناه من المستعمر … فقد رجعنا به للوراء سنيناً ضوئيةً بحساب تطور الأوطان … حطمنا كل ما تسلمناه … تلك حقيقة ماثلة لا ريب فيها … يحققها موقع السودان حالياً بين الأمم . الأجيال منذ الاستقلال حتى جيلكم الثائر بين ظهرانينا … قد فشلت … ونتيجة فشلها يراها العميان ويسمعها الصم من وراء جدار … من ما تقدم فإني أوجه ندائي لشباب الوطن … بجميع سحناته … وقبائله … ولهجاته … فصاحاته ولكناته … مسلمين ومسيحيين … وبلا دين … أن تكاتفوا يا أبنائي … غرباً وشرقاً شمالا وجنوباَ… في البادية والحضر … والمغتربون خارج الوطن … أنتم في مركب واحد إسمه (السودان) … إن غرق غرقتم جميعكم … وإن أوصلتموه الى شاطيء السلامة سلمتم جميعكم… أليس هذا صحيحاً …؟! لا تنخدعوا بقبيلة أو لون أو دين … المسلم والمسيحي واللاديني … أهل الغرب وأهل الشرق … الشماليون والجنوبيون … كلكم سودانيون … أليس هذا صحيحاً ؟ . إذاً عضوا على ثورتكم بالنواجذ … توحدوا … كونوا سودانيين فحسب … يصهركم حب السودان في بوتقة واحدة . ويقودكم نحو هدف واحد … (تأسيس سودان جديد يليق بكم … يرفع رؤوسكم بين الأمم) … لا تستمعوا لمن يحاول تثبيط هممكم … تارة بعاطفة الدين … وتارة بنعرة القبيلة … فلو أنهم يعرفون الدين … فمن أول ما أسس النبي صلى الله عليه وسلم دولته ، كان بمحاربة النعرات القبلية … والتمييز باللون وحتى الجنس . ونداء لأجيال الفشل وأنا منهم … بالله عليكم … ارفعوا أيديكم عن شباب الوطن … اعطوهم فرصة ينهضوا بهذا البلد … ماذا تريدون ؟ وطناً أوصلتموه الى الدرك الأسفل … أم وطناً يعيش فيه أبناؤكم وأحفادكم عيشاً كريماً يليق بالسودانيين بين الأمم ؟ ماذا تريدون وقد استلمتم دفة السودان … حكاماً وموظفون وعاملون … وهاهو السودان يشرف على الغرق ؟! بالله عليكم دعوا هؤلاء الشباب وشأنهم … عسى الله أن يغفر لنا ما فعلناه بوطن عزيز … وشعب أصيل … تحدثت بأصالته وفضائله شعوب العالم … أليس حراماً وطن كهذا … أعطاه الله من النعم ما لا يحصى … يجوع أهله ويعطشون؟ ويا أيها الشباب … الشمال والجنوب والشرق والغرب … امسكوا دفة الوطن … أحبوا بعضكم … أنتم إخوة في الله وفي الرحم والدم والوطن … حافظوا على بعضكم … حافظوا على ثورتكم … أسسوا سوداناً عزيزاً يليق بكم … ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تفعلوا … 30 / يناير / 2022 [email protected]