ليس مستغربا أن يسير الانقلابيّون في ذات درب الهالكة الإنقاذ، هم منها وإليها، ولكن سوء تقديرهم أودى بهم إلى أكثر طرقها وعورة والتي ستكون نهايتها نهاية مغامرتهم. عندما يتم تحييد وزارة الخارجية (أياً كان وضعها حالياً) ويتم تحييد ما يسمى بالمجلس السيادي (الكيان الديكوري في منظومة الانقلاب) ويكون الدافع الحقيقي مرتبطاً بمصالح وأعمال وطموحات الرجل الذي يمثل دولة داخل الدولة، واستغرب هنا لطاقم مستشاريه والرجل كما يتردد قد اشترى فيما اشترى طاقما من المستشارين. هذا يحدث عندما يُلقى بكل ذلك ويكون الأمر في يد الرجل الذي ليست له خبرة أو دراية سياسية ومبلغ حلمه أن يبني حاضنة شعبية من كيانات الإدارة الأهلية وعبر بعض الاجتهادات المدفوعة الثمن في سوق العلاقات العامة، وبهذا يفرض وجوده السياسي مدعوماً بجيش خاص وإمكانيات مالية معتبرة ودعم خارجي أساسه مصالح متبادلة لا تخرج عن كيانه الخاص الذي يجمع الوجود العسكري والاقتصادي والسياسي كدولة داخل اللا دولة. عدة عوامل تجعلنا نقف عند أثر تلك الزيارة على السودان عموما وعلى صاحبها ومرافقيه. فقد أتت في وقت والعالم كله ينتظر غزو روسيا لأوكرانيا.. فهو توقيت غير ملائم لهذا النوع من الزيارات.. وتبعاً لذلك يتشكل الموقف الدولي الغربي ضد روسيا الذي وصل إلى أشكال متعددة من العقوبات على اقتصادها الذي ستستنزفه الحرب أيضاً. إذن، هي زيارة تضعك في التصنيف في صف روسيا واقتصاديا حصيلتها صفر كبير (جبريل غرد سعيداً بالوقت الذي منحه لهم رئيس الوزراء في مأدبة الغداء). إذن، أنت لن تطال عنب روسيا ولا بلح الغرب.. وتبقى الخسارة هي المحصلة النهائية. لعل الموقف الذي أعلنته هذه الزيارة يمثل أقصى درجات التناقض مع قيم وأهداف ثورة ديسمبر التي تتسق مع حق الشعوب في العيش بسلام في أوطانها ليبقى الغزو الروسي بعيداً عن هذه القيم والأخلاق. ربما تكون العلاقات التجارية والعسكرية للدعم هي الدافع الحقيقي للزيارة تحت غطاء الرسمية، ولكن ذلك لن يمنع ما سيترتب عنها سلبا سواء على الدعم السريع أو على سلطة الانقلاب التي شرعت في التهرب عبر الترويج بأن وزارة الخارجية لا علاقة لها بالزيارة، وأنها تمت عبر السفارة الروسية ومكتب حميدتي وتداولت الأسافير بياناً للوزارة يحاول تبرير تصريحات حميدتي في روسيا وآخر ينفيها. أي بؤس ذاك الذي نعايش؟ أن تدار السياسة الخارجية بمنطلق المصالح الذاتية كتعبير عن دولة فاشلة فاقدة للرؤي لا تعدو كونها معبراً لطموحات خاصة لفئة محددة من العسكريين ومن يواليهم من شبه عسكريين ومدنيين، فإن ذلك يعني أن يدفع المواطن الثمن وان يتلقى كل التبعات السلبية فيما تظل تلك الفئة متمسكة بالحكم كوسيلة لتحقيق مصالحها ولحمايتها، وكما أتت فاقدة للشرعية تستمر في عشوائيتها نحو مزيد من التدمير للبلاد التي أخرجتها عنوة من غرفة العناية المكثفة لتلقي بها في مزيد من المعاناة ولترجعها إلى ما هو أكثر سوءا من عهد الإنقاذ. جيوش المطلبين والانتهازيين والحالمين بعودة سلطتهم ومصالحهم لن تجد مبتغاها، فالانقلاب مرفوض داخلياً وقد شرع في حسم موقف من ترددوا في رفضه دولياً وكل يوم يبدع أكثر في أحكام الحبل حول عنقه. والأمر هنا يذكرنا موقف الإنقاذ من غزو العراق للكويت عندما كانت في أوج رعونتها وهوسها وما ترتب على ذلك الموقف حينها. السودان ليس في وضع يمكنه من دفع فواتير مواقف لا داعي لها. لسنا معملاً لتجارب سياسية فاشلة. لست أدري إلى متى يظل تكوين جبهة موحدة لمناهضة وإنهاء مغامرة الانقلاب أمراً خاضعاً للأخذ والرد والتأخير والحسابات الذاتية، إنه وطن يتصدع وكل يوم يزداد تصدعا وتزداد مغامرات الانقلابيين المتهورة غير محسوبة العواقب. وكما يتسارع الانهيار الاقتصادي يتسارع أيضاً الانهيار الأمني، لا تتوقعوا أن يأتي الحل من الخارج ولا تنتظروا منه أكثر من أن يكون مجرد داعم و للأسف لم نصل بعد إلى المرحلة التي تؤهلنا لذلك الدعم. أخشى أن يأتي اليوم الذي لن يبقى فيه ما يتصارع عليه المتصارعون. إنها حالة الدولة الفاشلة التي يسيطر عليها أصحاب مصالح خاصة ذوي آفاق محدودة وخلفهم الانتهازيين ومن يرون مستقبلهم في ماضيهم. مداميك