كيف سيتذكر الناس وباء كرونا واهواله، وباية طريقة .. وهل سيكون بمقدور كل من تاثر بالجائحة ان يتذكرها وفق الطريقة التى يعتقد انه يجب ان يفعلها . ام سيلجأ كل واحد لتلوين قصته حسب تجربته الخاصة وتجارب الاخرين من حوله ومن ثم يجدد الماساة مع تفجير الذكريات الاليمة واستعادة اجواء عدم الشعور بالامان مجددا ..وماذا سيكون رد فعل اولئك الاشرار الذين قالوا ان المهووسين – الذين توقفت حياتهم الطبيعية بسب الهلع الذى صنعه فايروس كرونا – كانوا يبالغون !! استشارى سوداني يروي قصته مع كرونا: (1-2) قبلة على الرأس من مريض ثم بدأت رحلة الالام ان تجربة البشرية مع كرونا والتى لاتزال فصولها المريرة تتوالى لم تكن محض صدمة واحدة بل تسونامى صدمات روعت حياة الناس لدرجة ان البعض شبهها بالحرب العالمية الثانية ، الامر الذى يفرض على البشرية دمج ذكرياتها ومطالعة والاستماع للقصص التى يسردها الناجون من الوباء. من اهم الكتب التى تناولت تجربة ذاتية سجلها احد الضحايا من رسل الرحمة : كتاب ( قصتى مع كوفيد 19 ) ، الذى صدر حديثا للطبيب الاستشارى السودانى – والعميد المشارك والمؤسس لكلية الطب باكاديمية راس الخيمة فى الامارات – دكتور الهادى الطيب عباس فقير ، وهى قصة حافلة بالمشاهد والوقائع والمفاجآت على راسها انتشار رائحة الموت وفقدان الاصدقاء الذين قيدت اسماؤهم فى دفاتر الموتى. يطلق المؤلف العنان لقلمه لكى يعبر عن مشاعره وتقييماته من وحى تجربته مع كرونا بصدق وشفافية وشمول وبتلك الدرجة من الصدق التى تسبق الصمت مباشرة . فيما يلى مقتطفات من الكتاب ننشرها كما هى لاهميتها دون تدخل من المحرر: فى مستهل الكتاب اورد المؤلف لمحات عن تاريخ الوباء والرعب الذى باغت البشرية نتيجة لانتشاره بسرعة حول العالم مصحوبا بتغطية اعلامية مجنونة نشرت الهواجس والوساوس بين مختلف الاعمار فوق الكرة الارضية. علاوة على ان الكتاب يحوى صور اشعة ورسوما بيانية توضح تطور المرض عنده. فى الصفحات الاولى يتحدث المؤلف عن سيطرة الهواجس والارتباك وعدم الوضوح التى نشات لكون المرض جديدا على العالم ولم تتضح طرق علاجه ومضاعفاته بعد .ثم يستعيد الكيفية التى انتقل عبرها الفايروس اليه رغم الاحتياطات ومعايير الوقاية المشددة التى اتخذها هو على المستوى الخاص و المستشفى الذى يعمل به عموما ، تغيير فى المزاج والحالة الذهنية. كنت خلال وجودي بالمستشفى أقضي وقتي في مشاهدة التلفاز و متابعة بعض القراءات و تحضير بعض المحاضرات و مراجعة المستحدث من المعلومات عن الكوفيد من جميع مراكز المعلومات المعتمدة ذات المصداقية و المعتمدة على الأسانيد العلمية. و في بداية تنويمي كنت أحضر بعض المحاضرات و الاجتماعات العلمية الافتراضية و أشارك فيها بالنقاش و الأسئلة و لكن عند ازدياد الشعور بالضعف لم أكن قادرا على المشاركة في هذه المؤتمرات الافتراضية رغم أنها لا تتطلب جهدا بدنيا و لكن كنت أشعر ببعض الإرهاق و كذلك كان المزاج الذهني غير مهيئا و لذا كنت أعتذر حين تصلني دعوة لحضور هذه المؤتمرات . ترمب وسى ان ان وتزايد القلق تصادف أن أعلن عن اصابة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمرض و كان الاعلان يوم الجمعة الثاني من اكتوبر و كان ايجابي لفحص الكوفيد قبلها بيوم. طبعا اهتمت كل وسائل الاعلام بهذا الأمر و أصبح الأمر شغل قناة السي ن ن و كان هناك عدد كبير من كبار اخصائي المرض العالميين و المهتمين بهذا المرض الذين يدلون بمعلوماتهم عن المرض و تطوراته و علاجه. أدخل الرئيس مستشفى ولتر ريد أحد أشهر المستشفيات الأمريكية في نفس يوم الجمعة مع تضارب في المعلومات عن حالته الصحية رغم أنه ظهر على شاشات التلفاز بصحة جيدة و لكن هذا لا يمكن أن يفصح عن حالة المريض الصحية و المعدلات و العلامات التي تنبئ عن المرض. و كان الأطباء يتحدثون أن هذا المرض يمكن أن يتطور و يسؤ و يتحدثون عن الفترة للمضاعفات ما بين اليوم السابع الى اليوم العاشر أو الثاني عشر في بعض الاراء و رغم معرفتي بها مسبقا كان ذلك مدعاة للقلق و الانزعاج فأنا في يومي الثالث منذ إصابتي و هكذا فأنك تبدأ في عد الأيام منتظرا ما يخبئه لك القدر و يزيد تكرار هذا الحديث من الاكتئاب الذي تمر به من علمك أن هذا المرض غير قابل للتنبؤ و يمكن أن تحدث فيه تطورات و مضاعفات غير مرئية و غير متوقعة ربما تصل مراحلها لأبعاد خطيرة مثل الحاجة للتنفس الصناعي و الذي يحدث لدي العارفين بمآلات هذا الأمر هواجس مخيفة فمعروف أن الذين يصلون لهذه المرحلة تصبح احتمالات حياتهم أقل كثيرا. و كانت السي ان ان تتحدث كثيرا عن المرض وأن الرئيس ترك المستشفى مبكرا و يمكن أن يصاب بمضاعفات في أي وقت. و ظهر أنه تناول بعض العقاقير و منها دواء كان يعول عليه كثيرا حينها و هو دواء الريمديسفير و كان سمو الحاكم يصر على توفيره لعلاجي و لقد تم توفيره لي و استعمل في علاجي. العقار الاخر كان علاجا تحت التجربة في ذلك الوقت و غير مرخص باستعماله في ذلك الوقت يضم مضادين للفيروس. كنت مستعدا لأخذ الريمديسفير فهو مستعمل منذ فترة طويلة في المرض في ذلك الوقت و كانت لي نقاشات طويلة مع الزملاء و سمو الحاكم، و لقد يتساءل البعض كيف أناقش هذا مع سموه و هو ليس طبيب و لكن كما أسلفت سابقا هو شخص مطلع و يبحث في كل الأمور التي يناقشها مع خلفية علمية مطلعة و ربما لاحظنا في السنين الأخيرة أن كثير من المرضى يحضر اليك و لديه فكرة كبيرة عن مرضه و هذا ناهيك عن شخص ديدنه أن يخضع كلماته و أفعاله للعلم و المنطق مطلع و يسأل كثيرا و يناقش ليقتنع. الدواء الثاني الذي أعطي للرئيس ترمب و هو المضاد لم أكن مستعدا لأخذه لأنه لم يكن هناك تصريح باستعماله وقتها للاستعمال العام مع العلم أنه أصلا غير متاح لأشخاص مثلي انذاك. انتظار وترقب للمضاعفات عندما بدأت الحمى في الاستمرار و ارتفعت أخيرا الى ما زاد عن 39 درجة بدأت في الانزعاج و ربما بدأ أطبائي في الانزعاج كذلك فقرروا تكثيف العلاج بكل الأدوية المتاحة حينها و ربما قبل الوقت المحدد لاستعمال بعضها مثل الكورتيزون الذي تقول الموجهات أن يستعمل قي الحالات الشديدة و التي يقل فيها نسبة الأكسجين و يحتاج المريض لأكسجين مكمل للمحافظة على نسب أكسجين مناسبة . كنت موافقا على بدء العلاج مبكرا ، فالحرارة مستمرة في الارتفاع و أنا أترقب الأيام القادمة التي يتوقع فيها المضاعفات كما أسلفت من اليوم السابع الى اليوم العاشر أو الثاني عشر. و كانت الأدوية تتكون من كل الأدوية الموصى بها من فيتامينات تتكون من فيتامين سي ، فيتامين دي، زنك و مخثرات الدم ، و مضادات الفيروسات ، الكورتيزون ، و عقار الانترفيرون المستنشق و المضادات الحيوية و كنت سعيدا بذلك خاصة و أن الحرارة انخفضت للمعدل الطبيعي أقل من 37 درجة من اليوم الثاني لبدء هذه العلاجات و كان ذلك في اليوم السابع من دخولي للمستشفى بعد خمس أيام من استمرار ارتفاع الحرارة مكالمات هاتفية ووصفات مجانية كانت المعنويات متذبذبة من ارتفاع في المعنويات عندما ترى الحرارة طبيعية و أنك غير محتاج للأكسجين و ان أعراضك قليلة فلم أشكو من صداع شديد أو الام مبرحة في الجسم و فقدان لاحساس الشم أو التذوق و كلها من الأعراض المعتادة مع المرض. و انخفاض في المعنويات عندما تتذكر الأيام القادمة حيث أن المضاعفات متوقعة أكثر و تتذكر سنك و أسوأ من ذلك عندما تتذكر بعض المرضى أو المعارف الذين تحسنت صحتهم أولا أو طال أمد مرضهم و كانت المحصلة النهائية لهم سيئة العواقب. كانت هذه المعنويات تؤثر على تعاملي مع الاتصالات الني تصلني عن طريق الهاتف و كنت أتحاشي معظم المكالمات الواصلة و ما أكثرها . أولا كنت اتحاشى خاصة المكالمات التي تكون عاطفية كثيرا و منها ما يكون ملئا بالمشاعر التي يمكن أن تصل الى حد البكاء و بعض المكالمات التي يقوم أصحابها باطلاق بعض المعلومات الغير مؤسسة على أدلة و يحاولون فيها أن يصفوا لك بعض الأشياء الطبيعية معتقدين و مؤقنين أنها تشفي من هذا المرض و يسمون بعض المرضى الذين استفادوا من هذه الأدوية متناسين أنهم يتحدثون لطبيب قضى حياته يعالج المرضى معتمدا على الأدلة العلمية المجربة بطرق علمية و يصر هؤلاء عند اعادتهم للاتصال عن سؤالك هل استعملت هذه العلاجات التي يكون بعضها بالفم و بعضها عن طريق الاستنشاق و اذا كانت اجابتك بأنك استعملتها فغالبا تكون كذبت و اذا أجبت بأنك لم تستعملها فيبدؤن في التجادل معك و هو ما لا تريد أن تذهب خلاله في حالتك المرضية الجسدية و النفسية. في بعض الأحيان تفكر في استعمال هذه الأدوية لأنك تتعامل مع مرض غير معروف العواقب و لا علاج معروف له و لقد انتشرت كثير من الحديث في الأسافير عن بعض الأعشاب و التي ذكر أنها ساعدت في علاج مرضى. طبعا أنت تعلم انه مرض غالبية المرضى فيه تتحسن و حتى لا يكون لها أعراض فيكون من الصعب استخلاص و استنتاج فعالية أي علاج بدون اجراء تجربة علمية حقيقية مع عشوائية الاختيار للمرضى للعلاج بالعقار المطلوب فحصه و اخر وهمي و يكون شكلا مماثلا للعقار الأصلي. و حتى في الأوساط العلمية ما كان هناك عقار مجمع على فعاليته غير الكورتيزون في ذلك الوقت و بالطبع سمع الكثيرون عن عقاقير قيل أن لها فعل السحر و قام بعض السياسيين بالترويج لها و هو ما فعله الرئيس ترمب الذي كان يقوم بذلك عند ظهور أي حديث عن دواء و لقد تحدث كثيرا عن الكلوروكوين كمثال و الذي نال شهرة عالمية كعلاج و قامت بعض الدول و منها الولاياتالمتحدة بشراء كميات كبيرة منه و كان على كل بروتوكولات العلاج في معظم دول العالم و ظهر بعد فترة أن لا أثر له في العلاج و سقط من كل البروتوكولات العلاجية. أوردت هذا الحديث للدلالة على فعالية أي دواء تحتاج لكثير من التجارب العلمية السريرية الخاضعة للرقابة و يستحسن أن تكون عمياء حتى لا يؤثر انحياز أو نزعة المحقق أو الباحث في النتائج و في كثير من الأحيان توكل مهمة فحص النتائج الى جهة محايدة و لذا لا يمكن الركون الى أحاديث أشخاص و انطباعاتهم عند علاج الأمراض و هذا يصعب على فهم العامة الغير معنيين بالطب و البحث العلمي. هناك بعض المكالمات و الرسائل التي كانت ترفع معنوياتي، و أشعر بالتحسن الجسدي كذلك بعدها. كان اتصال سمو الحاكم دافعا قويا لي ورافعا للمعنويات و مصدر للتمسك بالحياة و الإصرار على التحسن حيث تشعر بأن هناك من يهتمون بك. كانت اتصالات ابنتي الطبيبة من الولاياتالمتحدة التي كانت تتصل بي و رغم معرفتي بما تشعر به من قلق لأنها كطبيبة تعرف مالات المرض و مضاعافاته و لكنها كانت تشجعني و تبعث في الامل و تحثني على عدم الاستسلام ضاربة أمثلة بمرضى تعرفهم و كانوا في حالات صحية اسوا مني و لكن تحسنت صحتهم و شفوا من المرض. تحفظ أطبائي هناك كذلك الاتصال من بنات شقيقتي و هن طبيبتان استشاريتان في السعودية فكن يتابعن تطورات المرض و اتبادل معهن تفاصيل الفحوصات التي كانوا يتبادلون فيها الراي معي و كانوا كذلك يعرضونها على مستشارين معهم ذوي خبرة في المرض و كانت أفكارهم و مقترحاتهم مفيدة جدا و معظمها يتطابق مع أفكار الفريق المعالج لي و كان في ذلك تشجيع كبير لي لانهن ينقلن لي الرأي في أنني في الطريق للتحسن و عندما كانوا يؤمنون على العلاج الذي أتناوله كذلك يكون ذلك مدعاة للطمأنينة لأن المريض و حتى ان كان طبيبا يفكر في أنه ربما تكون هناك أدوية أخرى مفيدة لم يستعملها بعد. أطبائي المعالجين كانوا يبدون بعض التحفظ في الحديث فلا يعطونك أملا كبيرا و لا يهولون عليك الأمر و لكن يتسمون بالواقعية مع مرض غير متوقع عواقبه و هي طريقة صحيحة لمناصحة المريض فيجب ألا تكون مطمئنا أكثر من اللازم حتى لا تنقل للمريض أخبارا لا يريد سماعها حتى و لو كانت حقيقية و يجب كذلك الا تعمد لاخافة المريض و لكن أنقل الحقيقة بطريقة غير مخلة ليس فيها تطمين غير حقيقي و لا معلومات مخيفة تزعج المريض و عند السؤال المباشر من المريض يجب أن تجاوب عليه بكل الصدق . و كانت الطبيبات بنات شقيقتي يبعثون الأمل في نفسي مشجعتين و أعتقد بأن التشجيع و بعث الأمل عاملان مهمان للتحسن. رغم معرفتي بادراكهم لمخاطر المرض و لكن تصرفهم كان من واقع علاقتهم و قربهم مني. في بعض الأحيان كنت استشف من طريقة معاملتهم و حديثهم أن قلقا أصبح يدب الى مخيلتهم و خاصة اذا أصفحت لهم عن تطور في الأعراض أو الفحوصات غير مطمئن و لكنهن يرجعن لبعث الطمأنينة في قلبي بعد أن يستعيدوا بعض الثقة بمرور الأيام أو تحسن الأعراض حيث كنت أنقل لهم رسالة يومية كنت اسميها مزاحا النشرة الصحية اليومية و لم أتوقف عن ارسالها لهم و لبعض المهتمين من الأصدقاء الأطباء و الأهل الا بعد أن تعديت المرحلة التي كنت أعتقد أنها خطيرة. بعض تطورات المرض لم أكن أفصح بها للأهل و حتى لبناتي الطبيبات لأنني أعلم ما ستمثله لهم من قلق و كنت أكتفي بنقلها للأصدقاء من الأطباء الذين يمكن أن يفيدوا فيها برأي نقص الاوكسجين والخوف من المجهول في اليوم العاشر من دخولي المستشفى بدأت نسب الأكسجين تنقص عندي ووصلت لمعدلات أقل من 90% و ربما الى 87% عند الراحة وتصل الى اقل من 85% عند الحركة و سبب هذا قلقا كثيرا لي و لا شك عند أطبائي و تذكرون أننا تحدثنا أن الفترة المتوقعة للمضاعفات هي من أسبوع الى عشرة أو اثني عشرة يوما و هانذا أبدأ بنقص الأكسجين في الفترة المتوقعة و هو ما يعني أنه يمكن أن تتدهور الحالة لما هو أسوا و طبعا مضاعفات الرئتين هي أسوا المضاعفات التي يمكن أن تؤدي الى عواقب وخيمة. كنت فد أجريت فحصا بالأشعة المقطعية عند بداية مرضي في اليوم الأول من أكتوبر و كان التقرير أن هناك قليل من التغييرات في الصدر رغم أنني و بعض الزملاء كنا نشعر بأن الأشعة المقطعية سليمة. الكشف السريري على الصدر لم تكن هناك تغييرات كثيرة حسب طبيبي المعالج. و تم إعادة الأشعة المقطعية للصدر حيث تبين أن هناك تغييرات متطابقة مع تشخيص كوفيد19 و هناك تغييرات أكثر بالمقارنة مع الأشعة المقطعية التي أجريت قي بداية المرض مما يشير الى تطورات غير إيجابية في مرضي. بدأت في الاستعانة بالأكسجين بقنية أنفية و كان يمكنني رفع الأكسجين لنسب ما بين 94% و الى 96% بأكسجين من 4 الى 5 لتر و كنت أحتاج للأكسجين طول الوقت ليلا و نهارا. عندما أضطر للحركة للذهاب لدورة المياه أو الصلاة لا أستطيع أن أستعمل الأكسجين فتقل نسب الأكسجين الى أقل من 90% . علما أنني كنت أصلي جالسا على سريري حيث أن الصلاة واقفا مع الركوع و السجود كانت تتعبني و اشعر بارهاق شديد و بنقص في الأكسجين بعدها و لم أكن أشعر بتعب و الام أخرى مما يحصل لمرضى الكوفيد. لا شك أنني في هذه المرحلة تعرضت لضغط نفسي شديد فهاهو مرضي يتطور للأسوأ و هل سأصل مرحلة لا يكفيني فيها الأكسجين خاصة و لقد لمح لي طبيبي أو أخذ رأيي في ان كنت أود الانتقال لقسم العناية المركزة. لم أكن محتاجا لذلك في الوقت الحاضر و لكنه كان كما أعتقدت حرص منه لأن المراقبة في العناية المركزة تكون على مدار الساعة ولكن الغرف فيها مراقبة بأجهزة مراقبة مستمرة و ليس كما في الأقسام و أنت في غرفة مغلقة و لا تمر عليك الممرضة الا عند الحاجة، أو بسبب ضغوط من هيئة التمريض التي تشعر بالقلق عند وجود مرضى محتاجين لأكسجين إضافي و خاصة اذا شعروا أن هناك اهتمام بالمريض أو ما يسمى بكبار الشخصيات أو الموصى عليهم، رغم أنني لم أشعرهم بهذا الشعور و كنت أتعامل معهم كمريض عادي. لم أوافق على الانتقال للعناية المركزة لأنني كنت قادرا على المحافظة على نسب أكسجين معقولة بمساعدة الأكسجين بلأنف و لم احتاج لزيادة نسبة الأكسجين المطلوبة للمحافظة على نسب تشبع الأكسجين المعقولة كما أن الرقابة على علاماتي الحيوية كانت متاحة في غرفتي و كنت أدرك ما يمكن أن يسببه نقلي الى العناية المركزة من ضغط عصبي و نفسي علي و على عائلتي التي لم يحتمل بعضهم حقيقة أنني على أكسجين. ازدادت الضغوط النفسية علي ضغوط على العائلة و أصبحت لا أرد على معظم المكالمات الهاتفية مما زاد الضغوط على كثير من أفراد العائلة الذين حينما لا أرد عليهم تنتابهم الهواجس عن صحتي و هل أنا في حالة صحية لا تمكنني من الرد عليهم فيبدأون في الاتصال بأفراد العائلة الاخرين خالقين نوع من الهلع الذي ينتشر ليصل لعدد كبير من الأهل و المعارف و الأصدقاء و حتى زملائي الأطباء يصيبهم القلق حينما لا أرد عليهم لسبب من الأسباب. في نفس فترة نقص الأكسجين لدي ارتفعت نسبة العلامات المخبرية الحيوية للقلب ممثلة في التروبنين و هذه تحصل لبعض مرضى الكوفيد بدون إصابة بالقلب و كان هدا الارتفاع متطابقا مع نقص تشبع الأكسجين. في سني و لوضعي الطبي عوينت بواسطة اخصائي القلب الذي أجرى لي بعض الفحوصات بما فيها مخطط صدى القلب و الذي كان سليما و في الأيام التالية بدأت نسب التروبونين في الانخفاض و وصلت الى المعدلات الطبيعية في ظرف يومين و هي في حالة الإصابة بمرض في الشرايين التاجية تظل مرتفعة لفترات طويلة ربما تمتد الى أربعة عشر يوما. كنت أتحدث مع العائلة القريبة في المنزل و خارج البلاد عن طريق الهاتف بالصوت و الصورة و كانوا يشاهدونني و أنا مرتبط بأنبوب للأكسجين و كان السؤال المكرر : لم تتخلص من الأكسجين بعد و كنت أعلم أن صورتي و أنا على الأكسجين تزعج بعضهم و يتمنون أن يروني بدونه و هو ما كنت أتمناه كذلك. كنت ما زلت على أربعة الى خمسة لتر أكسجين و ظللت على خمسة لتر أكسجين و كان هذا مطمئنا الى حد حيث هناك بعض المرضى الذين يحتاجون الى أكثر من اثني عشرة لتر من الأكسجين للمحافظة على نسب معقولة من تشبع الأكسجين في الدم و بعد ثلاث أيام نقصت نسبة الأكسجين المطلوبة للمحافظة على نسب أكسجين من 95% الى 96% الى أربع لتر في اليوم الثاني عشر من أكتوبر أي بعد ثلاث أيام من بداية حاجتي الى الأكسجين و بعدها بيومين نقصت النسبة المطلوبة الى ثلاث لتر و استمررت في تنقيص نسبة الأكسجين المطلوبة يوميا بنسبة 5و. لتر الى أن نقص الى لتر و نصف فقط في اليوم السادس عشرة من أكتوبر و في اليوم السابع عشرة من أكتوبر جربت بدون أكسجين و تمكنت من المحافظة على نسب تشبع اكسجين من 93% الى 95% لعدة ساعات و لا أصل لأقل من ذلك الا عند الحركة و قررت أن أستعمل الأكسجين لفترات متقطعة. ظللت على هذا الحال لعدة أيام بدون أكسجين مع المداومة على مراقبة تشبع الأكسجين. و العلامات الحيوية و أداء حركة الانبطاح عدة مرات في اليوم، مرت علي فترة أكثر من عشرة أيام بدون ارتفاع في درجة الحرارة و ثلاث أيام بدون الحاجة للأكسجين. شعرت بارتفاع كبير في المعنويات بعد تخلصي من الحاجة للأكسجين و كان كذلك الحال بالنسبة لمعارفي و عائلتي فلقد فرحوا كثيرا لتخلصي من الأكسجين. كانت شهيتي للأكل منخفضة في بداية المرض و خاصة مع ارتفاع الحرارة و نقص الأكسجين و لكنني كنت أجبر نفسي على الأكل و أحاول أن أتناول كل الطعام المقدم لي مع ما كان في ذلك من صعوبة لعلمي أن التغذية الصحيحة مطلوبة للتعافي. بعد تحسن حالتي و انتهاء الحمى و عدم حاجتي للأكسجين تحسنت شهيتي بشكل كبير و أصبحت أطلب بعض المأكولات من المنزل و صرت ألتهم ما يحضر لي من المستشفى و ما يأتي من المنزل و كنت أعزو تحسن الشهية الى هذا الحد الكبير الى تحسن صحتي و استعمالي للكورتيزون و الأنسلين الذي استعملته بعد زيادة السكر بالدم بعد استعمال الكورتيزون. كنت أتبادل تطورات مرضي مع زملاء و أصدقاء من الأطباء و عندما نقلت لهم أن شهيتي تحسنت كان تعليق أحدهم و هو استشاري جراحة ذو خبرة أن هذه علامة أنني في طريقي للتحسن و أضاف ان لم يكن ذلك صحيحا فكل ما كان يعلمه لطلبته غير صحيح لأنه كان يعلمهم أن تحسن الشهية هي علامة مهمة لتحسن الصحة و أن المريض في طريقه للشفاء. كانت قريبتي و هي طبيبة في مستشفى اخر تصر على زيارتي مع أن الزيارة ممنوعة لما عدا الفريق المعالج و لكنها كانت ترتدي الزي الواقي و تلتزم بالتباعد المطلوب و لقد حضرت لزيارتي أكثر من مرتين و أخذت لي صورة في زيارتها الأخيرة على فراشي و بدون أكسجين ، و تظهر في الصورة بعض الأدوية التي كنت استعملها مثل القطرات للعين التي كنت استعملها لالتهاب العين ، بعثت هي بها للأهل و كان لهذه الصورة أثر كبير في أن يطمئنوا ، فالحديث مع بعضهم بدون رؤيتي كان يولد بعض الهواجس لبعضهم، أعدت فحص الكوفيد بي سي ر في العاشر من أي بعد أحدى عشرة يوم منذ أن صار إيجابي و بعد أكثر من أسبوع بدون حرارة و كان العرض الوحيد المتبقي هو نوبات من السعال مع فتور مع المجهود البسيط كالذهاب لدورة المياه و عند الصلاة و أتى الفحص ايجابيا. أجريت أشعة للصدر في اليوم العشرون من أكتوبر و كانت النتيجة مخيفة بانتشار واسع للالتهابات الرئوية في الرئتين و لم أكن أتوقع ذلك مع احتفاظي بنسب تشبع أكسجين معتدل اعتمادا على هواء الغرفة بدون الحاجة لأكسجين أضافي و سارعت بارسال صور الأشعة للمختصين ومنهم ابن صديق لي يعمل في مركز مرموق لأمراض الصدر في المملكة المتحدة و كنت أبعث له فحوصاتي و كان لا يتوانى في الرد علي مطمئنا في معظم الأوقات و كان رده ما دامت نسب تشبع الأكسجين مناسبة فان الأشعة يمكن أن تكون غير طبيعية لفترة طويلة و أحيانا تستمر لأكثر من شهرين. التهاب العين أصبت بالتهاب حاد في العين اليمنى مع تدمع كثيف و حكة مزعجة في العين و لم أكن راغبا في أن يعاينني طبيب اخر غير طبيبي المعالج فلم أكن أريد أن أعرض شخص اخر للعدوى الا للضرورة و لذا فلقد قمت بتصوير عيني و ارسال الصور لاخصائي العيون و كان هناك أحمرار شديد في العين اليمنى و شخص اخصائي العيون المرض على أنه التهاب الملتحمة بناء على الصور المرسلة ووصف لي عدد من القطرات. و أخذت العين في التحسن لمدة ثلاث أيام و لكنه لم يكن التحسن المطلوب و بدأت أشعر بنقص في النظر في العين اليمنى مع بداية التهاب بسيط في العين اليسرى و عندها أضطر طبيبي الطلب من اخصائي العيون معاينتي و لقد قام مشكورا بذلك و ظهر أن الالتهاب تطور الى التهاب ملتحمة و قرنية و لذا احتاج لعلاج مكثف و فعلا بدأت في العلاج و بدأت عيني في التحسن التدريجي و لكن ببطء. كان طبيبي يجري لي فحوصات دورية تقريبا كل ثلاثة أيام و ظل فحص البي سي ر للكوفيد إيجابيا و في نفس الوقت بدأت نسبة الفريتين في الارتفاع و كانت بداية في نسب طبيعية ثم ارتفعت الى معدلات عالية و لكن ليست باعثة للقلق في معدل ما بين ال400 الى ال 500 لتبتدئ في الارتفاع في ظرف ستة أيام الى أكثر من 500 و الى 900 ثم بلغت أكثرمن 1200 و لما كان ارتفاع الفرتين علامة التهابية هامة عامة و بالأخص لمرضى الكوفيد فهو يدل على زيادة الالتهاب و كان ذلك مزعجا لي. و لطبيبي و كنت في حيرة، أشعر بالتحسن من ناحية أعراض الكوفيد فبماذا أفسر ارتفاع الفرتين و هل هو مرتبط بالتهاب العين و خاصة و قد انتقل الالتهاب للقرنية أم انني ما زلت في مرحلة الخطورة من الكوفيد و قد زادت نسبة الفرتين عن رقم الألف مع أن نسبة العلامات الأخرى مثل السي ر بي كانت في معدلات طبيعية. انزاح من نتيجة فحص الاشعة كانت الأسرة تلح في مغادرتي للمستشفى و كان بعض الأطباء يرون إمكانية ذلك و كنت أعلم أن ذلك ممكن و هي ممارسة طبية معهودة فبعد أيام من انتهاء الأعراض و بعد مرور أكثر من أسبوعين من المرض يعتبر الأطباء أن المريض غالبا ليس معدي و ينصحون بذهابهم للمنزل و بقائهم في العزل هناك. لقد مرت على هذا المرض عدة مراحل و كانت التوصيات تختلف مع الزمن و مع زيادة المعرفة بالمرض و اذكر مريضا من أول المرضى في مستشفى جون هوبكنز بالولاياتالمتحدة في مارس قضي شهرين بالمستشفى و و تحسنت حالته و أجريت له ثلاث فحوصات بي سي ر للكوفيد و كانت سلبية و مع ذلك نصح بأن يخلد للعزل لمدة أسبوعين و هذا يعني أننا نتعامل مع مرض جديد نسبيا و ما زلنا نتعلم عنه و عن أعراضه و كيفية علاجه و ما زالت التجارب العلمية تجرى للوصول لمعلومات عن المرض . لكنني كنت منزعجا من نتيجة أشعة الصدر و ارتفاع الفرتين و في هذا المرض الحديث نسبيا و المعرفة الدقيقة به غير متوفرة كنت أفضل البقاء في المستشفى حتي تصير نتيجة البي سي ر سلبية و تنقص نسبة الفرتين. أجريت أشعة أخرى للصدر في السابع و العشرون من شهر أكتوبر و لم يكن هناك أي تحسن أو تدهور في تقرير الأشعة و كانت صور الأشعة مخيفة فتقريبا كل الصدر مشمول بتغيرات حتى أنني استعجبت كيف لي أن أحافظ على نسب أكسجين معقولة مع هذه الأشعة المخيفة و ربما هذا ما يفسر التعب عند المجهود و كنت أعلم كذلك أن صور الأشعة تأخذ فترات طويلة للتحسن و ربما تصل الى أكثر من شهرين و لكن كان ينتابني هاجس اخر فهناك نسبة من مرضى الكوفيد و الذين يصابون بالتهابات الرئة ممن يصابون بمرض مزمن في الرئة مثل التليف الرئوي و مالاته من اثار طويلة الأمد تجعل المريض في حالة التهاب رئوي مزمن و بعضهم يحتاج لأن يكون على أكسجين باستمرار و تكون نسبة تحمله للرياضة و المجهود محدودة.