أرى أن دكتور حمدوك قد أستطاع في فترة وجيزة أن ينجز ملفات مهمة ، والتي تراكمت بسبب سياسات النظام البائد ، عقبة حقيقية وضعت السودان في موقف مأزوم. اجتهد دكتور حمدوك ، وفريق عمله ، في إنجاز هذه الملفات ، وأولها ملف رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وجنبا الى جنب، ملف العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأمريكية علي السودان ، فضلا عن ملف الديون وغيرها. بعد انقلاب 25 أكتوبر المشؤوم ، الذي تم فيه حل حكومة حمدوك ، وإلغاء الوثيقة الدستورية ، واعتقال عدد مقدر من الوزراء ، بما فيهم رئيس الوزراء ، والذي كان تحت الإقامة الجبرية بمنزله ، ومستشاريه السياسي والإعلامي ، وعضو مجلس السياده الانتقالي واعضاء لجنة إزالة التمكين ، بعد ذلك الإنقلاب خرج الشعب السوداني في مواكب أنتظمت فيها كل مدن السودان تقودها لجان المقاومة الثورية ، مندّدا بهذا الإنقلاب. سقط في هذه التظاهرات العفوية عدد مقدر من الشهداء جراء البطش الذي مارسه الانقلابيون ضد المدنيين العزل . بعد ذلك ، أجريت مفاوضات قامت بها بعض القوى السياسية ، وبعض من أعضاء قحت ، وكيانات من المجتمع المدني ، والبعثات الدبلوماسية ، وغيرهم ، من أجل الوصول الى حل للازمة السودانية. تمخّض كل ذلك عن قبول السيد حمدوك أن يوّقع إتفاقا مع رئيس مجلس السيادة . كان اتفاقا سياسيا وجد قبولا من المجتمع الدولي ، ومن بعض القوى السياسية. كانت المشكلة الرئيسية أن الشارع السوداني لم يكن متوّحدا إزآء ذلك الإتفاق . كمثال لذلك ، رفعت لجان المقاومة الثورية شعار "لا تفاوض ، ولا شراكة ولا مساومة مع الانقلابيين" وظلت تنظم المواكب ، تلو الموكب رفضا لذلك الإتفاق وكانت هذه أكبر عقبة واجهت د. حمدوك إذ أن لجان المقاومة هذه كانت ظهيره الأساس. لقد كان في بال د. حمدوك أن أهم ما يحققه هذا الإتفاق ، على المنقصة فيه، هو حقن دماء الشعب السوداني ، وبالتالي سيتوفر جو من الإستقرار يضمن إنفاذ بقية المطالب على مهل . إثر ذلك الإتفاق ، قام د. حمدوك بإصدار قرارات تلغي كل قرارات القائد العام للجيش . مع كل ذلك، أستمر قطاع كبير من الشارع يجيّش المواكب من أجل أسقاط الانقلابيين. مع تصاعد رفض الشارع لهذه الإتفاق ، أحساس د. حمدوك أنه لم يعد هنالك تجانسا بينه ، وبين الشارع وقوى الحرية والتغيير ، وغيرها ، فقدّم إستقالته وإنسحب في هدوء من المشهد السياسي الساخن . في إعتقادي أن القوى السياسية ، بتفريطها في د. حمدوك ، قد أهدت فرصة ثمينة للعسكر الكاره أصلا لحمدوك ، ويتمنى زواله . كأنما العسكر قد قالوا : الحمد لله أن قد تم ذلك بسبب القوى السياسية وليس بسببنا نحن العسكر إذ يتيح لهم ذلك موقفا مشرف أمام المجتمع الدولي . جرآء كل هذا الذي حدثو، فإن السودان الآن يشهد أزمة سياسية وأزمة إقتصادية طاحنة . حدث ذلك بعد البشريات والإنفراجة التى حدثت في ظل حكومة حمدوك ، إذ استقر حينها سعر الصرف في البنوك ، والسوق الموازي ، فحمدوك كان يعمل علي استراتيجية اقتصادية مدروسة ، هدفها تعافي الاقتصاد السوداني ، ونجح في ذلك كثيرا . لقد عاد السودان الآن ، في ظل هذا الحكم العسكري ، المنبوذ من العالم ، عاد الى المربع الأول بعد توقف الدعم من المجتمع الدولي.. الشارع الآن تحت إمرة لجان المقاومة الثورية ، الى أن يتم اسقاط الانقلابيين وبناء دولة حديثة ، بأطر ، وأسس جديدة تستوعب طموحات وتطلعات هذا الشعب العظيم .. المجد والخلود للشهداء الشارع أقوى والردة مستحيلة .