تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    إبراهيم نصرالدين (درمي).. صخرة دفاع أهلي الكنوز وطمأنينة المدرجات    والي ولاية كسلا يشهد ختام دورة فقداء النادي الاهلي كسلا    بعثة نادي الزمالة (أم روابة) تغادر إلى نيروبي استعدادًا لمواجهة ديكيداها    الخارجية البريطانية: مستقبل السودان يقرره شعبه    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان    توجيهات مشدّدة للقيادة العسكرية في الدبّة..ماذا هناك؟    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستشراق الألماني : مالهُ وما عليهِ (2 2)
ندوة الملتقى العربي للفكر والحوار ، 5 أبريل 2022 برلين
نشر في الراكوبة يوم 11 - 04 - 2022

والآن أعود إلى عنوان الندوة "الاستشراق الألماني ماله وما عليه"، وأبدأ بما عليه :
بما أن القرآن الكريم مصدر التشريع الأول عند المسلمين ، فقد لقي اهتماماً كبيراً عند المستشرقين الألمان ، لقد أبرزنا تواً ، مساهماتهم في مجال الدراسات القرآنية ، والآن نتعرض إلى الدوافع المختلفة لهذه
الاهتمامات والآثار المترتبة عليها.
بعد فشل الحملات الصليبية على الشرق الاِسلامي ، نشأ اتجاه يدعو إلى محاربته بسلاح الفكر، ولذلك بدأت ترجمة معاني القرآن ، واستخراج المعاني التخمينية ومختصرة ، وهي لا تعطي المعنى المتقارب لحقيقتها ، وأخطاء سواء في المعنى أو المبنى والعديد من الآيات المحذوفة ، بهدف تشويه الاِسلام في
وجدان الأوروبيين ، حماية للمسيحية منه والرفض لنبوة محمد (صلعم) ، استبعاداً لها من الفضاء الفكري الاِنساني ، وحتى المصلح الديني الكبير مارتن لوثر ، ومن الذين تأثروا بالفكر الإسلامي حينما تمرد على
الكنيسة الكاثوليكية في روما ، قد أمر بترجمة القرآن ، بهدف محاربة الاِسلام ، وتزويد المسيحيين بحجج سليمة لتثبيت إيمانهم . ونشير هنا إلى دراسة جايجر ، التي جاء ذكرها ، وهي التقليل من شأن القرآن
باعتبار أنّ القرآن مقتبس في أكثر أجزائه من العهد القديم ، والتقاليد اليهودية الأخرى ، ويتسأل ، من أين
أتى محمد بدينه ، من اليهودية أم من المسيحية؟ كما نشير هنا إلى أنّ نسبة كبيرة من المستشرقين الألمان ، كانوا في البداية من اللاهوتيين (رجال الدين) فكان هدفهم الأساسي التبشير للديانة المسيحية.
ونتعرض الآن إلى كتاب المستشرق الكبير تيودور نولدكه بعنوان تاريخ القرآن"الذي صدر عام 1860" – دون أن ننسى الاهتمام العلمي بالقرآن في أوروبا ، ابتداءً من القرن الثاني عشر وقد عالج فيه مسألة نشوء نص القرآن وجمعه وروايته ، ومسالة التسلسل التاريخي للسور واقترح ترتيباً لها ، يختلف عن ترتيبها بحسب نزولها ، كما هو معهود في الاِسلام . ولكنه يعترف في عين الوقت ، بأن الترتيب الذي يقترحه ليس إلاّ ترتيباً تخمينياً والكتاب يتألف من أبحاث أدبية – تاريخية وكوثيقة من وثائق التاريخ
الاسلامي ، وهو بحث فيلولوجي (لغوي) دقيق (والفيلولوجيا هي الركن الأول للتاريخانية الألمانية منذ حوالي القرن) إلى جانب الأحداث التاريخية التي تشير إليها بعض السور والآيات . لا يقيٍّم نولدكه ومن تبعه من العلماء ، القرآن ككتاب منزَل ، بل كنصّ وضعه النبي محمد نتيجة إلهام (أي بمعنى نفي الوحي)
ونولدكه لا يشكك في صدق النبي والنبوة ، ولا شكّ في صدق الخبرة الدينية الخاصة التي عاشها . ولا نحتاج هنا إلى الإشارة بتطورات لاحقه حول القرآن تختلف عن نظرة نولدكه وتلاميذه. ولكن ربما إشارة سريعة إلى مقال نويفرت الطويل ، الذي نشر في عام 2012 ، في صحيفة فرانكفورتا الجماينة بعنوان "القرآن جزء من أوروبا؟" وقد قمت بترجمته إلى العربية، وهنا عرض للمدخل والخاتمة : "إنها لمجازفة المطالبة بجعل القرآن الكريم مقبولاً وواضحاً كجزء من الثقافة الغربية ، إذ لا يوجد موضوع آخر يلهب العلاقة التي تربط بين العالم الإسلامي والغرب الأوروبي . وقد يبدو للوهلة الأولى أنّ هذا الجدل خاضع لحسابات سياسية ، مما يجعل التوصل إلى خلاصة مقنعة أمراً متعسراً . ولكن لا بدّ
من الإقرار بادئ ذي بدء بأنّ هناك نواة تاريخية لهذا النقاش من الممكن توصيفها واتخاذ قرار بشأنها : فالأمر يتعلق بالقرآن الكريم وعلاقته بالكتب المقدسة للمسيحية واليهودية. ويفصح كافة الكتاب تقريباً مِن قدموا مراجعة عامة للقرآن الكريم عن نظرة استعلائية بصدد شكل القرآن وعن تهميش لمدلول تطوره
الي درجة التلميح لاحتمال الاقتباس والتزوير ، الأمر الذي يؤكد استمرار تأثير التصور القديم بأن القرآن
"نسخة هزيلة للتوراة" لا يقدم جوهريا أي شيء جديد"… وتختتم :
"إن في إعادة استيعاب القرآن وفجر الإسلام في نهاية العصر القديم للشرق الأوسط تصحيح لمفهوم
كانت تحتكره أوروبا تقليديا بأنها تنتمى للثقافة اليهودية المسيحية فقط، ما سيوضح من جديد مدى إسهام القرآن في تاريخنا الفيلولوجي والثقافي المشترك".
لقد ورد في القرآن نقد للتوراة وكذلك ساهم العلماء المسلمين في نقد العهدين القديم والجديد ، وتجاهل المستشرقون هذا النقد الإسلامي ، ولكن هذا التجاهل ليس نابعاً من عدم المعرفة بالتراث الاِسلامي ، لأن الاعتراف بالنقد الاِسلامي يعني الاعتراف بأن الاِسلام مصحح لكتبهم وعقائدهم.
أما في المجال الأدبي ، قاموا بنشر للنصوص الأدبية القديمة ، وعن طبيعة الشعر العربي وتطوره واهتمامهم بالشعر الجاهلي ، ترجمات وتحقيقات علمية. وكتب تيودور نيلدكه فصلاً في كتاب بعنوان "من تاريخ ونقد الشعر العربي القديم" وتعرض أخرون بأبحاث عن صحة القصائد العربية القديمة.
ويرى نيلدكه في نقده : بعدم وجود وحدة في القصائد الجاهلية ، ومنتزعة من سياقها التاريخي ورتيبةورتابة حياة البدو ، والتكلف ، وتكرار نفس المواضيع عند جميع شعراء الجاهلية.
يؤكد بعض الباحثين العرب إلى أهمية عمل المستشرقين في بعث تراثنا بشكل عام والجاهلي بشكل خاص ، كما يؤخذ عليهم عدم فهم بعضهم الحياة الجاهلية على حقيقتها ، بسبب بعد الشقة واختلاف العقلية ،
وتطبيق مقاييس النقد الغربي وإقحامها على الشعر العربي ، ولإهمالهم عنصر الذوق في دراسة الأدب حسب رأي طه حسين . وعن عدم صحة الشعر الجاهلي ، يدعمون وجهة نظرهم ، بالإشارة إلى وقائع جاهلية ، يرد ذكرها في القرآن ، مما يعني لهم اعتماد هذه الأشعار على القرآن وبالتالي إسلامية مصدرها.
أن قضية ، بأنّ الشعر الجاهلي منحول على أصحابه من قبل المسلمين اعتمد عليها بعض الباحثين الألمان من مقال الباحث الإنجليزي مرجليوث بعنوان "أصول الشعر العربي" في عام 1925 " يأتي فيه مسألة صحة الشعر الجاهلي" وهذا يذكرنا بكتاب طه حسين بعنوان "في الشعر الجاهلي" (1926) ، الذي أثار ضجّة كبيرة في تلك الحقبة ، عندما سار طه حسين على هذا المنوال ومُتبنياً منهج الشك
الديكارتي (الفيلسوف الفرنسي ديكارت).
كذلك اتهام العرب قبل الاِسلام بالبربرية ، أي لا تاريخ حضاري لهم، وكذلك قول غرونباوم ، إن
الحضارة العربية الاِسلامية تعود إلى أصول إغريقية ، وليس بعثاً للقديم العربي ، وموروث الأسلاف ، وحتى الفقه الاِسلامي قد صيغ وتطور عن أصول هيللينية، وكلّ الانجازات الحضارية للأمم جميعاً مصدرها الغرب ، وهكذا يتمّ الغاء الأخر ، وكأنه لا توجد حضارات أخرى ساهمت بقدر ما في الفكر
البشري ، وهنا تتجلى العرقية الغربية في أبشع صورتها ، ولكن نودّ أن نشير هنا إلى بيكر الذي أمن بالأصول الهيللينية للحضارة الاِسلامية ، وهذا سبب ارتباطها الوثيق بأوروبا ، ولكنّه آمن أيضاً ، بالطابع الخاص الذي أضفته الثقافة الاِسلامية على تلك الأصول ، والاِنجازات التي تجاوزت بها تلك الأصول أو نقدها . هذه أمثلة فقط ، فهناك الكثير ، الذي يمكن أن يؤخذ على الاستشراق الألماني.
ولكن دعمونا الآن أن نتحدث عن الجوانب المشرقة للاستشراق الألماني : فيما يتعلق بالدراسات القرآنية :
نتيجة الاهتمام المتزايد بنص القرآن ونشره في لغته الأم ، ساهموا في عمل المعاجم والفهارس المختلفة للقرآن ، لتسهيل العودة إلى الآيات المتعلقة بموضوع واحد.
قاموا بتحقيق المخطوطات القرآنية وجمعها وتصنيف وتصويرها ، كما ساهموا بجهد كبير في نشر العديد من كتب القراءات وكتب التفسير وكتب التاريخ .
مساهمات علمية في مجالي الدراسات العربية الاِسلامية والدراسات العبرية ودراسات العهد القديم ، مما أدى إلى التعرف على الموقف القرآني من التوراة والاِنجيل.، وتطور الاِصلاح الديني.
إن قيام الفيلولوجيون بنشر النصوص الكلاسيكية التي صارت مصادر في الدراسات العربية
الاِسلامية ، لا غنى عنها لمن يريد التعرف على تاريخ المنطقة العربية والثقافة الاِسلامية في العصور الوسطى . كما ركزوا في عروضهم الدراسية على وضع الحضارة الاِسلامية في السياق العالمي.
ولم يكن المستشرقون الألمان "موظفين استعماريين" مثلما كان الأمر بالنسبة لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ، وأميركا .. وفي الأصل ، لم تستعمر ألمانيا أي دولة من دول الشرق الإسلامي أي العالم العربي ، بل كانت حليفة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
"المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، للكاتب العراقي الفذ جواد علي ، في عشر مجلدات ؛ فقد رجع للاِطلاع أكثر على بحوث الألمان في التاريخ العربي القديم ، يمكن العودة إلى الكتاب القيم بعنوان : "الباحث إلى ستة وعشرين كتابا ألمانيا ، وحوالي الأربعمائة مقال للباحثين الألمان" .
لا ينكر بعض المستشرقين وجود بعض عيوب في الطريقة التي دٌرِسَ بها القرآن والأدب العربي في الغرب ، من ضيق نظرة أو قصور معرفة أو تعصب ديني خاصة وذلك منذ بداية الدراسات العربية
والاِسلامية هناك في القرن الثاني عشر . ولكن المستعرض لهذه الدراسات لا بد سيجد أن التخلص من هذه العيوب ارتبط دائماً بوعى هذا البعض بهذه العيوب وخطورتها المنهجية أو ضرورة التخلص من هذه العيوب لصالح الحقيقة والعلم .
ونقدم هنا أمثلة من النقد الذاتي :
أولاً من القدماء:
يكتب العالم اللغوي يوهان فُوك – منتقداً ترجمة القرآن لأحد اللاهوتيين : "هذه الترجمة تزخر بأخطاء
جسيمة سواء في المعنى أو المبنى . ولم يكن أمينا ، إذ أغفل الكثير من المفردات ، كما أنه لم يتقيد بأصل السياق ، ولم يُقم وزناً لخصوصيات الأسلوب.
– ويقول كارل هينرش بيكر وزير الثقافة في جمهورية فايمر ، مدافعاً عن "موضوعيّة" الاستشراق الألماني، أنّ "الموضوعية" العلمية ، لا تعني بالضرورة العداء للمسلمين ولا الخصومة معهم . وأنّ الموقف الشخصي الوطني أو القومي أو التبشيري – المقصود هنا مساندة ألمانيا للدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى ، بالطبع من أجل مصالحها ومن أجل كسر احتكار بريطانيا وفرنسا وروسيا ولاحقا أمريكا لهذه المنطقة – لا ينبغي أن يؤثر على رؤية الاستشراق للحضارة الاِسلامية العالمية النزوع والتوجه . وهو الذي استخدم مع آخرين "العناصر المادية" والاقتصاد في الحضارة الاِسلامية ، وفتح مجالاً ثقافياً خاصاً هو علم الاِسلام أو الدراسات الاِسلامية ، بهدف ضرب التنازع بين اليهودية
والمسيحية حول أصول الاِسلام ، واستقلال تلك الدراسات الجديدة عن الدراسات السامية ودراسات العالم القديم.
ومن الحداثيين :
– يقول رودي بارت "إن علم الاستشراق كما هو بين أيدينا اليوم نتيجة نشاط أجيال عدّة من العلماء.
ويشير إلى علماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط ودورهم التبشيري للمسيحية ومعاداة الاِسلام بحكم سابق ، وعدم تقييم المصادر الاِسلامية بشكل موضوعي. ويواصل مشيراً إلى تغير هذا الموقف العدائي من قبل المستشرقين منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً تغيراً جوهرياً، فنحن معشر المستشرقين ، عندما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية والاِسلامية لا نقوم فقط لكى نبرهن على ضعة العالم العربي الاِسلامي ، بل على العكس ، نحن نبرهن على تقديرنا الخاص للإسلام ومظاهره المختلفة والذي عبر عنه الأدب العربي كتابةً … ونحن في هذا نطبق على الاِسلام وتاريخه ، وعلى المؤلفات العربية التي نشتغل بها المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه نحن ، على تاريخ الفكر عندنا وعلى المصادر المدونة لعالمنا ، وإذا كانت إمكانياتنا معرفتنا محدودة وهل يمكن أن تكون إلاّ كذلك فإننا نؤكد بضمير مطمئن أننا في دراساتنا لا نسعى إلى نوايا جانبية غير صافية ، بل نسعى إلى البحث عن الحقيقة الخالصة.
– يقول فريتس شتيبات :
"إن الاستشراق شكل نافذة جيدة على الشرق ، تم التعريفُ من خلالها ، وطوال قرنٍ ونصف القرن ،
بالعرب والاِسلام ، وحضارتهما ، بطرائق موضوعية وودودة في أكثر الأحيان . وأيا يكن الرأي الآن ، بعد تغير الظروف والمناهج ، في تلك الدراسات ؛ فإنه يكونُ علينا النظر إليها من جانبين : جانب الجهود
المبذولة في نشر النصوص العربية القديمة كنشرات علميةً ، شكلت منهجاً سار عليه في ما بعد المحققون
والدارسون العرب . وجانب العروض الشاملة والمتخصصة للتاريخ السياسي والثقافي العربي الاِسلامي ، ودراسات التاريخ الديني ، وتطورات الحضارة الاِسلامية في عالم ما بعد الكلاسيكية ، وصولاً إلى الدولة
العثمانية"، ومضيفاً " المشكلة مع الاِستشراق ليست بالدرجة الأولى من جانب إدوارد سعيد ونُقاد
الأدبيات الكولونيالية ، بل من ثورة العلوم الاجتماعية والمنهجيات الجديدة وتفكيكيات ما بعد الحداثة.
لم يساهم الباحثون العرب بصورة كبيرة في عرض الاستشراق الألماني، ربما تكون اللغة هي العائق
الأكبر ، لذلك جاءت المساهمات في الغالب من الذين درسوا في المانيا ، أو يجيدون اللغة الألمانية ، مثل : محمد البهي وزير الأوقاف وشؤون الأزهر السابق ومحمود زقزوق ، كانت أطروحته في ألمانيا دراسةً مقارنة بين ديكارت والغزالي ، وقام بالتعريف بالاستشراق الألماني وقد ساءت علاقته لاحقاً بالاستشراق ونشر كتابه "الاستشراق والصراع الحضاري" ثم محمد عوني عبد الرؤوف ، ورضوان السيد ، وعبدالغفار مكاوي، محمد عبد الهادي أبوريدة، دون أن نغفل الترجمات العديدة للعلامة عبدالرحمن بدوي .
– لم يتعرض إدوارد سعيد للاستشراق الألماني، بحجّة أن ألمانيا ليست لها مستعمرات ، وهذا ليس دقيقاً ، فألمانيا تعاونت مع السلطنة العثمانية من أجل مصالحها ، وكان لألمانيا مستعمرات في أفريقيا. لقد كان هدف سعيد في كتابيه ، "الاستشراق والثقافة والامبريالية"، تحديداً ، هو كشف المشروع الامبريالي
لبريطانيا وفرنسا وأمريكا.
– قام جورج تامر بنقل كتاب تيودور نولدكه بالكامل إلى العربية وحققه ، وبدعم وإصدار من مؤسسة كونراد – أدناور ، الطبعة الأولى ، بيروت 2004
– هل يمكن الآن الحديث عن الاستشراق الألماني بصورته الكلاسيكية ، بعد التطورات في العلوم
المختلفة ، وتكوين العديد من الكراسي في الجامعات الألمانية التي تعتني بالدراسات الاِسلامية والعربية وأنشاء معهد تاريخ العلوم العربية والاِسلامية في إطار جامعة فرانكفورت وبدعم من دول عربية ، ربما
ينضوي تحت مخصصات ، مثل التاريخ ، والأنثروبولوجيا ، والسيولوجيا ، وعلم الدين، أو الدراسات الشرق أوسطية.
– هل يمكن على الرغم من بعض القصور ، إنكار ضخامة وعظمة ما حققه الاستشراق وأنجزه طوال
أكثر من قرن ونصف القرن.
– إن وجود عدد كبير من الطلاب والباحثين المسلمين والعرب في الجامعات الألمانية وكذلك الحوار على قدم المساواة ، سوف يؤدي إلى تعميق اكثر للدراسات العربية والاِسلامية في مناهج الدراسات الألمانية، وكذلك على ضوء وتطور المناهج والتخصصات العلمية المختلفة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.