الخرطوم – «القدس العربي»: ارتفع عدد ضحايا أحداث العنف التي اندلعت الخميس الماضي في محلية كرينك شرقي ولاية غرب دارفور، إلى أكثر من 200 قتيل و100 جريح حسب مصادر طبية محلية تحدثت ل"القدس العربي". وفي وقت شهدت مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، اشتباكات عنيفة بين مجموعات شبه عسكرية موالية للحكومة، قتل خلالها قائد قوات التحالف السوداني في مدينة الجنينة وعدد من الجنود. وما زالت عمليات الرصد جارية لعدد القتلى والجرحى في أعمال العنف التي تجددت صباح الاثنين، بينما نزح المئات من سكان أحياء الجنينة القريبة من المواقع العسكرية التابعة للدعم السريع والحركات المسلحة، وسط حالة من الهلع عمت المدينة، التي شهدت إغلاقا كاملا للأسواق والبنوك والمقار الحكومية. واستنكر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، عدم تدخل القوات الأمنية لحماية المدنيين، مضيفا: "كيف تحرق مدينة في ظل وجود قوات الجيش والشرطة والدعم السريع؟" ووصف عدم تدخلهم لحماية المدنيين بالمؤامرة، مضيفا: "إذا كانت المؤامرة ما زالت قائمة في الخرطوم، هذا يعنى أننا لم نوقع اتفاق سلام." وتابع: "اعتبروا أننا لم نوقع اتفاق السلام وساعدونا". إلى ذلك، أعرب رئيس بعثة الأممالمتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان فولكر بيرتس، عن إدانته قتل المدنيين في غرب دارفور مطالبا بوقف العنف واجراء تحقيق شفاف تُنشرُ نتائجهُ علناً. ودعا في بيان للوقف الفوري لأعمال العنف والقتل الشنيع للمدنيين والهجمات على المرافق الصحية في غرب دارفور. وذكرت الأممالمتحدة السلطات والحركات المسلحة بالتزاماتها القانونية الدولية المتعلقة بحماية جميع المدنيين ومنشآت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية والمدارس وأنظمة المياه. وأشار إلى الحاجة الماسة لوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق لولاية غرب دارفور، مؤكدا أن الأممالمتحدة في السودان ستبقى على أهبة الاستعداد لتقديم كل المساعدة للمحتاجين. وكانت الحكومة الانتقالية قد وقعت اتفاق سلام مع الحركات المسلحة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، كان من المأمول أن ينهي الصراع المحتدم في دارفور لنحو عشرين عام،. إلا أن النزاعات ما لبثت أن تجددت مرة أخرى، في ظل أوضاع أمنية وإنسانية هشة، بينما يوجه ناشطون ومواطنون في دارفور انتقادات واسعة للاتفاق، الذي وصفوه باتفاق المحاصصة السياسية البعيد عن قضايا الإقليم. وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أمضت الكوادر الطبية ليلة مليئة بالمخاطر، بعد امتداد الاشتباكات بين مجموعات مسلحة تابعة للحكومة إلى داخل مستشفى الجنينة والسكن المخصص للأطباء. وقال راشد مختار، كادر طبي في مدينة الجنينة، ل"القدس العربي" عبر الهاتف: "شهد محيط مستشفى الجنينة مساء الأحد تبادل إطلاق نار كثيفا بين قوات الدعم السريع ومجموعات قبلية موالية لها وحركة التحالف السوداني، بعدها انتقل الاشتباك إلى داخل المستشفى." وأضاف: "كانت مجموعات الدعم السريع تحيط بالمستشفى وتمنع دخول الجميع إليها، بعدما نقلت إليها بعض المصابين التابعين لها من محلية كرينك، الأمر الذي أدى لاحقا لاشتباك بينها وبين قوات التحالف السوداني، تصاعد صباح الإثنين وما زال مستمرا حتى الآن." وأشار إلى خروج معظم الكوادر الطبية من مستشفى الجنينة بعد احتدام الأوضاع وعدم توفير الحد الأدنى من الحماية للعاملين والمرضى هناك، وامتداد إطلاق الرصاص إلى محيط سكن الأطباء القريب من المستشفى. ولفت عضو تنسيقية لجان مقاومة الجنينة أحمد خليل الذي تحدث ل"القدس العربي" عبر الهاتف، إلى التداعيات الخطيرة التي خلفها دخول جيوش متعددة إلى داخل مدن دارفور، معتبرا ذلك من إخفاقات اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والحركات المسلحة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020. وشدد على أن الأوضاع تزداد سوءاً في دارفور بينما يتزايد الاحتقان بين المجموعات العسكرية المسلحة في ظل استقطاب اثني حاد، قد تقود الإقليم الذي تحول لمناطق نفوذ ومنافسة بين الحركات المسلحة والدعم السريع، إلى إوضاع كارثية، وحرب قد لا تنتهي قريبا، مؤكداً على ضرورة تكوين جيش واحد بعقيدة وطنية موحدة. ولفت إلى حالة الفزع العام في مدينة الجنينة، في وقت تتصاعد أصوات الرصاص والمدفعية الثقيلة، داخل الأحياء السكنية وتخترق المنازل. وأشار إلى انقطاع الاتصالات منذ مساء الأحد مع محلية كرينك التي تبعد حوالى 65 كيلومترا شرقي الجنينة، وسط حالة من القلق على المنطقة التي ظلت محاصرة منذ صباح الجمعة، وتتعرض لهجمات بسيارات الدفع الرباعي والأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى هناك في ظل أوضاع إنسانية سيئة وعجز عن إسعاف المصابين او إكمال عمليات الحصر للضحايا. إلى ذلك، أكد مسؤول الإعلام في ولاية غرب دارفور، حذيفة زكريا، الذي تحدث ل"القدس العربي" عبر الهاتف، هدوء الأوضاع في مدينة الجنينة وتوقف الاشتباكات التي استمرت منذ مساء الأحد وتجددت صباح الإثنين، إلا أنها على حد قوله هدأت في المساء، مؤكداً أن حكومة الولاية ما زالت تقوم بجمع المعلومات حول طبيعة الاشتباك وأسبابه وما زالت عمليات الرصد للضحايا جارية. وعن الأوضاع في محلية كرينك، قال، إن الأوضاع هناك بدأت تستقر وإن عمليات الرصد للضحايا والخسائر ما زالت جارية، مشيرا إلى أن حكومة الولاية تنخرط في اجتماعات في الوقت الراهن، وستقدم بيانا بمجمل التفاصيل خلال الساعات المقبلة. ونددت كتلة ثوار ولاية غرب دارفور، في بيان أمس بسيطرة قوات الدعم السريع منذ نهار الأحد على مستشفى الجنينة التعليمي، مستنكرة تعرض الكوادر الطبية للضرب والإساءة بطريقة عنصرية ومهينة للكرامة الإنسانية من قبل قوات الدعم السريع التي قامت باقتياد عدد من الأطباء والمواطنين إلى أماكن غير معلومة. وأضاف: "اغتالت قوات الدعم السريع القائد العام لقوات حركة وجيش تحرير السودان التابعة لوالي ولاية غرب دارفور خميس أبكر، والياس فلنقات، والضابط محمد نجول، وثلاثة من أفراد الحراسة الخاصة بهم أثناء زيارتهم لمستشفى الجنينة التعليمي، مساء الأحد. وتابع: "دمرت القوات التابعة للدعم السريع المتمركزة أمام مباني جهاز الأمن سيارة تابعة للجيش السوداني، كانت تعتقد أنها تتبع لجهات أخرى، وقتلت 4 من كوادر الجيش قبل أن تنسحب من أمام مقر جهاز أمن ولاية غرب دارفور." وحسب البيان، تجدد الاشتباك صباح الإثنين، بسبب هجوم الدعم السريع مرة أخرى على المواطنين أثناء تشييع جثامين الضحايا إلى مقابر حي المدارس. واتهم الحكومة بالتواطؤ وعدم القيام بمهام حماية المدنيين وحفظ الأمن في الولاية، مضيفا: "تقوم قوات الدعم السريع ومليشيات الجنجويد منذ أيام بإبادة مواطني ولاية غرب دارفور وحتى هذه اللحظة الحكومة تبصم بالعشرة على الانتهاكات الجارية". وأكمل: "الآن مدينة الجنينة تحت محرقة الدعم السريع ومليشيات الجنجويد والمواطنون يواجهون خطر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير الكامل للمنطقة". وندد المكتب الموحد للأطباء بعمليات إطلاق النار في ساحة ومحيط مستشفى الجنينة، في وقت كانت الكوادر الطبية منخرطة في إجراء عمليات جراحية لبعض المصابين الذين تم نقلهم للمستشفى. وقال في بيان: "أثناء وجود الكوادر الطبية داخل العمليات سمعوا أصوات تبادل إطلاق نار داخل وخارج المستشفى، أدى لسقوط 4 قتلى ظلت جثثهم موجودة في ساحة ومحيط المستشفى طيلة مساء الأحد، بسبب تواصل إطلاق النار". وأشار إلى أن الوجود العسكري المكثف داخل المستشفى نهار الأحد أدى لانسحاب جزء كبير من الكوادر الطبية التي لم تجد الحماية اللازمة لممارسة عملها. ولفت إلى إغلاق حوادث مستشفى الجنينة المرجعي بشكل كامل، ما يزيد من تفاقم الوضع الصحي بالولاية، مشيراً إلى أن الحالات الحرجة الأخرى غير المصابين في الأحداث، لا يوجد منفذ لعلاجها في المستشفى، وأن الكادر الطبي المناوب بحوادث النساء والولادة محاصر ولا يجد الإسناد للمواصلة في المناوبة. وقد تغادر الكوادر المتبقية في المستشفى في أية لحظة، حسب البيان، الأمر الذي يهدد حياة النساء اللاتي يعانين من نزيف وخلافه من الحالات الحرجة التي يستقبلها قسم النساء والولادة. وأضاف: "المرضى المنومون بالعنابر والعناية المركزة قد لا تتوفر لهم الرعاية الطبية خلال الساعات المقبلة نسبة لعدم توفر الأمن للكوادر الطبية التي فضل بعضها مغادرة المستشفى، بينما لا يستطيع الأطباء الآخرون الوصول بسبب تواصل الاشتباكات." وفي ظل الظروف الأمنية الحرجة تظل حياة الكوادر الطبية معرضة للخطر، حسب المكتب الموحد للأطباء، مبدياً قلقه من مهاجمة السكن الخاص بالأطباء في مدينة الجنينة والذي لا تتوفر به أي حماية. وأشار إلى صعوبة العبور من أقرب مقر لسكن الأطباء للمستشفى وتخوف الأطباء من التعرض لإطلاق نار عشوائي قد يكلفهم حياتهم. وتابع البيان: "تعرض مستشفى محلية كرينك هو للهجوم صباح الأحد، مما أدى إلى خروج الكوادر الطبية العاملة به والاحتماء بحامية الجيش قبل أن تعود في وقت متأخر إلى المستشفى"، مشيرا إلى أن الوضع الأمني الحرج والنقص الحاد في الكوادر يعيقان العمل في مستشفى محلية كرينك مع توافد أعداد كبيرة من الضحايا. ووصف مكتب الأطباء الموحد الوضع الصحي بولاية غرب دارفور بالكارثي والخطير، في ظل سقوط عدد كبير من المصابين وعدم حماية الكوادر الطبية خلال القيام بعملها، مشيرا إلى صعوبة تقديم الرعاية الصحية للمرضى من غير المصابين، مطالبا المنظمات العاملة في مجال الطوارئ الصحية بالتدخل العاجل لحين انجلاء الكارثة.