مع كل حراك شعبي في السودان يسقط ضحايا من الثوار ومتظاهرون بالرصاص الحي، تتفاوت أعداد من ترتقي أرواحهم شهداء بين مظاهرة وأخرى، لكن القاسم المشترك هو أن الفاعل يبقى في الغالب مجهولاً حسب السلطات الرسمية، أو تلصق التهمة بقوى معارضة لها المصلحة في سقوط مزيد من الضحايا. بينما يؤكد الثوار بأنه إذا كان هناك طرف ثالث فإنه مدفوع من السلطات الأمنية أو فلول النظام السابق البائد، سيما وأن من يطلقون النار على الثوار دائماً ما يكونوا مرتدين زي النظاميين وحتى من هم بالزي المدني أعلنت الشرطة مرة، أنها قبضت على أحدهم وثبت أنه نظامي بعد أن أظهرته قناة العربية في فيديو يصوب مسدساً نحو الثوار. ويتبادل أطراف الصراع الاتهامات باستهداف المحتجين في المواكب بيد أن المؤشرات تمضي إلى أن الأجهزة الأمنية الظاهرة هي من تمارس القتل، وتظهر مقاطع فيديو متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي عناصر شرطية يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين، إلا أن الشرطة تنفي ذلك وتؤكد أن ما يطلقه رجال الشرطة لا يعدو أن كونها أكثر ذخائر صوتية لا تصيب أحداً في مقتل بينما يتهم آخرون جهة ثالثة وفق ما أظهرته مقاطع فيديو لمدنيين يحملون أسلحة نارية، ويوجه المشاركون في هذه التظاهرات أصابع الاتهام للقوات النظامية التي تقوم بعمليات قمع التظاهرات والمواكب على الرغم من سلميتها، فيما ترى السلطات السودانية أن هناك طرفاً ثالثاً يمارس عمليات القتل، نظراً إلى عدم وجود بينة أو حادثة موثقة ضد متهم بعينه. ويعتقد مراقبون أن هناك طرفاً ثالثاً ربما ترتكب هذه الجرائم تستهدف المؤثرين من الثوار، فيما ضُبط مدنيون مندسون وسط المتظاهرين يحملون أسلحة بيضاء. ويقول معاوية محمد عبد اللطيف أحد المشاركين في المواكب المناهضة للانقلاب العسكري باستمرار وهو من سكان مدينة بحري، إنه منذ مواكب العام 2013م لديه شكوك باختراق من قبل عناصر مجهولة. وقال "ثبت لنا بأدلة دامغة تورط عناصر من الحركة الإسلامية في اختراق هذه المواكب"، وأضاف في حديثه ل "الحراك" بأن هناك فلولاً من المؤتمر الوطني المحلول حاولوا إجهاض الحراك الثوري باختراقهم للمواكب، وكان بعضهم يردد هتافات مناوئة لحكومة حمدوك على شاكلة (يسقط حمدوك .. حمدوك سكران) للإيحاء بأن الشارع رافض لحكم حمدوك، إلا أنهم فشلوا، إلى جانب استخدامهم للآلة الإعلامية في ضرب الثورة، وأضاف معاوية بأنه تعرض للتهديد في كثير من المرات من قبل عناصر أمنية . ويروى معاوية عن محاولة إحداث تفلتات أمنية أثناء المواكب لتشويه سمعة الثوار الحقيقيين واتهامهم بالتخريب عندما ضبطوا أحد العناصر المندسة يحمل سكيناً قبل أن يسلموه للشرطة، ورغم ما يتردد عن محاولة المعارضة لقتل الثوار إلا أن معاوية يؤكد أن المعارضة لا مصلحة لها في قتل الثوار، وإذا كان هناك طرف ثالث هم من يستفيدون من الوضع الفوضوي، وبالتالي لا يعقل أن تحرص المعارضة على انفلات الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي الماثل الآن . ويقول عثمان كمال – طالب من عناصر المقاومة بمدينة أمدرمان إن حديث السلطات عن وجود طرف ثالث لإثارة الفوضى إذا كانت صحيحة فبالتأكيد شباب المقاومة لا علاقة لهم بهذا الطرف، واتهم عثمان فلول النظام السابق أو كما أسماه بكتائب الظل باختراق المواكب، لإحداث الفوضى لإشانة سمعة الثوار السلميين. وأضاف في حديثه ل "الحراك" بأنهم سبق وأن ضبطوا أحد العناصر يحمل سلاحاً أبيضَ، وتم إبعاده من الموكب . وكشفت الثائرة سناء محمد عن سلوك المندسين وقالت ل" الحراك" إنهم يشكون في وجود هؤلاء لإحداث تفلتات لاتهام الثوار بالتخريب، وتابعت" غالباً ما نشك في العناصر التي تحاول تغيير مسار الموكب لمسار آخر غير المتفق عليه لتشتيت تركيز الثوار وتفريقهم إلى جانب ترديد بعضهم لهتافات تقول (حرية سلام عدالة – عسكرية خيار الشعب)، بينما نحن نردد هتافات مناوئة للانقلاب، فيما يعمل بعض المندسين للحصول على معلومات عن الثوار المؤثرين والناشطين لاعتقالهم لذلك بدخلوهم وسط الثوار ومعرفة أكثرهم تأثيراً، وحثت سناء الثوار باليقظة وعدم الوثوق في أي شخص يحاول معرفة الثوار الحقيقيين . ورغم أن الوثيقة الدستورية تكفل حق التظاهر للمواطنين، إلا أن ما يحدث عملياً في كل مرة هو أن المظاهرات تتعرض لقمع عنيف ليس أقل من التفريق بالقوة تحت الضرب وقنابل الغاز المسيل للدموع وتصل للموت بالرصاص، كما حدث في غالب مظاهرات في مختلف مدن السودان، مستغلةُ ذريعة التخريب وإتلاف الممتلكات العامة وهي أمور ينفيها المتظاهرون والمراقبون معاً. في صفوف المتظاهرين تتجدد دوماً التنبيهات والإشارات إلى أن قوات الشرطة التي تصاحب الحراك السلمي، لكن الفارق أن مطلقي النار دوماً تميزهم الملابس الجديدة ولا ينتعلون أحذية عسكرية، بل يضعون على أقدامهم أحذية مختلفة وعادية، مؤكدين أنها قوة مسلحة غير معروفة رسمياً لكنها تتبع حسب أقوالهم على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي لحزب المؤتمر الوطني المحلول والتنظيم المساند له، وهي تعرف بتسمية (الأمن الشعبي) أو فلول النظام السابق. ويشير المحلل السياسي والقانوني ياسر عثمان إلى أن الحديث عن طرف ثالث يقوم بقتل المتظاهرين ما هو إلا زر للرماد في العيون، من واقع أن كل القضايا التي وصلت إلى المحاكم كان مطلق النار فيها نظاميين أو قتلة مستأجربن بواسطة جهات نظامية كما في قضية "أب جيقة" الشهيرة، ولفت إلى أنه حتى لو أن هناك طرفاً ثالثاً فإن سلطة القبض عليه وإماطة اللثام عنه تنعقد على الشرطة والأجهزة الأمنية، وعدم القبض على أي من أفراد هذا الطرف يؤكد أن الشرطة أو القوات النظامية الأخرى، تعرف من هو الطرف الثالث الذي لو لم يكن من أحد أفراد أجهزتها فإنها تتستر عليه. وأوضح أن الحديث عن طرف ثالث لا يعفي الشرطة والأجهزة النظامية الأخرى، من مسؤولية قتل المتظاهرين. صحيفة الحراك السياسي