القبول الكبير الذي وجده مشروع دستور السودان الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، في أوساط قوى الثورة من لجان مقاومة وقوى سياسية ومدنية مقاومة للانقلاب؛ بالإضافة إلى ما قاله السفير الأمريكي، جون غودفري، في أول حوار صحفي له بعد وصوله البلاد من أن "صياغة مشروع الدستور الانتقالي في إعلان سياسي تسهل تكوين مجموعة مدنية، وتسمح للآلية الثلاثية بتسهيل مباحثات رسمية وغير رسمية بين الجيش وهذه المجموعة المدنية المتوافقة"؛ مؤشرات تبين أنه ربما يكون لمشروع الدستور الانتقالي المقترح دور فاعل في توحيد قوى الثورة ولم شملها للتحدث بلسان واحد، حال توافقها حول المشروع. يلغي مشروع الدستور المطروح الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة (2019)، تعديل (2020)، على أن تظل كل القوانين الصادرة بموجبها سارية ما لم تُعدل أو تُلغى. كما يلغي كل القرارات التي صدرت في أو بعد انقلاب 25 أكتوبر (2021)، بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أُبرمت بعد الانقلاب وحتى بدء سريان الدستور. وشدد مشروع الدستور على أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم القتل خارج نطاق القانون، وجرائم الاغتصاب، والتعذيب، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وجريمة تقويض النظام الدستوري، وجرائم الفساد التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو 1989م حتى تاريخ التوقيع على الدستور الانتقالي. كما يحظر قيادات وأعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول من ممارسة النشاط السياسي خلال الفترة الانتقالية، وتسجيل أو إعادة تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته. وجاء في الباب الثالث من مشروع الدستور تحت عنوان (مهام الفترة الانتقالية)، أن تلتزم أجهزة ومؤسسات الفترة الانتقالية بتعزيز التحول الديمقراطي وبناء مؤسسات الفترة الانتقالية، وذلك باتخاذ تدابير منها: تفكيك وتصفية بنية نظام الثلاثين من يونيو (1989)، وإزالة التمكين وإلغاء قوانينه، واسترداد الأصول والأموال المنقولة وغير المنقولة من داخل وخارج السودان وفقاً لما ينظمه القانون، وأن تشرف مفوضية الدستور على إجراء حوار عبر عملية شاملة وشفافة وغير إقصائية لصناعة الدستور، تتوج بعقد مؤتمر قومي دستوري يناقش قضايا الحكم وصولاً لدستور متوافق عليه وعلى عملية إجازته ديمقراطياً على أن يُعقد قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية، وأن تلتزم الدولة بإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة بمراقبة دولية في نهاية الفترة الانتقالية، ومنح المشروع القوى التي توقع الإعلان السياسي سلطة تشكيل الحكومة، كما أكد على ضرورة تشكيل المجلس التشريعي خلال شهر من تاريخ التوقيع على الدستور. لم يحد الدستور الانتقالي عن شعارات ديسمبر، وتعاطى بموضوعية مع (مُعضلة) اتفاق سلام جوبا بأن أقر تعديل الاتفاق بمشاورة الأطراف من الحركات المسلحة الموقعة عليه لجنة تسيير نقابة المحامين أكدت في تصريحات صحفية هذا الأسبوع، أن مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته يُعتبر رؤية لتأسيس الدولة المدنية وهي قابلة للتعديل، لافتة النظر إلى أنها توصلت للمشروع عبر توصيات ورشة عمل انعقدت في الشهر الماضي بمشاركة محلية ودولية واسعة. نافية ما رددته بعض القوى المحسوبة على الثورة الذين واجهوا المشروع بالاتهامات الجزافية، والمبهمة، والتشكيك في مصدر التمويل، بطريقة تُجرم رفاق نضال الأمس القريب. لكنها ظلت اتهامات لا تقف على ساقين، فقد وجد مشروع الدستور القبول من طيف واسع من القوى الثورية، لجهة أنه لم يغفل مطالب الشارع العريض، ولم يحد عن شعارات ديسمبر، وتعاطى بموضوعية مع (مُعضلة) اتفاق سلام جوبا بأن أقر تعديل الاتفاق بمشاورة الأطراف من الحركات المسلحة الموقعة عليه. وصار المشروع في أقل تقديراته نقطة التقاء تصلح للبناء عليها للخروج من مأزق الانقلاب الحالي الذي تعيشه البلاد، لكن البعض يتغافلون عن كل ذلك، ويصمون آذانهم عن سماع صوت المرحلة عن ضرورة توحيد قوى الثورة. من يقول لهؤلاء إن الفترات الانتقالية لا تسير وفق هوى حزب أو فصيل علا شأنه أم صغر؟! وإنها تحالف حد أدنى مرحلي لا يستقيم أن يكون شرط المشاركة فيه هو السيطرة عليه؟! على قوى الثورة أن تتنازل لبعضها البعض، وأن تعمل على تقصير أمد الانقلاب عبر الوحدة. من نافلة القول، إن الانقلاب الذي ترزح البلاد تحت وطأته هو الواقع الأبرز في سودان اليوم، وهو العقبة الكؤود أمام قوى ثورة ديسمبر على طريق تحقيق شعاراتها الخالدة، وأن المكايدة السياسية لا تصلح لبناء الأوطان. حفظ الله السودان وشعب السودان الديمقراطي