يبدو أنَّ العسكر قد رموا "طوبة" قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بعد أن مضت هذه الأخيرة إلى سد أذنيها أمام أي اتجاه يفضي إلى تشكيل الحكومة المرتقبة، فالعسكر من ناحيتهم فقد مضوا إلى إبداء حسن النية وتقديم السبت من خلال إعلانهم الخروج من العملية السياسية وترك الملعب إلى القوى السياسية، وهذه الخطوة بنظر الكثيرين كانت بمثابة "البياض" الذي قذف به العسكر أمام "وداعية" المجلس المركزي فماهي "الودعات" التي ستشكل واقع الحكومة المقبلة ..ودعات الحرية والتغيير أم ودعات البرهان ..؟ حكومة الأمر الواقع وعطفاً على تصاعد الأحداث على أرض الواقع فإن كل الدلائل والمؤشرات تمضي في اتجاه أن العسكر قد أصابهم الملل، من انتظار أن تخرج قوى الحرية من "زعلتها" وتمضي إلى تشكيل الحكومة الانتقالية المرتجية، بيد أن انتظار العسكر ربما قد لا يطول خصوصاً بعد الحديث والقول الثقيل الذي رمى به رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مقابلة له مع أعيان المسيرية بأن "البلد مافيها حكومة ولو كان فيها حكومة ماكان استقبلوا أيلا استقبال الفاتحين مع أنه مطلوب للعدالة". وحديث البرهان بحسب مجريات الأحداث فإنه يشير إلى اعتزام العسكر بالمضي بقاطرة الحكومة إلى آخر محطاتها، وإن لم تكن قوى الحرية والتغيير من ضمن ركابها بالذهاب بالجميع إلى حكومة الامر الواقع، دون التقييد والاكتراث بوجود المجلس المركزي ضمن كابينة الحكومة أو عدمه. تعقيد المشهد وفي سياق ذلك فقد هدد مركزي الحرية والتغيير بالتصعيد في حالة إعلان حكومة جديدة، وقالت الناطق الرسمي باسم المركزي سلمى نور في تصريحات صحفية، إن أي حكومة أمر واقع تقوم السلطة بتشكيلها تعتبر جزءاً من الانقلاب وستزيد المشهد تعقيداً وستقابل بالتصعيد من قبل قوى الحرية والتغيير. وقطعت نور بأن تشكيل الحكومة لن يحل الأزمة بل سيعقدها أكثر وأن الخطوة مرفوضة من الأحزاب، مشيرة إلى أن حكومة الأمر الواقع لن تكون مؤهلة لقيادة البلاد وتقودها إلى الانتخابات. التمترس في المواقف وفي ذات الاتجاه حيث يرى مراقبون أن اعتزام العسكر المضي في خطوة تشكيل الحكومة المقبلة دون إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين من قوى الحرية والتغيير، من شأنها أن تفضي بمزيد من التعقيدات السياسية على الوضع السياسي الملتهب أصلاً ..ومن هنا تبرز التساؤلات حول ماهية الخيارات الموضوعة الآن أمام طاولة العسكر في حال ما زال مركزي التغيير متمترساً في مواقفه من الحكومة المحتملة .. بجانب ماهية الوسائل والأدوات التي ما تزال بيد قوى التغيير لمناهضة أمر تكوين الحكومة؟ أدوات النضال وللإجابة عن هذا التساؤل يجيب القيادي بقوى الحرية والتغيير الناطق باسم البعث عادل خلف الله والذي أشار، إلى أن الوسائل والأدوات التي تمتلكها قوى التغيير لمناهضة قرارات العسكر في الذهاب إلى حكومة مرتقبة، تتمثل في تنظيم الاحتجاجات وتسيير المواكب والدخول في الاعتصامات والتي من خلال تراكماتها من شأنها أن تفضي إلى نقل هذه الاحتجاجات إلى اللحظة الحاسمة والمتعلقة بالإضراب السياسي والعصيان المدني. وقال خلف الله ل (الحراك) بأن هذه الوسائل المنعية أثبتت فعاليتها ونجاحها في سقوط نظام البشير، وبالتالي فإن هذه الوسائل أضحت إحدى الأدوات الراسخة في النضال من التي اعتمدتها الحركة السياسية والجماهيرية. التوافق الوطني على الخط والمضي في اتجاه تكوين الحكومة الجديدة لم يكن مقتصراً على المكون العسكري لوحده فقد مضت قوى الحرية التوافق الوطني إلى تبني فكرة الذهاب إلى تشكيل الحكومة بمن حضر، جنباً بجنب إلى العسكر فما هي الدواعي التي عجلت بدخول التوافق الوطني ضمن دائرة عرابي الحكومة المعتزمة ...؟ الخروج برؤية موحدة وبالمقابل فقد كشف القيادي بقوى الحرية والتغيير التوافق الوطني محمد السماني بوجود تسوية سياسية بين المجلس المركز للتغيير والمكون العسكري، في إطار تسمية الحكومة المقبلة. وقال السماني ل(الحراك) إن المشاورات بين الطرفين وصلت إلى نهايتها وتبقت فقط خطوة الإعلان عنها وطرح ذلك للشارع، وجزم بأن التسوية تمت بمباركة الآلية الثلاثية. وشدد السماني بأن قوى التوافق الوطني تقف مع تشكيل الحكومة الجديدة لكنه عاد وقال، نحن ضد التسويات الجانبية والثنائية التي تحدث بين مركزي التغيير والعسكر، مشيراً إلى تواصلهم بكل المكونات السياسية في الساحة ماعدا المؤتمر الوطني المحلول، لأجل الخروج برؤية موحدة عن ملامح وشكل الحكومة المرتقبة. وأضاف: ليس من حق المركزي التحدث باسم جموع الشعب السوداني من خلال مساعيه إلى مناهضة الحكومة المرتقبة. القاش كرب وفي ذات السياق يرى محللون أن خطوة تشكيل الحكومة المرتقبة بمن حضر دون إشراك لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، من شأنه أن يرجع إلى اعتزام وسعي العسكر إلى الخروج بالبلاد من المأزق السياسي الذي يعتصرها من كل الجوانب. وعطفاً على ذلك فهل سيمضي العسكر إلى سياسة "القاش كرب" والذهاب إلى الحكومة المقبلة قبيل أن تفق قوى التغيير من ثباتها ..؟ تهديدات سياسية ومن جهته فقد مضى المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية د. راشد التجاني بالإشارة إلى استحالة إمكانية التوافق على حكومة جديدة بين العسكر والمدنيين، لافتاً إلى أن خطوة رفض قوى التغيير لتكوين الحكومة الجديدة مرتبط بالتصريحات والتسريبات الأخيرة والتي أفضت بالبرهان، إلى أن يشير إلى أن البلد أضحت بدون حكومة، مما يعكس حالة الضيق التي يعيشها المكون العسكري نتيجة الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد. وقال التجاني إن العسكر ربما يمضون إلى البديل من خلال طرح وتشكيل حكومة أمر واقع خصوصاً بعد حملة التسريبات التي تحدثت عن عودة وشيكة لرئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، لرئاسة الوزارة مرة أخرى وقيادة الحكومة الجديدة. ووصف التجاني الأحاديث التي رمت بها قوى الحرية والتغيير بأنها سوف تجابه الحكومة المرتقبة، لا تخرج عن إطار التهديدات السياسية وليس إلا. الحراك السياسي