من حين لاخر تخرج بعض وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن وجود خلاف بين القائد العام للجيش الفريق اول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات العم السريع الفريق اول محمد حمدان دقلو. اليومين الماضين اصدر دقلو تصريحا كذب فيه ماتم تداوله بشان خلاف بينه والرهان وان قيادات من الادارة الاهلية توسطت بينهما وانهت الخلاف، وقال ان تلك الادعاءات قصد منها إثارة الرأي العام. لم تتفاجأ الأوساط السياسية بتصريحات نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو التي أكد فيها اتفاقه مع رئيس المجلس السيادي على أن تتولى القوى السياسية تشكيل حكومة مدنية كاملة لتكملة ما تبقى من الفترة الانتقالية، وتكون رئاسة المجلس السيادي والوزراء المدنية، ربما لأن الرجلان أعلنا قبل ذلك التزام المؤسسة العسكرية بخروجها من العملية السياسية وترك أمر السلطة التنفيذية للمدنيين، لكن كان مستغرباً نفيها بعد ساعات بتصريحات من قبل المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد الطاهر أبو هاجة أشار فيها إلى أن الجيش لن يسلم السلطة الا لحكومة متوافق عليها من كل السودانيين أو حكومة منتخبة والقوات المسلحة مسؤولة بنص الدستور عن حماية واستقرار البلاد، هذه التصريحات المتقاطعة، لفتت انتباه المتابعين للشأن السياسي إلى وجود خلاف بين رئيس مجلس السيادة ونائبه. والسؤال: هل هناك خلافات بين الرجلين، وما حجمها وهل ستصل لنهاياتها أم إنه مجرد وهم في أذهان الكثيرين وأمنيات وأشواق لكثيرين؟ الخلاف قديم: موضوع الخلاف داخل المكون العسكري تحديداً بين قائد القوات المسلحة وقائد الدعم السريع، لم يكن جديداً، فقد سبق أن نوه رئيس الوزراء السابق دكتور عبد الله حمدوك في إحدى خطاباته إلى وجود اختلاف داخل المكون العسكري، وأشار وقتها لحالة من التوتر بينهما، دعت حمدوك وقوى الحرية والتغيير للتدخل. لكن الجديد هذه المرة هو ظهور هذا الخلاف المكتوم للعلن وتعرف العامة عليه عبر تصريحات تم تداولها بصورة واسعة. وفي هذا الشأن يقول دكتور العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية محمد إبراهيم ل(اليوم التالي): إن الخلاف بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع، ليس جديداً، وبحسب محمد بدأ منذ التغيير الذي حدث في الحادي عشر من أبريل 2019م، حيث لعب الدعم السريع دوراً كبيراً في التغيير، في وقت كانت فيه المؤسسة العسكرية مترددة بين الانحياز للشارع والقضاء على مشروع الثورة، وفي النهاية كما هو معلوم حدث انحناء للعاصفة واحتواء مشروع التغيير من داخل الأجهزة الأمنية. وأشار إلى أنه بعد تكوين حكومة حمدوك وتمدد وضعية الدعم السريع إقليمياً ودولياً وشرعنة دوره، أصبحت هناك مجموعة داخل القوات المسلحة تنظر بريبة لمشروع قوات الدعم، وتفكر في خطة جديدة تم في مرحلتها الأولى فتح صراع مدني عسكري واستيعاب الدعم فيه وقد نجحت. الانقلاب : ويرى محمد إبراهيم أن انقلاب 25 أكتوبر لم يكن متفقاً عليه، حيث كان واضحاً أن قائد الدعم السريع غير موافق أو متفق مع قيادة القوات المسلحة ودعا إلى عدم قراءة هذا الخلاف بمعزل عن الصراع حول السلطة، التي يبحث فيها كل طرف عن حلفاء سياسيين، وفي إطار رصده للاختلافات بينهما نبه دكتور محمد إلى أن قوات الدعم السريع انسحبت من المليونيات والمواجهات الشعبية، وقال: هذا التفكير الاستراتيجي خلق حالة من الرضا الشعبي فيما دخل الجيش في مرحلة من المراحل. وتطور هذا الاختلاف مؤخراً بتأييد قيادة الدعم السريع لمشروع المبادرات والمقترحات لإنهاء الانقلاب عبر الدستور الانتقالي. وأشار دكتور العلوم السياسية والاستراتيجية إلى خلاف دولي بينهما، تقرب بموجبه حميدتي من الروس في حين تقرب الجيش من الغرب، ووصف دكتور محمد إبراهيم المسألة بالمعقدة على خلفية البعد الخارجي الذي أصبح مؤثراً وتزعجه حالة اللادولة. وأكد أن حميدتي في تصريحاته الأخيرة حسم الجدل المثار حول خروج المؤسسة العسكرية من الشأن السياسي بوضوح وجرأة ولم يستبعد أن يكون ذلك مرتبطاً بتحولات إقليمية ودولية ترى ضرورة وجود حكومة مدنية لإكمال المسار الديمقراطي..
الوصول للنهايات: ويجئ الاختلاف بين قادة القوات المسلحة والدعم السريع في ظروف دقيقة، تتفاقم فيها الصراعات بين القوى السياسية التي منوط بها تكوين حكومة مدنية وتتصاعد فيها المواجهات القبلية في بعض ولايات السودان وتعيش البلاد في حالة اللا دولة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م وتكثر فيه الوساطات الخارجية التي تسعى فيها كل دولة لترجيح كفة مصالحها، إضافة للأوضاع الاقتصادية التي اقتربت من حافة الهاوية، ويتزامن هذا المشهد الشائك مع بروز صراعات العسكريين إلى السطح.. والسؤال هل يمكن أن يصل هذا الصراع الى نهاياته؟ وفي رده على هذا السؤال لفت دكتور العلوم السياسية والاستراتيجية محمد إبراهيم أن فاتورة المواجهة ستكون عالية، على خلفية وجود ثلاثة مكونات عسكرية (جيش، دعم سريع، حركات كفاح مسلح) واحتمالات تدخل مناصرين آخرين حاملين للسلاح لهذه المجموعات إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية، واعتبر إبراهيم أن العزف على وتر المواجهة منهج غير عقلاني والذين لديهم أشواق ويرون اقتراب المواجهة هم أنفسهم سيدفعون الثمن.. ولم يستبعد وجود قوى مستفيدة من تصعيد هذا الخطاب وتعمل على جس النبض، واختتم حديثه بقوله: الطرفان يدركان مخاطر المواجهة، لذلك أتوقع أن تكون الحلول التوفيقية مدخلاً لتجاوز الاختلاف..
المواجهات مستبعدة: من جانبه وصف الخبير العسكري عمر أرباب الاختلاف في وجهات النظر بين القادة العسكريين بالطبيعي، بيد أنه أشار في حديثه ل(اليوم التالي) الى أن الخطورة تكمن في أن الخلاف بين القادة العسكريين يتم حله بالبندقية، وأضاف: لكن توازن القوى في المشهد السياسي يجعل من الصعوبة بمكان الوصول لمرحلة المواجهات العسكرية بين الطرفين، وتوقع أن يكون القصد من الخلافات تمرير أجندة سياسية، وتقديم تنازلات من البعض، وتأسف عمر لتبني القادة العسكريين مواقف سياسية والسعي لتحالفات سياسية، يستميل فيها كل تيار قائداً عسكرياً يستطيع الضغط به لتمرير أجندته السياسية وقال: لم يعد سراً أن هناك تحالف بين حميدتي والحرية والتغيير وما يحدث الآن هو إعادة لتحالف قديم تم وأده بالانقلاب ووفقاً لعمر أن حميدتي شعر أنه قد استدرج للمرة الثانية في الانقلاب، ويريد أن يحظى بحاضنة سياسية توفر له السند الشعبي ولا يمكن أن تكون التيار الإسلامي أو نظام الإنقاذ السابق وحلفاؤه، ويرى عمر أن الحرية والتغيير هي الأقرب له، بعد أن وضح أن البرهان حليف للنظام السابق ويسعى لإعادته للسلطة، مقابل إفلاته من العقاب أو استمراره في السلطة حتى يكون هناك مخرجاً أو حل من هذه الورطة التي وضع الجنرالات أنفسهم فيها. وجزم عمر أرباب أن لا حل لللأزمة إلا بإبعاد المؤسسة العسكرية من الشأن السياسي وعودتها لمهامها الأساسية حتى لا يكون مدعاة للخلاف بين القادة العسكريين، ورجح أن يكون تمسك القادة العسكريين بالسلطة من أجل الإفلات من العقاب والجرائم بعد سقوط الإنقاذ والتي يتحمل وزرها هؤلاء القادة العسكريون، بالتالي يسعى أي طرف للمحافظة على السلطة ولم يستبعد أن يسعى كل طرف لتوريط غيره في المجازر والجرائم التي ارتكبت لا سيما مجزرة القيادة العامة كمجزرة مفصلية وتاريخية في المشهد السياسي. مؤشر خطير: أما الناطق الأسبق باسم القوات المسلحة الصوارمي خالد سعد.. فقال ل(اليوم التالي): التصريحات التي صدرت من الفريق أول محمد حمدان دقلو، كان يفترض أن تصدر من قبل الحكومة إذا كان الأمر سيادياً، وأكد أن الجهات الرسمية المنوط بها مثل هذه التصريحات هي الناطق الرسمي باسم الحكومة أو مجلس السيادة وهي الجهات المسؤولة عن تصريحات الحكومة، بمعنى أن الوضع الصحيح أن لا تصدر تصريحات انفرادية بخصوص الأمور السيادية، لذلك أثارت تصريحات دقلو بعض الشكوك وعلامات استفهام كبيرة، وأشارت بوضوح لعدم التناغم والتناسق في مجلس السيادة. ونوه إلى أن ذلك قد يشير كذلك لاحتكاك غير منظور بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة خاصة بعد صدور تصريح مضاد من مستشار البرهان العميد الطاهر أبو هاجة، الذي جاء نافياً لتصريح دقلو أو واضعاً له في إطار محدد، ووصف الصوارمي ما حدث بالمؤشر الخطير، إذا لم يتم تداركه يمكن أن يتطور، داعياً مجلس السيادة لتداركه بسرعة وحسم. وحذر من عدم التناغم في المكون العسكري، لأنه قد يكون له ما بعده، لكنه في ذات الوقت استبعد نشوب صراع يصل حد المواجهة القتالية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. مسؤولية تاريخية من ناحيته قال المحلل السياسي د. محمد عبد الله آدم (ود ابوك) "إن المسؤولية التاريخية تقع على عاتق الرجلين وينتظرهم الشعب السوداني بمختلف مكوناته وقواه السياسية لقيادة البلاد إلى بر الأمان، لافتاً إلى أن الخلافات بشأن وجهات النظر أمر طبيعي وان الآليات وطبيعة المؤسسة العسكرية التي تقوم على الضبط والربط تجعل الحديث عن الخلاف بينهما غير ممكن بحسب المعطيات الحالية. وأشار ود ابوك الى أن مهمة الرجلين حفظ الأمن والنظام وان لا يقتربان من الخلافات التي تقف وراءها القوى السياسية. واشار الى ان النائب دقلو حسم موضوع شائعة الخلاف وبالتالي أغلق الباب تماماً أمام الشائعات والتكهنات بشأن وجود خلاف بينه ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان. اليوم التالي