لم يتنازل الانقلابي البرهان مطلقا عن طمعه بحكم السودان. وهو بلا قاعدة اجتماعية تؤهله للحكم وبلا شرعية سوي شرعية الأمر الواقع، بل إن تأييده داخل القوات المسلحة لا يتعدى المائة ضابط في أعلى التقديرات. صعد إلى قمة هرم السلطة لسمسرته بين كل الأطراف، بين الدعم السريع والجيش، وبين قوي الثورة وفلول النظام البائد، ثم بين إسرائيل ومصر وروسيا والغرب. والآن بعد عام من الانقلاب يتواجه البائعون والمشترون في سوق مكشوفة بلا حاجة لأي سمسار. ولذا يواجه البرهان حاليا ذات لحظة الاختيار التي واجهها عمر البشير في فبراير 2019 والذي بدلا أن يختار خروجا آمنا مطروحا عليه وقتها تصور أنه يستطيع أن يلعب على الأطراف الرئيسية المتناقضة فيرضيها جميعا ويحافظ على سلطته، ولكنه وبقوانين الفيزياء السياسية خسر جميع الأطراف فخرج من السلطة كالسبيبة من العجين. ويكرر البرهان حاليا ذات غباء عرابه عمر البشير. يريد أن يرضي الإخوان المسلمين فيعيد تمكينهم في الدولة بل ويشكل معهم لجنة سياسية تابعة للاستخبارات العسكرية هي التي تفصل وتعين الأشخاص في كل مرافق الخدمة العامة، وفي ذات الوقت يطبع مع إسرائيل ويفتح لها التصنيع الحربي للتفتيش كما يحارب مع السعودية في اليمن ويطمع في نيل أموالها وأموال الإمارات مكافأة له لتمكين الإخوان المسلمين!!!. وكذلك ينسق مع الروس تهريب الذهب السوداني مقابل مشتروات السلاح وتدريب القوات وحملات التضليل الإعلامي وفي ذات الوقت يرسل الذخائر لأوكرانيا ويساوم الغرب على ثمن مقايضته الروس!!!. وموخرا بعد أن أُصيب الانقلاب بالشلل الرعاش ولاحت نذر التظاهرات المليونية في 25 أكتوبر القادم يعلن للرباعية موافقته على مشروع دستور نقابة المحامين كاساس للحل التفاوضي ثم يهرول إلى الحرية والتغيير بالقول انه مستعد تماما للعودة إلى الثكنات، ولكنه وفي ذات الوقت يعيد تنصيب نقابة المحامين الكيزانية المحلولة بأمر الشعب ويعتقل وجدي صالح ويدفع الكوز رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة ليسترضي إخوانه في التنظيم ويحرض ضد الحرية والتغيير. يتصور البرهان انه يمكن أن يحتال على قوى الثورة والفلول في ذات الآن. لكن من البداهات انه لا يمكن إرضاء كل الأطراف في ذات الوقت. ومن البداهات أن من يسعى في ذلك يخسر في النهاية الأطراف جميعا. والبرهان الطامع في السلطة حد الشبق الجنوني يعتقد انه يمكن أن يستهبل كل الأطراف ليبقى سمسارا بينها على سدة الحكم. ولكن على عكس توهمات البرهان تتجمع الآن كل الإرادات ضده، فإذا لم يسارع ويقبل حقا حلا ديمقراطيا حقيقيا فإنه سيذهب قريبا جدا. تقول الأسطورة الإغريقية ان حمار بوردان المتردد كانت أمامه حزمتان من العلف ويفترض أن يأكل من احداهما فظل يتردد بين الحزمتين حتى مات من الجوع. والبرهان إما يختار الفلول الذين لا يثقون به فيذهب معهم ليتخلصوا منه بعد حين، أو يختار قوي الديمقراطية ويدفع لها الاستحقاق اللازم بالتخلي عن طمعه ووهمه بحكم البلاد، وليس بين الخيارين منطقة وسطى سوي الموت جوعا في كوبر أو بخازوق كخازوق القذافي. المصدر: صحيفة الديمقراطي