في مثل هذا اليوم 21 أكتوبر 1964م اسقط السودانيون نظام الرئيس إبراهيم عبود بثورة شعبية، وبدأت حقبة جديدة للدولة السودانية، وبعد مرور أكثر من نصف قرن مازالت نضالات الشعب متواصلة عبر ثورة ديسمبر المجيدة، مطالباً بالحرية والسلام والعدالة. وما يجمع الثورتين شعب ثائر في مواجهة أنظمة عسكرية ويطالب بدولة مدنية تعددية تكون فيها المواطنة أساس الحقوق الواجبات، وتظل قضايا الحرب والسلام قاسماً مشتركاً بينهما مع اختلاف الأزمنة وظهور نتائج ثورة اكتوبر بتحقيق اهداف في التحول الديمقراطي، بينما مازالت ثورة ديسمبر تواجه مخاضاً عسيراً لتحقيق شعارتها، وتظل كل الاحتمالات واردة مفتوحة بما نتج عن ديسمبر بنهاية الفترة الانتقالية. حكومة الأحزاب وقال الناشط السياسي هشام الشواني إن ثورة أكتوبر قامت في وقت كانت فيه الدولة السودانية في مرحلة كانت القوى السياسية فيها شابة، واليمين واليسار في بدايتها والقوى الطائفية كانت موجودة في الحياة السياسية وكانت قائمة بكل زخمها وقتها، وبالتالي كل مظاهر الدولة الوطنية، وقامت الثورة وكانت هناك دعائم تدفع نحو الاستقرار، وبعد سقوط عبود كونت حكومة انتقالية وسقطت حكومة الهيئات وقامت حكومة الأحزاب، وسريعاً ما ذهبت نحو الانتخابات، ونشأ نظام برلماني فيه ديمقراطية تعددية، والفرق الأساسي بين أكتوبر 1964 وديسمبر 2018م أن تلك الثورة جاءت من شباب الدولة الوطنية، ولكن ديسمبر قامت لتكتب موت وشيخوخة ونهاية حقبة الدولة ما بعد الاستقلال، وفي ثورة ديسمبر الطريق لم يكن واضحاً والقوى الاجتماعية لم تكن مسيطرة من الأحزاب بمواجهات جديدة مختلفة عن السياسية وغياب للأفكار والايديولوجيات وغياب البرامج السياسية، مما جعل ثورة ديسمبر مفتوحة على كل الاحتمالات مثل الفوضى والعبث والتفكك ومفتوحة على المجهول، والمجهول كان قابعاً في ثورة اكتوبر، وكان الطريق معلوماً، والآن نحن نعاني من آثار اجتماعية وفقر وانقسامات عرقية وضعف في مؤسسات الدولية الوطنية، وهذه العوامل تجعل ثورة ديسمبر تسير ناحية نهاية حقبة الدولة ما بعد الاستعمار وبداية حقبة جديدة مفتوحة على المجهول. بناء الدولة ويقول المتحدث باسم الحرية التغيير شهاب إبراهيم الطيب: (ان ما بين أكتوبر وديسمبر يقرأ كحركة متصلة وليست منفصلة عن تراكم خبرات الشعوب، وبناءً على ذلك نعتبر ثورة ديسمبر استقلالاً ثانياً للدولة السودانية، وهي منصة لتأسيس الدولة باعتبار أن تراكم فشل الدولة في تحقيق الاستقرار الكافي لبناء دولة مسألة كانت من الدواعي التي قامت عليها ثورة ديسمبر، وإذا نظرنا للمطالب الموجودة في هذه الثورة نجدها متعلقة بقضايا البناء الوطني، وهذا ما يميز ديسمبر من أكتوبر وأبريل، واستمرار الحراك في ظل حكومة مدنية حكومة الفترة الانتقالية المنحلة يوضح طبيعة حراك هذه الثورة عن غيرها). الأجيال الجديدة ويقول الكاتب الصحفي يوسف السندي: (إن ما بين أكتوبر وديسمبر من ناحية التغيير ليس ثمة تغيير كبير يمكن للفرد ان يبني عليه خلاصات كاملة بأن ثورة ديسمبر سوف تكون نهاياتها مختلفة عن نهايات ثورة أكتوبر، إلا بالجزم بأن الأجيال الجديدة سوف ترعى هذه الثورة وتواصل حمايتها والدفاع عنها والتضحية في سبيلها عبر السنوات العشر القادمة، لكي يسمحوا على الاقل للحكم الديمقراطي بأن يكمل دورة واحدة ويسلم السلطة سلمياً لدورة أخرى، وهو الشيء الذي لم يحدث بعد ثورة أكتوبر ولا حدث بعد ثورة أبريل، وفي اجواء انتفاضة اكتوبر كان الصراع اليميني اليساري على أشده، اذ كان ميلاد الحركات اليمينية نابعاً اصلاً من خطاب المواجهة مع اليسار، ولا يبدو أن الواقع الآن قد تغير، فالاستقطاب اليساري اليميني واضح للعيان ومازالت معاركه مشتعلة، وليس مستبعداً ان يقود هذا الصراع إلى هزيمة وحدة قوى ثورة ديسمبر مما يعرضها لنفس مصير ثورة أكتوبر). ويقول السندي في مقال له منشور في (الراكوبة): (في ثورة اكتوبر كانت قضية الحرب والسلام حاضرة بقوة، وهي كذلك اليوم. ولم تفلح ثورة أكتوبر في معالجة قضية الحرب، بينما تحاول ثورة ديسمبر ان تقارب هذه المشكلة المزمنة بطريقة أكثر جدية على صعيد العمل السياسي، مع التسليم بأن الزخم السياسي الذي صنعه تجمع المهنيين للثورة قد عبر بها فوق حواجز عدم الثقة بين الأجيال الجديدة والأحزاب السياسية، إلا أن حقيقة ان الأحزاب السياسية هي طوب بناء الواقع السياسي والدولة تعيد الكرة مرة أخرى إليها، وعندها سيرى الجميع أن الأحزاب التي فجرت ثورة أكتوبر هي نفسها التي فجرت ثورة ديسمبر، وللغرابة سيرى الجميع ايضاً ان الملامح العامة للاحزاب السياسية ظلت كما هي رغم تعاقب السنين، ولم يطرأ تغيير حاسم على بنيتها ينقلها نحو المؤسسية والاحترافية الكاملة، وسوف يكون هناك اختلاف حقيقي بكل تأكيد اذا استطاعت ثورة ديسمبر ان تحل أزمة الحرب وأن تحاصر الصراع السياسي العبثي وأن تبني أحزاباً مؤسسية، وهذه الثلاثية كانت أساس هزيمة ثورة أكتوبر، وشبحها الآن موجود، فهل تستطيع ثورة ديسمبر الصمود أمامها واحداث التغيير المصيري فيها). الانتباهة