نجح الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن، في خط تجربة روائي مختلفة، تمكن من خلالها من تحويل أكثر المواضيع السودانية خصوصية ومحلية إلى قضايا كونية، ولا أدل على ذلك من روايته الأخيرة (الجنقو مسامير الأرض)؛ التي نالت أخيراً جائزة الأدب العربي بباريس. فالبدايات شكلت ساكن ثقافياً وإبداعياً وإنسانياً، وانعكست على رؤيته الروائية والقصصية، خاصة وأنه سلك درباً يتبع فيه الواقع السوداني المهمش والمسكوت عنه. إن رواية (زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة ) استطاعت تمثيل الجدل المثار حول قضية الهوية والتنوع العرقي بين مكونات المجتمع السوداني الشمالي والجنوبي، في فترة الحرب قبل انفصال دولة جنوب السودان. كما استطاعت الرواية أن تعمق الرؤية حول مفهوم الحرية والعبودية بخطاب سردي أفاد من الدين والفلسفة والفكر الإنساني.. أما الجنقو مسامير الأرض فتتحدث هذه الرواية عن الإنسان.. بفقره وضعفه وآلامه ..بأخطائه وخطاياه . تتحدث عن العمال الموسميين (الجَنقو) الذين تركوا قراهم الفقيرة بحثاً عن لقمة العيش، وأملا في العودة بثروة صغيرة تغير حياتهم.. وفي سبيل ذلك يقبلون أن تطحنهم تروس الحياة الخشنة مرات ومرات، في مزارع السكر وحقول السمسم والمصانع ذات الآلات الرثة.. ثم جاءت روايته ( الرجل الخراب ) عبر تقنيات تصوير وتجسيد فريدة ومبتكرة، صورة (الرجل الخراب) لنرى كيف يصيب الخراب رجلًا بكامله.. بل كيف يتحول الرجل نفسه إلى خراب يمشي على قدمين، ثقيلاً لا يطيقه أحد…ومثقلاً بما لا يطيق.(الرجل الخراب) لعبد العزيز بركة ساكن، رواية قصيرة لكنها ممتلئة القوام، تطرح العديد من الأسئلة. مبنية على فلسفة التفكيك والتشريح لبواطن المهاجر.. بين ما يُظهر وما يُبطن، بين ما يظنه عن ذاته وما تكشفه الأحداث، بين ما هو موجود بالقوة وما هو غير موجود. يبدو القاص والروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن، إشكالياً بالنسبة للكثيرين.. سواء فيما يطرحه عبر أعماله أو في مواقفه من قضايا مختلفة في السياسة والأدب ..بالنسبة للكثيرين تستحق تجربة الروائية الاحتفاء والتوثيق، ذلك لأنها من التجارب القوية والمتماسكة والمستمرة التي عرفها المشهد الثقافي السوداني.. اليوم التالي