أشار تقرير في صحيفة (ناشيونال) الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية؛ إلى أن الأزمة السياسية في السودان بعد الانقلاب، أدت لتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية. في حي القادسية بالخرطوم، محمد إبراهيم، صاحب بقالة، وأب لأربعة أبناء، يبلغ من العمر (50) عامًا، يشكو من تدهور الأوضاع الاقتصادية. يقول محمد إن الزبائن يشترون المواد الأساسية فقط، مثل: الفول، والعدس، والسكر، وزيت الطهي، بينما تتراكم على رفوف محله بقية المواد الاستهلاكية. قبل عام، بفترة وجيزة من استيلاء الحاكم العسكري، الجنرال عبد الفتاح البرهان، على السلطة في 25 أكتوبر وانقلب على التحول الديمقراطي في السودان، كان إيجار متجر إبراهيم (20) ألف جنيه (35 دولارًا)، ويقول إن الإيجار الآن قفز إلى (80) ألف جنيه. أضاف: "البقالة لا تغطي الإيجار ونفقات عائلتي، لذلك أفكر في التخلي عنها وبدء العمل في مطعم صغير لتغطية نفقاتهم. كل ما يهمني الآن هو توفير الطعام لعائلتي، وأن أكون في أمان معهم. لذلك يجب أن يرحل البرهان لأن حياتنا أصبحت شبيهة بالموت البطيء منذ أن تولى السلطة". بعد مرور (12) شهرًا على الانقلاب، أصبحت الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها إبراهيم شائعة جدًا. الآن السودان غارق في الفوضى والعنف، يتأرجح على شفا الانهيار الاقتصادي، ويقبع في عزلة دولية مماثلة لتلك التي شعر بها خلال ثلاثة عقود من حكم الديكتاتور عمر البشير. أنهى هذا الانقلاب شراكة فريدة استمرت عامين بين الجيش والجماعات المؤيدة للديمقراطية، في حكومة انتقالية تولت السلطة بعد فترة وجيزة من الإطاحة بالبشير من السلطة في أبريل 2019، وسط موجة من الاحتجاجات في الشوارع ضد حكمه الذي دام (29) عامًا. أشعل انتزاع الجيش للسلطة في عام 2021 موجة من المسيرات المناهضة للجيش جذبت الملايين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، وقد قوبلت الاحتجاجات بأحداث عنف دامية من قبل قوات الأمن التي تعمل بأمر من الجنرالات، وقتل ما لا يقل عن (117) شخصاً وجرح (6000)، وبعدها انزلقت البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية في الذاكرة الحية. وهي حالة يرثى لها، نتجت جزئيًا عن تعليق مساعدات غربية بمليارات الدولارات ردًا على انقلاب الجيش. الانقلابي البرهان هجرة جماعية أعادت الفوضى التي أعقبت الانقلاب الخلافات الطائفية والقبلية المميتة في المناطق الغربية والجنوبية من البلاد، حيث قتل المئات ونزح عشرات الآلاف، وأثر الانقلاب على ملايين السودانيين الفقراء، حيث أنهى برنامجاً ممولاً من الاتحاد الأوروبي (ثمرات) منح الفئات الأكثر ضعفاً راتباً شهرياً قدره (5) دولارات لمساعدتهم على التكيف مع الأسعار المرتفعة. قالت سليمة إسحاق، ناشطة في مجال حقوق المرأة، ومشاركة في الثورة ضد البشير في الفترة من ديسمبر 2018 إلى أبريل 2019: "لقد تعلمنا التعامل مع الصعوبات التي نواجهها في حياتنا اليومية، معظمنا ليست لديه أدنى فكرة عما سيأتي به اليوم التالي، لا أحد يستطيع أن يتطلع إلى الأمام، ناهيك عن التخطيط للمستقبل. يمكنك أن ترى الإحباط في وجه الجميع، يغادر الناس البلاد بأعداد كبيرة، هاربين من المصاعب الاقتصادية، ويبحثون عن الأمان لأطفالهم الصغار، ويستأنفون حياتهم في أماكن أخرى". خارج الدعم عضو لجان المقاومة، داؤود عبد العزيز، أكد ما قالته السيدة إسحاق، وقال: "البرهان ليس له أي دعم فعليًا خارج دائرة الموالين للجيش، إنه في السلطة بفضل قوة السلاح المتاحة له، ما هو مستقبلنا مع أشخاص مثله في السلطة؟ إنه ليس تشاؤمًا، ولكن ما هو مستقبلنا حقًا؟". الآن يصر رئيس الدولة الفعلي في السودان، الجنرال البرهان، على أن الاستيلاء على السلطة كان يهدف إلى تصحيح مسار الثورة، وتجنيب الأمة حربًا أهلية، واستعادة الهيبة والاحترام اللذين تستحقهما القوات المسلحة. وقالت الناشطة المؤيدة للديمقراطية، والباحثة السياسية، رحاب فضل السيد: "لقد زعموا أن الانقلاب إجراء تصحيحي، بينما في الواقع كان مؤامرة تاريخية. قالوا إنهم يريدون تصحيح مسار التحول الديمقراطي، لكن انتهى بهم الأمر إلى سحق العملية برمتها جنبًا إلى جنب مع تطلعات الشعب السوداني". وتحت ضغط دولي متزايد، قال الجيش في أواخر الصيف، إنه مستعد للتنحي والسماح للمدنيين بتعيين رئيس وزراء جديد ورئيس دولة ليحل محل الجنرال البرهان خلال الفترة المتبقية من الفترة الانتقالية وحتى إجراء الانتخابات. ومع ذلك، اقترح الجنرال البرهان أن الجيش سيحتفظ بالكلمة الأخيرة في السياسة، باعتباره الوصي والمدافع عن الأمة، عندما يتولى المدنيون زمام الأمور في الدولة الفقيرة. الجيش لن يتراجع الأحزاب السياسية التقليدية والجماعات المؤيدة للديمقراطية وقادة الحركات المسلحة الذين وقعوا اتفاق سلام مع الجيش في عام 2020؛ منقسمون بشأن الطريق إلى الأمام بالنسبة للسودان، حيث يكون الدور السياسي للجيش هو الخلاف الرئيسي, وقال البرهان: "على الرغم من أن القوات المسلحة لن تشارك بفعالية في السياسة، إلا أنها ستواصل مراقبة الوضع بطريقة تمنع البلاد من الانزلاق، وستواصل تحقيق شعار (شعب واحد .. جيش واحد) ولن تتراجع القوات المسلحة عن الوفاء بالتزامها بحماية البلاد وشعبها". ليس من المستغرب أن يصر الجيش على أن يكون المصدر النهائي للسلطة في السودان، حكم الجنرالات من جميع الأطياف الأيديولوجية السودان لمدة (66) عامًا منذ الاستقلال عن بريطانيا ومصر، وطردوا الحكومات المنتخبة بشكل روتيني لتولي السلطة. الاستثناء الوحيد هو عندما أطاح الجيش بقائده من السلطة، جعفر نميري، في عام 1985، لكنه سلم السلطة إلى حكومة منتخبة بعد عام. ومع ذلك فإن، الجماعات المتشددة المؤيدة للديمقراطية، مثل لجان المقاومة، مصرة على أن الجيش يجب أن يخرج نفسه تمامًا من السياسة، ويخضع إلى جانب الشرطة والأجهزة الأمنية، للرقابة المدنية. ولكن الجيش يرفض بشكل قاطع الرقابة المدنية، كما يريد النشطاء محاكمة الجنرالات بتهمة قتل المتظاهرين، ويعد إصلاح الجيش ودمج جميع القوات شبه العسكرية والقوات المتمردة في صفوفه، أحد مطالبهم الرئيسية. مظاهرات حاشدة بمناسبة ذكرى الانقلاب العسكري، تخطط لجان المقاومة، وكل الأحزاب، والمجموعات المؤيدة للديمقراطية، لتجمعات حاشدة مناهضة للجيش في الخرطوم ومدن رئيسية أخرى يومي الجمعة والثلاثاء المقبلين. قال عبد الناصر علي، محاضر في العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري بالخرطوم: "تصعيد النضال الشعبي ضد الجيش هو الخيار الأكثر واقعية، يجب على القوى السياسية توحيد الصفوف وإسقاط النظام، لكن الوقت الحاضر غير مناسب لأي حل سياسي". ظهرت العديد من المقترحات لحل الأزمة السياسية في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مبادرات من الجماعات القبلية والطرق الصوفية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والجماعات المؤيدة للديمقراطية. انهار حوار تدعمه الأممالمتحدة بين جميع أصحاب المصلحة هذا العام، عندما قاطعت الجماعات المؤيدة للديمقراطية العملية، قائلة إنها لن تتعامل مباشرة مع الجنرالات. كما أدت الخلافات بين الجماعات المدنية إلى عدم بذل أي محاولة جادة للتوصل إلى اتفاق شامل حول الانتقال الديمقراطي في السودان, ومما زاد من تفاقم المأزق ظهور بوادر تصدعات داخل المؤسسة العسكرية. ومن المؤسف أن البرهان ورفاقه العسكريين وجدوا ما يشبه قاعدة سلطة في المتطرفين الذين دعموا البشير ذات مرة، مما سمح لهم بإعادة تعيينهم في الوظائف الحكومية والإعلامية الرئيسية التي تم طردهم منها، وإلغاء تجميد أصولهم ومنحهم الحرية ليكونوا ناشطين سياسياً مرة أخرى. كما علقوا عمل لجنة ما بعد البشير المكلفة بتفكيك انظام الإنقاذ، كما اعتقل الجيش أعضاء اللجنة، وسعى إلى مقاضاتهم بتهم فساد ملفقة، خلافًا للرواية التي تبناها الجنرال البرهان وغيره من جنرالات الجيش، وأعرب قائد القوات شبه العسكرية (الدعم السريع) عن خيبة أمله من نتيجة الانقلاب العسكري العام الماضي. وقال الجنرال محمد حمدان دقلو في احتفال ديني: "بعد 11 شهرًا من التغيير، ليست لدينا حكومة، ولم نحرز أي تقدم". مرددًا التعليقات التي أدلى بها في مقابلة مع (بي بي سي) بأن الاستيلاء فشل في تحقيق أهدافه. (ناشونال- الديمقراطي)